الدليل الكامل لخيارات علاج مرض باركنسون
علاجات دوائية وجراحية ووسائل متطورة للتحفيز العميق للدماغ يمر في 11 أبريل (نيسان) من كل عام اليوم العالمي للتوعية بالشلل الرعاش أو مرض باركنسون.
وتشمل حملة التوعية بالمرض كل أيام الشهر للتعريف بمدى الآثار التي تقع على الأفراد والأسر والمجتمع بسببه، وزيادة الوعي بخفض الوصمة المرتبطة بهذا المرض.
مرض باركنسون:
الشلل الرعاش أو مرض باركنسون هو اضطراب عصبي تدريجي تنكسي يترافق مع أعراض حركية أساسية، يعاني منه نحو 1.2 مليون شخص في أوروبا وحدها حسب «الجمعية العالمية لداء باركنسون».
وهناك ما لا يقل عن 10 ملايين مريض في أوروبا يعانون من الرجفان وأكثر من 500 ألف أوروبي يعانون من خلل التوتر منهم 80 ألفا يعانون من خلل التوتر الأساسي.
يحدث المرض نتيجة فقدان الخلايا العصبية التي تنتج المادة الكيميائية المسماة «دوبامين»، فيتعطل عمل الخلايا العصبية الأساسية ويصبح المريض غير قادر على السيطرة على تحركاته.
والسبب الدقيق لاعتلال باركنسون لا يزال مجهولا على الرغم من أنه يعود على الأرجح إلى مجموعة من العوامل الوراثية (بنسبة ضئيلة).
واحتمالات الإصابة بين الأقارب من الدرجة الأولى (بنسبة 17 في المائة)، والعوامل البيئية (منها الفيروسات، السموم، فيتامين إي، والتدخين).
ويتم تشخيص نحو 15 في المائة من حالات المصابين باعتلال باركنسون قبل سن الخمسين، ويزيد معدل الإصابة مع التقدم في العمر، وهو يؤثر على الرجال والنساء على حد سواء.
وفي الشرق الأوسط، يقدر أن نحو 2 - 3 من أصل 1000 شخص مصاب باعتلال باركنسون، وأن ما يعادل 2 - 3 في المائة من الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 60 عاما يصابون بالمرض.
مع الأخذ في الاعتبار أن معظم السكان في منطقة الشرق الأوسط هم من الشباب مع نسبة 6 في المائة فقط تقريبا من السكان فوق سن الستين.
الأعراض
أعراض حركية مرتبطة باعتلال باركنسون وهي:
- التصلب: تظل العضلات متوترة باستمرار مما يؤدي إلى جمود أو تصلب في الأطراف والمفاصل، وخاصة في الرقبة والساقين.
- الرجفان: حركات لا إرادية يمكن أن ينظر إليها على أنها رجفة عادية في أحد الأطراف أو الرأس أو الجسم كله. - بطء الحركات: يمكن أن تتطور في كثير من الأحيان إلى وضعية منحنية ومشي بطيء ومتثاقل.
في بعض الحالات (بعد عدد من السنوات)، يمكن للعضلات أن تتوقف عن التحرك في نهاية المطاف.
- أعراض غير حركية تصاحب هذا الاعتلال تشمل اضطراب النوم والاكتئاب وصعوبات في الكلام أو البلع وفقدان الذاكرة.
- يمكن للمرضى الذين يعانون من اعتلال باركنسون أن يشهدوا تقلبات شديدة في السيطرة على الحركة، فمن فترات تكون فيها الوظيفة الحركية طبيعية تقريبا إلى نوبات من الجمود الكامل في غضون بضع ساعات أو حتى دقائق.
تأثيرات مرض باركنسون:
كلما تقدم اعتلال باركنسون، سبب المزيد من العجز، مما يجعل الأنشطة الروتينية مثل الاستحمام وارتداء الملابس أو تناول الطعام من دون مساعدة صعبة أو مستحيلة. ويمكن أن يؤدي عدم قدرة المريض رعاية نفسه إلى فقدان الثقة بالنفس والاكتئاب (حيث يعاني نحو 30 - 40 في المائة من المرضى في المملكة المتحدة من الاكتئاب أثناء إصابتهم بهذا المرض)، وإلى عدم مغادرة المنزل (سواء للذهاب إلى العمل أو للقيام بالأنشطة اليومية العادية) بسبب تلك الآثار، إضافة إلى الآثار الجانبية للعلاج بالأدوية المعوضة للدوبامين.
خيارات العلاج
هناك عددا من العلاجات الطبية المتاحة لإدارة أعراض اعتلال باركنسون، منها الدوائية وأخرى الجراحية ويوصف كل منها حسب دواعي الحالة المرضية:
1- العلاج بالأدوية: يعتبر ليفودوبا levodopaالمعيار لعلاج اعتلال باركنسون، وقد بدأ استعماله منذ أكثر من 30 عاما، ويتم أخذه عن طريق الفم، أو عن طريق مضخة الحقن في المراحل المتقدمة.
