فعلام الخوف إذن من قطع الأرزاق أو نقصها .. علام جمع الأموال من الحرام والمكاسب الغير مشروعة .
اطمئنوا فقد نفث جبريل عليه السلام في قلب محمد صلى الله عليه وسلم : " أنه ليس نفس تموت حتى تستوفي رزقها ؛ فاتقوا الله وأجملوا في الطلب , ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله . فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته ".
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لو فر أحدكم من رزقه لأدركه كما يدركه الموت ".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه : " ما من امرئ إلا وله أجل هو واطئه , ورزق هو آكله ,وأجل هو بالغه , وحتف هو قاتله , حتى لو أن رجلاً هرب من رزقه لأتبعه حتى يدركه كما أن الموت مدرك من هرب منه " . أ . ه
فلنأمن على أرزاقنا . ولنعلم أن السبب الذي يقطعها أو ينقصها . إنما هو معصية الله .
كما قال عليه الصلاة والسلام :" إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ".
وأرجو ألا يفهم أحد . أن نترك الأعمال ونقول الرزق مكتوب ومكفول كلا .. فالسعي للرزق مطلوب ..
وكما يأمن الإنسان على رزقه , فهو كذلك آمن على أجله ..
فإن الله قدر له ميقاتاً مسمى , أياماً معدودة , وأنفاساً محدودة , ولا تملك قوة تُنقص من هذا الميقات أو تزيد فيه . (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)(النحل: من الآية61) .
فقد أيقن المؤمن بأن الله قد فرغ من الآجال والأعمار , وكتب على كل نفس: متى وأين تموت !
ومن كانت منيته بأرض .=.فليس يموت في أرض سواها .
ومن كانـت منيتـه بـأرض . .فليس يموت في أرض سواها
وبهذا ألقى المؤمن عن كاهله هم التفكير في الموت , والخوف على إنه لا يعيش في خوف من الموت , ولا جزع من مرارة كأسه , إنه زائر لا بد من لقائه , وقادم لا ريب فيه . (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ)(الجمعة: من الآية8) .
بل إن المؤمن وحده يحب الموت والاستشهاد في سبيل الله؛ فهو يعلم أن ما عند الله خير وأبقى .
وما الموت إلا رحلة غير أنها =من المنزل الفاني إلى المنزل الباقي .
وما الموت إلا رحلـة غيـر أنهـا من المنزل الفاني إلى المنزل الباقي
قال يحي بن معاذ :" لا يكره لقاء الموت إلا مريب , فهو الذي يقرب الحبيب إلى الحبيب ".
فإذا أمن الإنسان على أجله، وأنه بيد الله وحده، وأن الخلق لا يملكون له ضراً ولا نفعاً , ولا موتاً ولا حياة أورثه ذلك قوة في الحق، وثباتاً في مواطن البأس والشدة لا تتزلزل له قدم , ولا يتزعزع له ركن .. لا يخش الناس قلوا أو كثروا .. ولا يبالي بالأعداء وإن أرغوا وأزبدوا .
إن الخوف والحرص هما اللذان يضعفان النفوس , ويحنيان الرؤوس ,ويذلان الأعناق .
وإذا لم يكن حرص ولا خوف؛ فلا سبيل إلى الضعف بحال ..
وكما يعيش المؤمن في هذه الحياة آمناً مطمئناً . آمناً على رزقه .. آمناً على أجله .آمناً على كل شيء .. فهو كذلك يتمتع بالأمن والأمان عند موته , وعند لقاء ربه .
إن أصعب لحظة وأخوفها .. هي اللحظات الأخيرة من هذه الدنيا .. هي اللحظات الحاسمة .. هي اللحظة التي ينسى فيها الخليل خليله والصديق صديقه .. في هذه اللحظة ينتاب الإنسان الخوف كل مكان .. فهو خائف من حقوق طالما أضاعها , وحرمات طالما ارتكبها .. فكيف القدوم على الله وقد فرط في حقوقه , فإذا نظر إلى أطفاله من حوله يبكون اشتد ألمه , وعظم فمن لهؤلاء الأطفال بعده , من يؤويهم . من يرعاهم .. من ينتبه عليهم . . فيزداد ألماً إلى ألم وخوف إلى خوف .
ولكن المؤمن الذي آمن بالله , واستقام على دين الله يؤمن في هذه اللحظات . وتتنزل عليه ملائكة الرحمة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون , وفي ذلك يقول الله :
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) (فصلت:32) .
وقال تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ *لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (الأنبياء:103)
وقال تعالى:
(يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ) (الزخرف:70)
فهذا هو الأمن في الآخرة، ويوم يدخلون الجنة يقال لهم :
( ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) (الحجر:48) .
فيا من يريد الأمن في الدنيا والآخرة يا من يريد الراحة النفسية , والعيشة الهنية , والسعادة الأبدية .
عليكم بالإيمان والعمل الصالح فلا أمن بلا إيمان ولا سلام بلا إسلام .
نسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى , وصفاته العلى أن يشرح صدورنا للإيمان .