الجاسوسية في العصور الوسطى
كريم رمضان
اتسمت جيوش العصور الوسطى بقلة العدد , وبدائية السلاح , فكان لابد لمن يريد النصر الؤزر أن ينشط سلاحه الثالث .. سلاح المخابرات , حتى يقصر أمد الحرب , ويقلل الخسائر , وتنجح خططه في مفاجأة العدو , وتضيق الخناق عليه , وقطع خطوط إمداده وتموينه , وشل حركته , وإجباره على الإستسلام . ويتوقف ذلك إلى حد كبير على مقدار ما يتوافر له من معلومات عن ظروف العدو , والعدة , والخطة , والمواقيت , والروح المعنوية للجند , ومواطن القوة والضعف في الجيش , وكشرط أساسي للنصر , لابد أن يكون الاعتماد الاول – بعد مشيئة الله – على توفير أفضل حالات الاستعداد للجيش المحارب , وإلا فلا قيمة لأثمن المعلومات , والأمثلة على ذلك كثيرة .
هزيمــة الملك هــارولد
لم تعرف إنجلترا قبل الملك هارولد في القرن الحادي عشر حاكماً اهتم بالمخابرات مثل اهتمامه .
توافرت لديه كل المعلومات عن خطة ” وليم الفاتح ” في الهجوم على إنجلترا: التوقيت , ومكان نزول الجيش , وعدد الجنود الذين جمعهم وليم الفاتح , وخط سير المعركة . ومع ذلك خسر هارولد الحرب , لابسبب نقص المعلومات ودقتها , ولا لخطأ ارتكبته مخابراته , بل لأن جنوده سئموا القتال , ودب فيهم المرض والكلال , بعد السير مسافات طويلة .
خــوارق النينجــا
فيما عدا الملك هارولد , لم يكن بين حكام أوروبا من أهتم بالمخابرات في العصور الوسطى , على عكس حكام الشرق , إذ لابد وأن تكون تعاليم ” صن تزو ” الصينية قد انتشرت في شرق الصين وغربه , وعرفها اليابانيون والمغول .
في اليابان ظهر فن ” النينجا ” , وهو اسم مأخوذ من كلمة يابانية معناها ” اللامرئي ” أو فن ” الاستخفاء ” . كان يمارسه في اليابان , في القرن الثاني عشر , فئة من صفوة شباب الساموراي بدنيا واجتماعياً , قيل انهم تدربوا حتى اكتسبوا القدرة على المشي فوق الماء , والحصول على المعلومات أثناء التخفي , والاختفاء والظهور حسب إرادتهم , على الرغم مما في هذا الزعم من مبالغة وتحريف , إلا أنهم خضعوا لتدريب شاق , على أعمال فذه منذ الصغر , كالمشي على الحبال المشدودة , والتعلق في فروع الأشجار بدون حركة لمدة طويلة , والسباحة تحت الماء مسافات طويلة .
حتى صاروا سادة التخفي , والتمويه , والاستطلاع , ومن هنا اكتسبوا اسمهم الخرافي : ” النينجا ” وبهذه القدرات برعوا في الخدمات التي أدوها , سواء كانوا جواسيس أو مقاتلين , كما أنها أكسبتهم منزلة عالية جدا في المجتمع الياباني .
جانكيـــز خـــان
ويتجلى استخدام المغول للجاسوسية بأوضح معانيه في عهد جانكيز خان .
فما كان لذاك ” الإمبراطور المقاتل المغوار ” – وهذا هو اسمه بلغته – أن يبسط سلطانه على الأرض ما بين منغوليا وأبواب العالم العربي , بدون خطط محكمة .. وكانت الخطط المحكمة تحتاج بالضرورة إلى معلومات دقيقة , يستقيها جواسيس أكفاء , ويجمعها عملاء أذكياء من جنسيات مختلفة , كمقدمة وأساس لغزواته .
كما كان يكلف التجار المتجولين , ينتشرون في البلاد التي يوشك أن يغزوها , يسجلون المعلومات اللازمة , ويدونون مشاهداتهم وما يسمعون , ويرسلونها إليه . وكثيرا ما لجأ جانكيز خان إلى إيفاد بعض أمهر قواده في مهام جاسوسية صعبة , ومن هؤلاء : قائد اسمه ” سبتاي ” وآخر اسمه ” نويون”
سبتاي يخدع التتار : كان ” سبتاي ” من أبرز قادة جيش ” جانكيز خان ” .
فلما عزم الأخير على شن الحرب على التتار , افتعل خلافا مع ” سبتاي ” , وكلفه باللجوء إلى قائد التتار , وزعم أنه تخلى عن جانكيز خان وانشق عليه .
وأنه يرغب في الانضمام إليه . وإثباتا لحسن نيته قدم له معلومات مزيفة خلاصتها أن جيش المغول بعيد عنهم , وصار يزود جانكيز خان بالمعلومات سرا . وفوجئ التتار بجيش المغول يحدق بهم , فأدركوا أن ” سبتاي ” لم يكن سوى جاسوس خدعهم . لكن بعد فوات الأوان .
نويون في الصين : أما ” نويون ” , فقد ارسله ” جانكيز خان ” على رأس قوة مغولية من الفرسان , لمساعدة إمبراطور الصين في القضاء على تمرد حاكم الإقليم الجنوبي . وكان جانكيز خان يضمر شرا للإمبراطور الصيني , فأوصى ” نويون ” بالحصول على كل المعلومات اللازمة لشن هجوم على الصين , ونفذ ” نويون ” الوصية , واستفاد ” جانكيز خان ” من المعلومات في وضع خطته