ضرس العقل .. هل له فعلاً علاقة بالحكمة والعقل؟
ارتبط ظهور ضرس العقل في كل الأزمان وفي مختلف الحضارات بتمام ونضوج فكر الإنسان؛ ولذلك نرى أنه يطلق عليه ضرس العقل باللغة العربية، وكذلك سمي بضرس الحكمة عند المجتمع الإنجليزي وكذلك المجتمعات الأخرى، ولكن نحب أن ننوه هنا أن هذه النظرية لها شيء من الصحة، وذلك من ناحية أنه يظهر ما بين الثامنة عشرة إلى الخامسة والعشرين من العمر، وهذه الفترة يكون فيها عقل الإنسان قد وصل إلى مرحلة من الوعي والنضوج، ولكن هذا لا يعني أن نطلق على أي شخص تظهر له ضروس العقل بأنه إنسان راشد عقليا وحكيم، وإنما هو متعلق بالفترة الزمنية فقط لا غير.
ولقد بات ضرس العقل أكثر الأسنان تمييزا، كونه يظهر في سن متأخرة من العمر، وكذلك اعتباره مصدرا للإزعاج لكثير من الناس لما يسببه من مشاكل عديدة؛ ولذلك نضعه اليوم في قفص الاتهام، ونسأله لماذا كل هذه المشاكل التي تسببها، وخاصة لمن هم في سن الزهور؟ وهل أنت السبب في تخريب الأسنان المرتبة بواسطة تقويم الأسنان؟ مسببا تزاحم وتراكم الأسنان في أفواه من يسعون إلى الابتسامة الجميلة الكاملة الخالية من العيوب.
فاليوم نسلط الضوء على هذا الموضوع، ونبحر في طياته؛ لنثقف العامة عن ماهيته وأعراض ظهوره والمشاكل المصاحبة له، وطرق التعامل معه.
ما هو ضرس العقل؟
هو آخر الطواحن، والذي يؤدي دورا جيدا في مضغ الطعام، وكذلك يسهل عملية بلعه، وهو آخر الأسنان ظهورا في فم الإنسان؛ إذ جعله الله لحكمة عظيمة جدا ألا وهي ضم جميع الأسنان جنبا إلى جنب، وإغلاق الفراغات الموجودة بين الأضراس، وذلك لمنع تراكم الطعام بين الفتحات المؤدي إلى تكون الجير المسبب لتسوس الأسنان، وعدد ضروس العقل أربعة، اثنان منها موجودان في الفك العلوي، واثنان في الفك السفلي.
ونظرا لأنها آخر الأسنان ظهورا، ففي الغالب لا تجد لنفسها مكانا في عظام الفكين؛ فنجدها إما أنها لا تظهر كليا، وإما أنها تظهر جزئيا، أي جزء ظاهر في الفم والجزء الآخر ضامر داخل عظم الفكين، وهذا مما لا شك فيه يسبب العديد من الانزعاجات لدى الشخص، مسببا كثيرا من الآلام والمتاعب التي لا حصر لها.
الأعراض التي تنتاب الشخص عند بداية ظهور ضروس العقل:
تغير رائحة الفم إلى رائحة كريهة بعض الشيء، كذلك ملاحظة تغير في مذاق الفم، والشعور بعدم الراحة، والعض على الخدين من الداخل؛ مما يسبب التورم في اللثة، وأيضا الشعور بانتقال الألم إلى مفصل الفك، وإلى الأذن والعين، وأحيانا يستمر الألم غالبا لعدة أيام ثم يختفي، وما يلبث أن يعود بعد عدة أسابيع أو أشهر.
عدم ظهور ضرس العقل له أسباب متعددة من أبرزها:
صغر حجم الفك؛ بحيث لا يكون له متسع للظهور كليا، وفي بعض الحالات يسبب عدم ظهور برعم السن كليا منذ البداية؛ فلا تظهر السن نهائيا، وأيضا قد تنمو السن بشكل عرضي أو مائل؛ مما لا تسمح له الأسنان المجاورة بالخروج.
فهذه المشاكل لها عوامل تؤثر عليها ومنها العامل البيئي، ففي السابق وفي العصور القديمة كان الناس يأكلون الطعام الجامد القاسي غير المطبوخ؛ وهذا يؤثر كثيرا على تآكل الأسنان وضمورها، نتيجة الاحتكاك القوي الذي يصيب الأسنان، هذا بالإضافة إلى كبر الفكين في تلك العصور؛ مما ساعد كثيرا على سهولة ظهور ضرس العقل بأريحية.
