قصة سيدنا موسى مع الخضر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله "رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي "
"أهلاً وسهلاً بكم وحلقة جديدة من برنامج " لو كانوا يعلمون
وقصتنا اليوم من القرآن هي قصة طالب علم مشهور وبدأ في رحلة طلب العلم بعدما أصبح نبي وهي قصة سيدنا (موسى مع الخضر وهذه القصة وردت في القرآن الكريم وفي حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم
وسبب نزول هذه القصة في القرآن على سيدنا محمد.
هو كما ورد في حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن ابن عباس أن سيدنا موسى قام خطيباً في قومه يوماً وبعدا ما انتهى من خطبته سأله أحد أتباعه من بني اسرائيل وقال له موسى هل في الأرض من هو أعلم منك فقال موسى لا . أنا أعلم من في الأرض فعتب الله عليه أنه لم يرد العلم إليه " أي أن الله عاتب موسى لأنه لم يقل الله أعلم
وقال الله لموسى يا موسى هناك رجل في مكان اسمه " مجمع البحرين "هو أعلم منك فاذهب إليه يا موسى حتى تتعلم منه .
فأمر موسى خادمه " يوشع بن نون " بأن يجهز نفسه لرحله البحث عن هذا الرجل . ثم أن الله أعطى لموسى علامه حتى يستدل بها على مكان هذا الرجل . وهذه العلامه هي أن موسى سيفقد السمكه التي وضعها في المكيال
قال تعالى "وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ﴿٦٠﴾ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ﴿٦١﴾ فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا ﴿٦٢﴾".
وبعدما انطلق موسى مع خادمه وظل يسير في طريقه إلى أن وصلوا إلى صخره فجلسوا عندها ليستريحوا عندها فغلبهم النوم وفجأه قفزت السمكه من المكيال وشقت طريقها في البحر بشكل عجيب فكانت تشق الماء فيتجمد الماء خلفها . وعندما استيقظ موسى من نومه واصل السير مع خادمه وبعد مسير يوم ونصف طلب موسى من خادمه أن يحضر له الغذاء فتذكر الخادم أن السمكه قد قفزت في البحر فقال لموسى . " قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ﴿٦٣﴾".
فقال موسى لخادمه "قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ " أي أن هذه هي العلامه التي أخبرنا الله بها
" قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا ﴿٦٤﴾ فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا "
وأنا أريد أن أتوقف عند هذا المعنى وهو أن موسى مع أنه نبي إلا أن الله أمره بأن يطلب العلم وأن يأخذه ممن هو أقل مقاماً منه وهو الخضر "لذلك النبي (صلى الله عليه وسلم) كان دائماً يحض أمته على العلم والتعلم ،قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " بلغوا عني ولو آيه
.
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن فضل العلم والعلماء " من دعا إلى هدى أو من دل إلى هدى فإن له مثل أجر عامله إلى يوم القيامة .
وقال صلي الله عليه وسلم إذا مات إبن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقه جاريه أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له " وقال صلي الله عليه وسلم: " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنه وإن الله وملائكته "وأهل السماوات وأهل الأرض حتى النمله في جحرها حتى الحوت في الماء ليصلون على معلمي الناس الخير".
لذلك يقول النبي : " نضر الله امرأً " أي أدخل الله على قلبه الفرح والسرور " سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها.
والعلماء وأهل الصلاح عندما علموا هذا الكلام عن النبي (صلى الله عليه وسلم) صرفوا حياتهم كلها للعلم
والطريق إلى الله محتاج قوه علميه وقوه عمليه وهمه عاليه وتركيز والقوة العمليه لن تأتي إلا بالقوه العلميه
وكان نبي الله داوود يقول " العلم في الصدر كالمصباح في البيت " وكان لقمان الحكيم يقول لابنه " يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فان الله يحي القلوب بنور الحكمه والعلم كما يحي الأرض بوابل السماء " أي المطر
لذلك العبره والفائده من قصة موسى والخضر أن موسى وهو من أولى العزم سار مئات الكيلومترات من أجل طلب العلم ممن هو أقل منه .
ويقول سفيان الثوري " لا ينبل الرجل حتى يتعلم ممن فوقه وممن دونه ومن صاحبه" لذلك وصيتي لكم هي السعي وراء طلب العلم .
قال رب العالمين " فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا " والعلم اللدني هو علم لا يعلمه "إلا الله ويعلمه لمن يشاء من عباده الصالحين .
