أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي كثيرا ما أسأل نفسي (2)

كثيرا ما أسأل نفسي (2)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرحمة المهداة للعالمين من رب العالمين.


استكمالاً للجزء الأول من هذا المقال، لا بدَّ أن نذكِّر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر في حديث المكرَّمين بظل الله يوم القيامة أنهم سبعة، والحديث في البخاري في كتاب الأذان باب فضل المساجد عن أبي هريرة - رضى الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشابٌّ نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلَّق في المساجد، ورجلانِ تحابَّا في الله؛ اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجل طلبتْه امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمال؛ فقال: إني أخاف الله، ورجلٌ تصدَّق، أخفى حتى لا تعلم شمالُه ما تنفق يمينه، ورجلٌ ذكر الله خاليًا ففاضتْ عيناه)).


والتحقيق أن هؤلاء السبعة دخلوا في ظلِّ الله يوم القيامة؛ لأن الله أحبهم وأحب أفعالهم، وأنت إذا نظرت في هذه الأفعال السبعة المذكورة، وجدتَها كلها تحتوي على الإخلاص، وهي أيضًا أفعال حثَّ عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بها المؤمنين؛ فهي تحتوي على الشرطين الأساسيين لقبول العمل، وهما: أن يكون العمل خالصًا لله، وأن يكون على سُنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم.






وتوافرُ هذين الشرطين في أي عمل يجعل هذا العمل مقبولاً عند الله - إن شاء الله - ولذلك جاء حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - بصيغة الجزم اليقيني، الذي لا يحتمل أي شك أو ظن؛ مما يدل على أن هذه الأعمال مقبولة عند الله، والأعمال التي على شاكلتها أيضًا تكون مقبولة.


والمؤمن يسعى دائمًا أن يحصل على حب الله له، وكما قلنا في الجزء الأول من هذا المقال: إن الله - سبحانه وتعالى - نصَّ صراحةً على حبِّ سبع صفات، وبالتالي فهو يحب أصحاب هذه الصفات، وقد رتبناهم حسب رؤيتنا لهم؛ كالتالي: ﴿ المتطهِّرين ﴾، و﴿ التوَّابين ﴾، و﴿ المُقسِطين ﴾، و﴿ الصابرين ﴾، و﴿ المتَّقِين ﴾، و﴿ المُحسِنين ﴾، و﴿ المتوكِّلين ﴾.


ونستطيع أن نقول: إن الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - خصَّص الأفعال، فذكر الفعل الموصل إلى الصفة المحبوبة لله، والله ذكر الصفة المحبوبة له دون تخصيص؛ فأراد بذلك - سبحانه وتعالى - أن يُدخِل في الصفة كلَّ فعل يُنسب إليها، فمثلاً ذكر اللهُ صفةَ الصبر، وأنه يحب أصحاب هذه الصفة، وهم الصابرون؛ فأي صابرٍ صبر صبرًا على أي فعل مباحٍ شرعًا؛ فسوف يدخل في أصحاب هذه الصفة، ويُصبِح من المحبوبين لله، وهكذا في باقي الصفات السبعة، أما الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - فذكر حادثةً من حوادث الصبر، وهي في هذا الحديث: (الشاب الذي نشأ في عبادة ربه)، ولقد فصَّلنا من قبل أن هذا النوع من أنواع الصبر هو الصبر على الطاعة، وهو أشد أنواع الصبر.


وعلى هذا النحو، فسوف نلاحظ تطابق حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هؤلاء السبعة مع الصفات السبع المحبوبة، وهم السبعة الكبار الذين ذكرناهم ، ولكننا سنرتِّبهم ترتيبًا يناسب ترتيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث.


فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يذكر أولاً: ((الإمام العادل))، وهذا هو العدل والقسط،وهذا الفعل يتناسب مع صفة المُقسِطين.


ويذكر ثانيًا: ((الشاب الذي نشأ في عبادة ربه))، وهذا هو الصبر، الذي يتناسب مع صفة الصابرين.


ويذكر ثالثًا: ((ورجل قلبه معلَّق في المساجد))، وكأنه قنديل يشع النور في المسجد، وكيف يجلس في المسجد أو يشع فيه نورًا بغير طهارة؟ فهذا فعل الطهارة الذي يتناسب مع صفة المتطهِّرين.


ويذكر رابعًا: ((ورجلان تحابَّا في الله؛ اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه))، والحب في الله قد يكون بين الوزير والخفير، أو بين القوي والضعيف، أو بين الغني والفقير؛ فالحب في الله لا يُشترط له التكافؤ في المناصب أو الأحوال الدنيوية المتغيرة، ولكن يشترط له الصدق والإخلاص، وهذا هو فعل التوكل على الله، الذي يتناسب مع صفة المتوكلين على الله.


ويذكر خامسًا: ((ورجلٌ طلبتْه امرأة ذات منصبٍ وجمال؛ فقال: إني أخاف الله))، والخوف من الله هو الطريق الموصل إلى تقواه، والمؤمن يعلم أن الله يراه، ويعلم سره ونجواه، وهو أقرب إليه من حبل الوريد؛ ولذلك يريد دائمًا أن يجعل بينه وبين عذابِ الله وبطشِ الله وقايةً، وهذا لا يتم للمؤمن إلا بمعرفة الله، والإيمان به، وباليوم الآخر، وبالكتب، وبالرسل، وبالغيب، وبالقدر خيره وشره.

وهؤلاء هم الذين قال الله فيهم في أول كتابه العزيز: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2]، فكان هذا الفعل هو فعل التقوى، الذي يتناسب مع صفة المتقين.