وتقل فعالية الأدوية المعوضة للدوبامين عادة في غضون أربع إلى خمس سنوات. وبعد 5 إلى 10 سنوات، قد تؤدي الزيادات في معايرة جرعة الدواء إلى آثار جانبية لا يمكن السيطرة عليها ولا تحتمل، وتصبح في كثير من الأحيان أسوأ من المرض نفسه. تتضمن العلاجات الإضافية منبهات الدوبامين ومثبطات أكسيداز أحادي الأمين (MAOIs).
2- العلاج الجراحي: ويمكن تقسيمه إلى مجموعتين رئيسيتين، هما الجراحة باستئصال الآفة lesional surgery والتحفيز العميق للدماغ deep brain stimulation DBS وكلاهما يستهدف مناطق معينة من الدماغ مثل المهاد thalamus.
الجسم الشاحب globus pallidus، نواة تحت المهاد subthalamic nucleus.
- الجراحة باستئصال الآفة lesional surgery: يتم فيها إجراء عملية جراحية لاستئصال خلايا محددة في الدماغ (تشكل آفة في هذا المرض) مثل المهاد والجسم الشاحب الداخلي والنواة تحت المهادية للحد من آثار خلل الحركة وخلل التوتر.
وعادة ما يتم إجراء هذا النوع من الجراحات كملاذ أخير إذ إن إحداث جروح في الدماغ باستئصال بعض خلاياه هو إجراء لا يمكن إرجاعه وقد يتسبب في آثار جانبية مثل فقدان القدرة على النطق الذي لا يمكن عكسه أو تعديله.
- التحفيز العميق للدماغ (DBS): يعتبر التحفيز العميق للدماغ Deep Brain Stimulation أكثر الوسائل الجراحية استخداما والأكثر فعالية في تحسين نوعية الحياة لدى المرضى الذين يعانون من اعتلال باركنسون.
وشهد المرضى الذي تمت معالجتهم بالتحفيز العميق للدماغ تحسنا في نوعية حياتهم اليومية لمدة لا تقل عن خمس سنوات بعد العلاج، وهو يوفر تحفيزا كهربائيا لإعاقة الإشارات في الدماغ التي تسبب الأعراض الحركية الأساسية المرتبطة باعتلال باركنسون.
وفيه يتم زرع المحفز العصبي جراحيا تحت الجلد في الصدر أو في منطقة البطن وربطه بأقطاب كهربائية توضع في أجزاء الدماغ التي تتحكم في الحركة. نظام التحفيز هذا يسمى أيضا جهاز تنظيم نبضات الدماغ (brain pacemaker).
يتطلب هذا العلاج إشراك فريق متعدد التخصصات متخصص في اضطرابات الحركة والتحفيز العميق للدماغ (طبيب أمراض عصبية وجرّاح أعصاب واختصاصي تصوير شعاعي عصبي واختصاصي فيسيولوجيا عصبية).
يقوم هذا الفريق بإجراء اختبارات لتقييم فعالية النظام قبل الزرع للتأكد من أن الأعراض لدى المريض ستتجاوب بشكل مناسب، فهذا يحول دون التكاليف غير الضرورية والجراحة والآثار الجانبية المحتملة.
وينصح بهذه الطريقة للمرضى الذين يعانون من أعراض مزعجة على الرغم من العلاج الدوائي الأمثل. ويجب أن يكون هؤلاء المرضى قد حصلوا على تشخيص واضح لاعتلال باركنسون استمر لأكثر من 5 سنوات فضلا عن استجابة جيدة لدواء ليفودوبا.
3- التحفيز العميق للدماغ وأهم مزايا هذا النوع من العلاج.
- فعال جدا لأعراض اعتلال باركنسون عندما يتم وصفه مع الدواء بالمقارنة مع الدواء وحده.
- شهد المرضى تحسنا في نوعية النوم وفترات أطول من النوم مع التحفيز العميق للدماغ، وهذا يؤدي أيضا إلى تحسن في نوعية حياة مقدمي الرعاية.
- كما أن علاج التحفيز العميق للدماغ يؤدي إلى خفض القلق والحفاظ على الإدراك.
- يمكن لأجهزة التحفيز العميق للدماغ الحديثة مثل (Activa® RC، Activa® PC، Activa® SC) أن تمكن المرضى من تعديل العلاج مع تغير احتياجاتهم.
