مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ
أ.د/ إسماعيل عبد الرحمن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, ولا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإنا إليه راجعون, وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على خير رُوحٍ وأزكى نفْسٍ, خاتم الأنبياء والمرسلين, وقائد الغر المحجلين, يكفيه أنه أحب الناس إلى الله, وكفى بها فخراً وعزّاً وشرفاً.
ورضي الله عن أبي الوليد إذ قال:
وَأَحْسَنُ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِيِ ... وَأَجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ
خُلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ ... كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَشَاءُ
لو سُطِرت جلود المؤمنين صحائفاً ورقمت بدمائهم تحبيراً؛ ما وفوا معشار ما في قلوبهم من محبته, فقد بعثه الله بالنور الذي ملأ الخافقين ضياءً وسناءً وهدىً ورشاداً, وهو السبب في نجاتهم وفلاحهم وفوزهم, وعتق رقابهم من نار الجبار وغضبه. أما بعد:
فلا تزال أمة الإسلام تُرمَى من أعاديها, ويُسخر من نبيّها وهاديها, من لدن أقوام حَزّتْ لَغَاصِمَ إنصافِها أسْوِدةُ الأحقاد, خاصة أهل الكتاب من أدعياء أتباع المرسلين, الحَقَدةِ على سيّد ولد آدم أجمعين, فأشاعوا في البَرِيّةِ عِلَلَ تمويهٍ يرتجون بها التلبيس على العقلاء, واستمالة الدهماء الى كاذب الأخبار وفاسد الآراء, فيسخرون من الكامل, ويختلقون عليه الخبر ويقيمون كذبة صلعاء بلقاء, لا تجد ما يستر عُرْيَهَا وعيبها عن ناظر العامّي النَّابِهِ, بلْه الفَحَصَةِ المُدَقِّقِينَ والبَحَثَةِ النَّصحةِ المُغربِلِين.
فتارة يأتون بكذب محال كمن قال: جئتُ بقَرْنَيْ حمار! والحمار لا قُرونَ له, أو أوقدتُ من الشمس غداً, وسأشرب البحر بالأمس! ولا تعجب ففي القوم أَعْجَب!
وتارة يُزَوِّرُون بتحوير الخَبَرِ وقلب وجهه..
فمالك تقبل زور الكلام ... وقدر الشهادة قدر الشهود
ثُمَّ يَعدون على الرأي والفكر والمنطق فيسلقونها بتعسّف غليظ وتحكّم بغيض, وبالغثِّ البارد الخليِّ من الأدب والفروسية, فيرمون بذلك الغثاء عقول النبلاء ووجوه العقلاء مع وافر الفَعَلاتِ والبَذَاءِ, فانتهى بهم عند عاقل قومهم الى المذمّةِ والسقوط والرّذل.
مع ذلك فقد أذهلوا بعض عقلائنا عن منازل الصبر, واستفزّوهم عن مواطن الحلم, ونقول لنبلائنا: لن تراعوا فقد غُودر الأذمُّ مرذولاً, سواء أكان بَابَاهُم أم كاهنهم أم قسيسهم وسياسيّهم وكاتبهم ورسّامهم ومخرجهم, ألم يقل رب العزة جل جلاله: "إنا كفيناك المستهزئين" (الحجر: 95) وقال سبحانه وبحمده: "إن شانئك هو الأبتر" (الكوثر:3)؟ ألم يكن السلف يستبشرون بفتح الحصن المنيع إذا نهق الأعداء بسبّه؟!
وهؤلاء الأصاغر_وعِزَّةِ ربِّنا_ حقيقون بأن يكونوا طعام السيوف المسلمة, لولا وَهَنٌ رُمِيَ به جُلُّ ساستهِم وقادتهم وَمُقَدَّميهم, والمشتكى إلى الله.
يرون من الذُّعرِ صوت الرياح ... صهيل الجياد وخفق البنود
مرّت القرون على حقائق كثير من الأمور عند أولئك القوم فطحنتها طحن الرحى فذرتها في الهواء يباباً, حتى تكلّموا في أمرٍ لم يَجْرُوا في غباره ولم يتعلقوا بأذياله, لسان حالنا: من ذا يعضُّ الكلبَ إن عَضَّا..
وكُنْ كيفَ شئتَ وقُلْ ما تشاء ... وأرْعِدْ يميناً وأبرِق شمالاً
نَجَا بِكَ عِرْضُكَ مَنْجَى الذُّبابِ ... حَمَتْهُ مقاديرُهُ أن يُنالا
وموافقتهم لنا أو مخالفتهم سواء, كما قال أبو الطيّب:
ومن جهلت نفسُهُ قدره ... رأى غيرُه منه ما لا يرى
ولن نرمي من ههنا مقاتلكم وإن كانت بادية, فقد بهرتْنَا سجايا حبيبنا وبهاء مجده أن يلتفت الخاطر لغير سيرته وجمال سجاياه وعذوبة أخباره وصِدْقِهَا, صلى الله عليه.
وسنرقم شيئاً من ذلك عَلَّ منهم نبلاء نَصَفَة, يقفون عليه مُحكّمينَ العقل والمنطق والبحث العلمي, المتجرد من علائق الهوى ودغائل الحقد.