ويذكر سادسًا: ((ورجلٌ تصدق، أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))، وهذا الرجل الذي تصدق فأخفى صدقتَه، إنما أراد بذلك أن يحفظ للمتصدَّق عليه كرامتَه في أعين الناس؛ فكان ذلك صدقةً أخرى عليه، وهذا من أسرار الإخفاء في الصدقات؛ فجزاء صدقة المال على الفقر والحاجة، وجزاء صدقة الإخفاء كانتْ على العِرْض والكرامة، وأيضًا من أسرار الإخفاء التواضع الذي يتلبس بالمتصدِّق حين يعلم أن الله هو الذي اختاره لهذا الفعل، وأن الله مَنَّ عليه بهذه الصدقة، وأنه موصلٌ لها فقط، وأنها من عند الله، وضعها في يده وجعلها العليا على يد أخيه المتصدَّق عليه، وهو ليس له في ذلك أي فضل، بل الفضل والمنَّة والنعمة كلها من عند الله، وإلا فما أيسرَ على الله أن يبدل الأماكن بينه وبين المتصَدَّق عليه.


ومن أسرار الإخفاء أيضًا أن الجزاء من جنس العمل، فكما أن الله جعل المتصدِّق يحافظ على أحوال المتصَدَّق عليه؛ فإن الله يعامله بمعاملته لأخيه، فإن وقع في ذنب أو خطأ أو نسيان، تصدَّق الله عليه وستر عليه ذنبه وخطأه ونسيانه، ثم بارك له في صدقتِه عليه؛ فيرزقه التوبة من هذا الذنب، ثم يبارك له فيقبل منه توبته، ثم يبارك له ويغفر له، ويعفو ويمحو، وهذا هو فعل الإحسان، الذي يتناسب مع صفة المحسنين.


ويذكر سابعًا: ((ورجلٌ ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه))، وهذا الرجل إما أن يكون عاصيًا فذكر ذنوبه، وأنه أسرف على نفسه، وفرَّط في جنب الله؛ ففاضتْ عيناه من أنه هو الصغير الحقير المذنِِب المسرف الذي فرَّط في حق الكبير العظيم الغفور الرحيم، أو أنه طائع وذكر نِعَم الله عليه، وأنها لا تُعَد ولا تحصى، وأنه مهما شكر الله، فإنه عاجز عن أن يشكره على نعمة واحدة؛ فكيف بنِعَم لا تُعَدُّ ولا تحصى؟ أو أنه محب مشتاقٌ إلى رؤية ربه الكريم، وطافت بخواطره الأحوال؛ فاستبدت به الأشواق، فذكر ما قدَّم من عبادات، فنظر فيها فرآها بضاعة مُزْجَاة لا تليق بأن ينظر فيها العظيم؛ فعَرَف أنه ليس أهلاً لهذا الحب، وليس لديه أي مؤهلات لأن يقفَ في صفوف المحبوبين، إلا أن ينعم الله عليه ويرفعه هو إلى درجاتهم تفضلاً منه ورحمة، فكلما ذكر الله فاضت عيناه بالدموع الخاشعات المذروفات المتمنِّيات الطامعات.


الراجيات عفو البرِّ الرحيم، وكرم ربِّ العرش الكريم؛ فهذا هو فعل التائب، الذي يتناسب مع صفة التوَّابين.


وعلى ذلك؛ فإن هذه الصفات صفات المحبوبين، وهم السبعة الكبار، وجاءتْ في القرآن على غير ترتيب؛ لتشملَ مَن ذكرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث، وتشمل أيضًا كل مَن يعمل عملاً يدخل في هذه الصفات، وعلى ترتيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث، فسوف نرتِّب الصفات السبع كالتالي: ﴿ المُقسِطين ﴾، و﴿ الصابرين ﴾، و﴿ المتطهِّرين ﴾، و﴿ المتوكِّلين ﴾، و﴿ المتَّقين ﴾، و﴿ المحسنين ﴾، و﴿ التوَّابين ﴾.


وسبحان الله! لقد اكتشفتُ وأنا أكتبُ هذا المقال أن هذا الترتيب ترتيبٌ منسجم انسجامًا ليس له مثيل، وفيه فوائدُ عظيمة لأُولِي الألباب، وصدق الله إذ قال عن رسوله - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾ [النجم: 3].


منقوووووووول



إظهار التوقيع
توقيع : اماني 2011
#2

افتراضي رد: كثيرا ما أسأل نفسي (2)

بورك فيك
إظهار التوقيع
توقيع : قطر الندا
#3

افتراضي رد: كثيرا ما أسأل نفسي (2)

بارك الله فيك
إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#4

افتراضي رد: كثيرا ما أسأل نفسي (2)

جزاكى كل خير يا غاليتى
إظهار التوقيع
توقيع : نونو حسن
#5

افتراضي رد: كثيرا ما أسأل نفسي (2)

جزاكى الله خيرا
#6

افتراضي رد: كثيرا ما أسأل نفسي (2)

جزاكى الله خيرا
إظهار التوقيع
توقيع : حبى الوحيد


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
ادعولى انا امبارح خرجت الشارع بعباية البيت وانا من عارفة نفسي ميرو المؤمنة فضفضة وحل المشاكل
يا نفسي توبي الى ربك وارحميني من المعاصي جزائرية فلسطينية المنتدي الادبي
يوميات رهف وريمان عندما تعشق الشوكولاته أقلام عدلات الذهبية
زوجتك نفسي ... ـ ♥ احبك ربى ♥ الحياة الزوجية والاسرية
في غرفتي ... كنت أسأل نفسي سمسم* المنتدي الادبي


الساعة الآن 02:36 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل