قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن سورة فى القرآن ثلاثين آية شفعت لصاحبها حتى غفر له : تبارك الذى بيده الملك "
وهذا يعنى لمن أحبها وحفظها وأدرك معناها وآمن بما فيها وقدس الله سبحانه تعظيما لقدرته وعمل بها ، فهى تشفع له وليس المقصود كما يقول العامة من قرأها قبل الوفاة مباشرة تعفيه من السؤال ... لا فالأمر أخطر من مجرد الترديد
نبدأ بعون الله التفسير
الآيات 1 ـ 5
(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ *الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ *ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ * وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ )
يمجد سبحانه نفسه ويعلمنا أنه بيده ملكوت كل شئ وأنه قادر على كل شئ ولا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل لقهره وعدالته.
ويخبر عن سبب خلقه الموت والحياة بأنه خلق الخلائق من عدم وخلق الموت وذلك ليختبر الخلائق أيهم أفضل أعمالا ، فهو العزيز قوى الجانب المنيع وهو مع ذلك يغفر لمن يتوب ويرجع إليه .
ويخبر بأنه الذى خلق السموات سبعة طبقات وخلقه مستوى لا فيه عيب ولا نقص ولا خلل ، فانظر إلى السماء مرات ومرات فلن تجد بها خلل ولا عيبولا نقص .
ومهما نظرت وبصرت فلن تجد خلل وستتعب من البحث ولن تجد عيبا .
وهذه النجوم والكواكب خلقها الله فى السماء الدنيا القريبة من الأرض لتكون زينة للأرض ، وعلامات يهتدى بها الإنسان على الأرض ، وإضاءة لها بالشمس والقمر ، كما خلق الشهب ليحرق بها الشياطين الذين يحاولون تطرق السمع لأخبار السماء ، فقد كانوا يحاولون سمع صوت القلم وهو يكتب الأقدار فى اللوح المحفوظ ثم يخبرون أوليائهم من الدجالين ويكذبون على ما سمعوا ليخبروا به الناس ويخدعوهم
فمن حاول ذلك يتبعه شهاب ليحرقه
والشهاب عبارة عن جزء صغير جدا من أحجار السماء عندما يدخل جو الأرض والغلاف الغازى يصطدم به ويشتعل .
ويقول أنه سبحانه أعد للشياطين وأعوانهم عذاب جهنم .
الآيات 6 ـ 11
( وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ *إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ *تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ *قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ *وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ *فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ )
ويقول سبحانه أنه قد أعد للكافرين عذاب الحريق وبئس المنقلب وعندما يلقون فى النار يسمع صياحهم وفوران اللهيب الذى يغلى بهم وتكاد تنفصل أجزائها عن بعضها لشدة غيظها من الكفار
وتسألهم الملائكة تأنيبا لهم ألم يرسل الله لكم الرسل فيعترفون بذلك ويلقون اللوم على أنفسهم أن كذبوا الرسل وقتلوا الأنبياء وندموا حيث لا ينفع ندم
فعليهم اللعنة والغضب من الله والملائكة والناس أجمعين
الآيات 12 ـ 15
( إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ *وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ *أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ *هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ )
يخبر سبحانه وتعالى عن الذين يخافون الله فى السر والعلانية ويعملون الصالحات فى السر بينهم وبين الله لا يرغبون رياء ولا سمعة بأن لهم أجر كبير وجزاء عظيم
وعموما إذا أسر المؤمن عمله أو جهر به فالله يعلم ما تخفى القلوب
فهو يدرك جيدا ما خلق
وهو الذى خلق الأرض وذللها لمنافع الإنسان وجعل فيها الزروع والمعادن والعيون والأنهار والجبال فانتقلوا بين أرجائها واسعوا للرزق الحلال الطيب ولا تتواكلوا واعلموا أن نهاية المطاف إلى الله يوم القيامة
مناكبها : أرجائها ونواحيها وجبالها
وكان من أسباب نزول هذه الآيات أن أسر المشركون قولا لينالوا من محمد فأخبره الله عن طريق جبريل بما قالوا وكان يقول بعضهم لبعض ( أسروا قولكم حتى لا يعلم إله محمد )فأنزل الله قوله بأنه يسمعهم إن أسروا القول أو أعلنوه
الآيات 16 ـ 19
( أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ *أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ *وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ *أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ )
يقول الله عن هؤلاء الكفار هل أمنوا أن يخسف الله بهم الأرض ويجعلها تفقد اتزانها فتتقلب بهم ، وهل أمنوا أن يرسل الله عليهم من السماء الحصباء يبيدهم بها كما فعل مع أبرهة فى عام الفيل فقد كذب أقوام كثيرة من قبلهم وكان عاقبتهم أن دمرهم الله تدميرا
ثم يقول لهؤلاء الكفار ثانيا مخاطبا عقولهم ألم تنظرون إلى الطير يطير فى أجواء السماء يفرد أجنحته ويقبضها ألم ترون أن الله هو الذى يمسكها هكذا فى الجو
الآيات 20 ـ 22
(أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ *أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ * أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )
يقول سبحانه للذين عبدوا من دونه آلهة أخرى ، هل يمكن لهؤلاء الذين عبدتم أن ينصروكم وينجوكم من عذاب الله ...؟
وهل يمكن لمن أشركتم بالله أن يرزقوكم لو أراد الله أن يمنعكم الرزق...؟
ماذا ترون أن يكون أهدى سبيلا الذى يمشى معوجا مكفيا على وجهه فى طريق منزلق أم الذى يمشى مستويا على طريق مستقيم واضح ..؟
وبهذا يخاطب الله أصحاب العقول التى تعقل
الآيات 23 ـ 26
(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ * قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ *وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ *قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ )
يقول تعالى للمشركين أنه هو الذى خلقهم من عدم ولم يكونوا شيئا
وأنه خلق لهم السمع والإبصار والعقول
وأنه أنشرهم فى أرجاء الأرض باختلاف ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم وهو الذى نعود إليه يوم الجمع والحشر
وللأسف فهم يستبعدون هذا اليوم يوم القيامة ويسألون متى يكون
ويقول الله قل لهم يا محمد أن العلم عند الله وإنما أمرنى الله أن أخبركم بقدومه وما علىّ إلا البلاغ والإنذار
الآيات 27
(فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ )
يذكر الله مستقبلا عندما يرى الكافرون يوم القيامة وكان الأمر قريبا ووقع ما كذبوا يقال لهم توبيخا هذا الذى كنتم به تستعجلون
الآيات 28 ـ 30
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ *قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ *قل أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ)
يقول جل وعلا يامحمد قل للمشركين الجاحدين لنعمة الله ( أرءيتم إن أهلكنى الله ومن معى أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم ) أى خلصوا أنفسكم من عذاب الله لو استطعتم
فإن الله وحده نؤمن به ونتوكل عليه ونستعين به وسوف تعلمون من له حسن العاقبة ومن فى الخسران الواضح
ويكلم عقولهم ثانية ويسألهم إذا غار الماء فى الأرض ولم تستطيعوا أن تنالوه بالمعاول والفؤوس فمن يرزقكم بالماء العذب الجارى على وجه الأرض لتستمر حياتكم غير الله
ــ
تمت بحمد الله تعالى .