فلما التقى موسى بالخضر قال له " قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا " فدخل موسى على الخضر بأدب التلميذ المتعلم فقال له الخضر : "قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٦٧﴾ " ثم ذكر سبب عدم صبر موسى فقال " وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ﴿٦٨﴾ ".
أي كيف تصبر و أنت سترى مني أشياء غير متوقعه فقال موسى " قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴿٦٩﴾" وهذه الكلمه قالها بشر لبشر فما ظنكم بالعبيد مع ملك الملوك .
ثم بدأت الأفعال الغير مستساغه لسيدنا موسى والتي صدرت من الخضر" مَعِيَ صَبْرًا" يقول المفسرون أنهم كانوا يسيرون على شط البحر فأرادوا أن يركبوا سفينه كانت في البحر فأشار الخضر لمن في السفينه فعرفوه فأخذوه معهم فركب الخضر السفينه ومعه موسى ولم يأخذوا منهم أجر إكراماً للخضر .
فعندما ركب السفينه خرقها فتعجب موسى وقال له " قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا ﴿٧١﴾ " فقال له موسى " قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ﴿٧٣﴾ فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا ﴿٧٤﴾ " أي أمر منكر . فقال له الخضر."قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٧٢﴾ ".
وهنا ربط موسى وألزم نفسه بكلمه فقال "قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا " .
" فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ ".
أي أنهم دخلوا قريه وطلبوا من أهل هذه القريه طعام فرفضوا وأثناء سيرهما في القريه وجد الخضر جدار مائل ومشرف على السقوط فمسح الخضر بيديه على الجدار فأقامه
"فقال له موسى "قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ﴿٧٧﴾
أي أن المفروض أن تأخذ منهم نقود مقابل ما فعلت
"فقال الخضر لموسى "قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ﴿٧٨﴾ ".
قال الخضر لموسى " قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ﴿٧٨﴾ " أي سأخبرك بتفسير الأفعال التي لم تعلم حكمتها قال تعالى "أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴿٧٩﴾ ".
أي أن الخضر كان يعلم أن بعد مسافه من ابحار السفينه يوجد ملك جبار وله جنود إذا وجدوا سفينه خاليه من العيوب يأمر جنوده فيأخذوها غصبا فأراد أن يعيبها حتى إذا وجد الملك السفينه بها عيب فلا يأخذها ويتركها .
وقد عاب الخضر السفينه من أجل هدف أعظم . وهذا أمر يحدث لنا في الدنيا فقد يحدث لك إبتلاء بسيط حتى ينتزع الله من قلبك أمراض خطيره تكون سبب في دخول ناس كثيره النار ومن رحمة الله بنا أن يضعنا في مواقف كل يوم لكي يصلح قلوبنا ثم قال " وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴿٨٠﴾ " فقد قضت مشيئة الله أن هذا الغلام الصغير عندما سيكفر وقد كان أبواه مؤمنين فلو كبر كان من الممكن أن يتبعه أهله في الكفر
فشاء الله أن يقتل الخضر هذا الغلام وهو صغير حتى يدخل الغلام الجنه ويرزق الله أهله غلام آخر هو من أصلح الناس ويموت أهل الغلام على الايمان .
"قال تعالى "فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴿٨١﴾
وذكي أي نفسه ذكيه أي أخلاقه حسنه . وأقرب رحما أي صلته بأهله طيبه
"وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا "
أي أن هذا الجدار كان ملك غلامين يتيمين في المدينه وقد كانوا مازالوا صغار فلو سقط هذا الجدار وظهر الكنز فسيأخذه أهل هذه القريه منهم غصبا .
فشاء الله أن يقيم الخضر هذا الجدار ببركه صلاح أبوهما حتى يحافظوا على ما لهم . قال تعالى " فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ﴿٨٢﴾ "وأريد أن أختم الحلقه بأدب الخضر مع ربه فعندما تحدث عن السفينه قال "فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا ".
مع أن الله هو الذي أمره بذلك ولكنه نسب العيب لنفسه
"ثم عندما تحدث عن الغلام قال " فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴿٨١﴾".فعندما تحدث عن الخير نسبه لله
ونسب العيب والشر إلى نفسه مع أن الخير والشر من الله ولكن هذا من قبيل التأدب مع الله عز وجل
جزاكم الله خير
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منقول
عن الداعيه الاستاذ مصطفى حسنى