بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)التغابن
يقول تعالى مخبراً عن الأزواج والأولاد، أن منهم من هو عدّو الزوج والولد، بمعنى أنه يلتهي به عن العمل الصالح، كقوله تعالى: {لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر اللّه ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون}، ولهذا قال تعالى ههنا {فاحذروهم}
قال ابن زيد: يعني على دينكم، وقال مجاهد {إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم} قال: يحمل الرجل على قطيعة الرحم، أو معصية ربه، فلا يستطيع الرجل مع حبه إلا أن يطيعه
وقال ابن أبي حاتم: عن ابن عباس، وسأله رجل عن هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم} قال: فهؤلاء رجال أسلموا من مكة، فأرادوا أن يأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم، فلما أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، رأوا الناس قد فقهوا في الدين فهمُّوا أن يعاقبوهم، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية: {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن اللّه غفور رحيم}
"أخرجه ابن أبي حاتم ورواه الترمذي، وقال: حسن صحيح"
وقوله تعالى: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة واللّه عنده أجر عظيم}. يقول تعالى: إنما الأموال والأولاد {فتنة} أي اختبار وابتلاء من اللّه تعالى لخلقه، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، وقوله تعالى: {واللّه عنده} أي يوم القيامة {أجر عظيم} كما قال تعالى: {ذلك متاع الحياة الدنيا واللّه عنده حسن المآب}
روي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يخطب، فجاء الحسن والحسين رضي اللّه عنهما عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من المنبر فحملهما، فوضعهما بين يديه، ثم قال: (صدق اللّه ورسوله {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما)
"رواه أحمد وأهل السنن عن أبي بريدة"
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:
(الولد ثمرة القلوب، وإنهم مجبنة مبخلة محزنة)
"أخرجه الحافظ البزار"
قلت :وفي الطبراني زيادة "مجهلة"وقال الإمام الحافظ العراقي: إسناده صحيح
ومعنى قوله "مجبنة" أي أن الولد سبب لجبن الأب فإنه يتقاعد من الغزوات بسبب حب الأولاد والخوف من الموت عنهم
ومعنى قوله "مبخلة" أي أن الولد سبب للبخل بالمال
ومعنى قوله "مجهلة" لكونه يحمل على ترك الرحلة في طلب العلم والجد في تحصيله لاهتمامه بتحصيل المال له
ومعنى "محزنة" لأنه يحمل أبويه على كثرة الحزن لكونه إن مرض حزنا، وإن طلب شيئاً لا قدرة لهما عليه حزنا
ذكر ذلك الإمام المناوي في فيض القدير
والله أعلم
***- ***- ***- ***-
من مختصر تفسير ابن كثير رحمه الله
للشيخ د. محمد على الصابوني
منقول من مدونة صديقة