لصوص الملكيه الفكريه

من سنن الحياة أن خلق الله البشر مختلفين في كل شيء، في طباعهم وصفاتهم وأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.. فمنهم فاحش الغنى ومنهم الكادح الذي لا يستطيع سد جوعه فيلجأ إلى سرقة لقمة العيش حتى يضمن لنفسه البقاء في ظل مجتمع لا تسوده عدالة اجتماعية واقتصادية، ويقوم فيه العديد من الأثرياء بسرقة حقوق الضعفاء واستغلال أوضاعهم المزرية لمراكمة الثروات وزيادة الاغتناء. وهي جرائم متباينة الأهداف والخطورة لطالما شهدتها البشرية.
كما تختلف القدرات الفكرية للأشخاص، فمنهم النابغة ومنهم الذكي ومنهم المتوسط الذكاء ثم الساذج والغبي.. ومن هنا ظهرت جرائم السرقة الفكرية.
لقد أضحى الإنسان يسرق أي شيء حتى لو لم تكن الأشياء أو الإبداعات المسطو عليها تقدر بقيمة مادية ملموسة.
فبعدما أصبحت السرقات الفكرية من أخطر جرائم العصر، لاسيما مع قيام الثورة المعلوماتية التي يشهدها العالم، وتكون عصابات متخصصة في سرقة الأفكار الجديدة والإبداعات الفكرية، لم يعد المبدع يؤمِّن على إنتاجه العقلي الذي قد يغتصب منه في أي لحظة. فرغم كل ما يمكن أن تقدمه الوسائل الإلكترونية الحديثة من سرعة نشر الأفكار والمعلومات، وإمكانية الاشتهار في عالم بات كالقرية الصغيرة التي يمكن أن تنتقل فيه الأفكار من أقصى الأرض إلى أقصاها في رمشة عين بفضل الإنترنت وما يوفره من مواقع إلكترونية أمست تغير المجريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. إلا أن هذه الإمكانيات سيف ذو حدين لأنها قد تزيد من خطورة السطو على الإبداعات الشخصية خصوصا إذا كان صاحبها مبتدئا ومازال يبحث عن منافذ لإيصال أفكاره وإبداعاته ويشق طريقه إلى النجاح.
وفي هذا الصدد اعتبر السيد بدوي طبانة، صاحب كتاب "السرقات الأدبية" أن السرقة الأدبية أو الفكرية جريمة أخلاقية لا تقل عن جريمة سرقة الأموال العينية، إذ أن انتزاع الفكرة من منشئها ومبدعها جناية لا تقل خطورة عن جناية سلب الأموال والمتاع من صاحبها.
فلطالما حضي الإبداع الفكري بطابع حضاري، قد يتعرض لهمجية السطو والسرقة. ورغم أن معظم الدول بدأت تهتم بهذا المجال ومن ضمنهم المغرب، من خلال سن قوانين لحماية هذا الحق، كما انخرطت العديد منها في الاتفاقيات الدولية، وأُسِست في سبيل ذلك "المنظمة العالمية لحماية الملكية الفكرية". إلا أن درجة الحماية تتفاوت من بلد لآخر حسب المستوى الثقافي للبلد ووعي مسؤوليه بخطورة الظاهرة، ومتانة واستقلالية جهاز القضاء به.
وللأسف فواقع المغرب يؤكد على أن الحق مازال ينتهك وبأبشع صوره، فما بالك بحماية الملكية الفكرية التي مازال يعتبرها البعض من الكماليات ومظهرا من مظاهر الترف.
أما بعدما اقترنت الإبداعات الفكرية بالمجال التجاري، فصار في استطاعة الفرد تسويق أفكاره، محولا طاقته الإبداعية إلى ثروات اقتصادية ثمينة قد تقدر بالملايير. غير أن التخوف من التعرض لسرقة الإنتاج العقلي أصبح هاجسا لدى المبدع خاصة في الدول التي لا تمنحه ضمانات كافية لحماية هذه الحقوق، مما يعوق الاستثمار سواء الوطني أو الأجنبي.
إن ما نبه للظاهرة، هو امتناع مجموعة من المخترعين عن المشاركة في المعرض الدولي بـ"فيينا" سنة 1873 خشية تعرض أفكارهم للنهب، وهو أول شعاع أفضى إلى التفكير في حماية الملكية الفكرية. فمتى سينتبه مسؤولونا لهذه الظاهرة حتى يوفروا حماية أكبر لمبدعي هذا البلد، ليس عبر سن القوانين فقط أو الدخول في اتفاقيات دولية ورقيا لا تعرف بنوذها تطبيقا على أرض الواقع، بل بتمكين المبدعين من ظروف اشتغال مريحة، وخصوصا من الناحية النفسية، بعيدا عن أي قلق أو خوف قد تتسبب في عملية السرقة التي قد تطول إنتاجاتهم؟!


منقول