وعلى العكس في وقتنا الحاضر، مع تيسر سبل المعيشة والحياة المرفهة التي نعيشها، فنوعية طعامنا عموما تتميز بالليونة؛ مما قلل احتكاك الأسنان بعضها ببعض، وأدى ذلك إلى صغر المسافة المخصصة لبزوغ ضرس العقل؛ مما يتسبب في ضموره وعدم ظهوره. والعامل الثاني هو العامل الوراثي، والذي نتج عن تزاوج الأعراق المختلفة بعضها ببعض في الوقت الحاضر؛ مما أدى إلى تزايد نسب تشوهات الأسنان والفكين، ومنها تزاحم الأسنان، وخصوصا ضروس العقل.
المشاكل المصاحبة لظهور ضرس العقل:
قد يحدث التهاب في اللثة التي تحيط المنطقة عند محاولة الضرس الظهور، والأخطر من ذلك أن هذا الالتهاب والتورم قد يحتجز تحته إفرازات صديدية تزيد من الألم، فلا يستطيع الشخص أن يفتح فمه بسهولة، وقد لا يستطيع في بعض الأحيان بلع الطعام مع ارتفاع في درجة الحرارة، والشعور بالتعب والإعياء، وقد يكون ضرس العقل موقعا للآلام بين الحين والآخر نتيجة لضغطه على عصب الفك السفلي.
والمشكلة الأعظم هنا لا تقتصر فقط على تورم أو آلام مزعجة، ولكن تمتد إلى أن يكون ضرس العقل مصدرا للقلق على صحة الإنسان، فموضع هذا الضرس منطقة معرضة للالتهابات المزمنة، التي لا يحس بها غالب الناس، وخاصة السيدات الحوامل، اللاتي هن عرضة لولادة مواليدهن بشكل غير كامل النمو، كالقلب والدماغ وبعض مناطق الجسم، وهذا يجعلنا نلفت الانتباه إلى ضرورة الحفاظ على ضروس العقل من الميكروبات كإحدى الأولويات الصحية لمختلف الأعمار، وإن كانت سلامة جميع الأسنان أمرا مهما أيضا، ولكن موضع ضرس العقل يتميز بأنه بعيد داخل الفم، وبالقرب من مناطق قريبة من الرأس والرقبة بكل ما تحمله من أوعية دموية وليمفاوية يسهل انتقال الميكروبات منها إلى أنحاء الجسم القريبة والبعيدة.
توصيات حول الحفاظ على ضرس العقل أو خلعه:
نقدم لكم هذه النظرة الخاصة، بناء على ما ورد ذكره من أبحاث، وبناء على خبرة كثير من الخبراء في هذا المجال،
أولا: كل حالة تختلف عن الأخرى، فإذا كانت ضروس العقل مضمورة ومائلة، وليس لها فراغ لبروزها فهنا ينصح بخلع الضرس في سن العشرين أو قبل ذلك؛ للوقاية من تزاحم الأسنان ومشاكلها.
ثانيا: إذا كانت ضروس العقل مصابة بالتسوس أو بالتهاب اللثة المزمن ينصح أيضا بخلعها بأسرع وقت ممكن.
ثالثا: إذا كان الإنسان يجد صعوبة في تنظيفها، ولا يستطيع الاعتناء بها، فيمكن خلعها مبكرا لمنع تسوسها في المستقبل.
رابعا: إذا كانت ضروس العقل سليمة، ولها فراغ كاف وليست مائلة، فلا يجب خلعها ولكن يجب فحصها باستمرار عند طبيب الأسنان.
خامسا: إذا كانت أسنانك في حاجة لتقويم أسنان، فيفضل عدم خلعها إلا بعد استشارة طبيب التقويم؛ كونه أحيانا يحتاج إلى وجودها لأغراض معينة تساعد في إكمال العلاج. وتقرير خلعها من عدمه يعود إلى خطة العلاج المعدة لتقويم الأسنان.
سادسا: إذا كانت بعض ضروس العقل ناقصة، فيجب خلع البقية الباقية. فمثلا لا يمكن أن نترك ضرس عقل في الفك العلوي دون مثيله في الفك السفلي؛ كونه سيستمر في البزوغ حتى يرتطم بالفك السفلي، وذلك قد يسبب مشاكل في الإطباق والتهابا في اللثة وغير ذلك من المشاكل.
وأحيانا أخرى فإن وجود ضرس عقل في جهة واحده فقط قد يسبب ميلان الأسنان إلى الجهة الأخرى، أو تزاحما في جهة أكثر من الأخرى. ففي هذه الحالات يكون خلع ضروس العقل المتبقية ضروريا جدا.
وفي الختام نحب أن نذكر أن القرار الأول والأخير لخلع أو بقاء ضرس العقل يعود إلى طبيبك المختص، ومدى اقتناعك بما يقول، ويجب الذهاب إليه مبكرا بمجرد الإحساس بأعراض ظهور سن العقل، ولا ننسى دائما أن «الوقاية خير من العلاج»،