- أحد أحدث الأجهزة (ACTIVA RC) هو أول وأصغر جهاز تحفيز عميق للدماغ قابل لإعادة الشحن والوحيد في العالم الذي يمكن أن يسمح باستخدام نفس الجهاز لمدة عشر سنوات تقريبا.
وهذا يقلل من عدد العمليات الجراحية على مدى الحياة، وهو مفيد بشكل خاص للمرضى الصغار في السن.
فعالية العلاج:
- أما فعالية العلاج بالتحفيز العميق للدماغ فقد ظهر ما يلي:
- وجد الباحثون أن النبضات الكهربائية تعيق الإشارات في الدماغ التي تسبّب أعراض اعتلال باركنسون والرجفان وخلل التوتر.
- التحفيز المستمر للنواة تحت المهادية أو الجسم الشاحب الداخلي أو النواة المهادية البطينية المتوسطة في الدماغ له فائدة أساسية في العلاج.
- لا يحتاج المرضى إلى مزيد من التدخلات الجراحية متى تم زرع هذه الأجهزة التي تتم برمجتها وصيانتها من الخارج.
وقد أظهرت الدراسات أن مرضى باركنسون الذين تمت معالجتهم بالتحفيز العميق للدماغ أظهروا تحسنا في الوظيفة الحركية، مما يسمح للمرضى أن يكونوا أكثر قدرة على إنجاز الأنشطة اليومية أو حتى العودة إلى العمل. ويمكن أن يقوم التحفيز العميق للدماغ أيضا بتحسين نوعية النوم لدى المرضى. ويقلل التحفيز العميق للدماغ بشكل كبير من مدة وشدة الحركات اللاإرادية (وتسمى خلل الحركة) وشدة العجز المرتبط بها.
وشهد المرضى الذين تمت معالجتهم بالتحفيز العميق للدماغ انخفاضا يصل إلى 70 في المائة في الحركات اللاإرادية وتحسنا يصل إلى 56 في المائة في الوظيفة الحركية.
بعد 12 شهرا، شهد المرضى الذين يعانون من اعتلال باركنسون معدل زيادة في فترات الوظيفة الحركية الجيدة وتخفيف حدة الأعراض بلغ 6.1 ساعات في اليوم الواحد.
كما شهد المرضى الذين تمت معالجتهم بالتحفيز العميق للدماغ إلى جانب الأدوية عن طريق الفم تحسنا كبيرا في نوعية حياتهم مقارنة مع المرضى الذين تمت معالجتهم بأفضل إدارة طبية والذين لم يشهدوا أي تحسن.
وأظهرت الدراسات أن التحفيز العميق للدماغ يسمح بخفض كبير في جرعة ليفودوبا اليومية المكافئة، وهذا قد يساعد على التقليل من الآثار الجانبية للأدوية عن طريق الفم.
مرضى الرجفان:
وبالنسبة إلى تأثير هذا العلاج على مرضى الرجفان فقد ظهر أن التحسن بعد زرع جهاز التحفيز العميق للدماغ هو على المدى الطويل، فالمرضى شهدوا انخفاضا كبيرا في الرجفان لمدة تصل إلى سبع سنوات.
ويقوم علاج التحفيز العميق للدماغ بتحسين نوعية حياة المرضى بشكل كبير وتمكينهم من الاضطلاع بمهام مثل التسوق والطبخ وإطعام أنفسهم بشكل مستقل.
أما في حالة تأثير العلاج على حالات خلل التوتر الأساسي فقد يحسن التحفيز العميق للدماغ من شدة المرض ويقلل من العجز المرتبط به لثلاث سنوات على الأقل.
ويقلل التحفيز العميق للدماغ بشكل فعال من أعراض خلل التوتر ذات الصلة، مما يحسن نوعية الحياة بشكل ملحوظ.
ومتى تم تحديد الخيار الأمثل لعلاج التحفيز العميق للدماغ للمريض، يجب القيام ببعض التغييرات وعلى هذا النحو يحتاج المرضى إلى القيام بالحد الأدنى فقط من الزيارات إلى طبيبهم.
سلامة العلاج:
تمت دراسة التحفيز العميق للدماغ على نطاق واسع في أمراض مختلفة, وعادة ما تكون الآثار الجانبية للتحفيز العميق للدماغ قابلة للعكس وعابرة، ويمكن حلها عن طريق تدخلات غير جراحية بتغيير بيانات وخيارات التحفيز.
وأظهرت الأبحاث على الدوام أن التحفيز العميق للدماغ هو علاج أمن وفعال ودائم. وبالإمكان عكس التحفيز العميق للدماغ، وهو لا يسبب أي ضرر في أنسجة الدماغ. وكما هو الحال مع جميع العلاجات، فترة الاستقرار ضرورية للاعتياد على التحفيز العميق للدماغ.
لعناية على المدى الطويل بسيطة نسبيا في معظم الحالات.