بسم الله الرحمن الرحيم ـ الحمد لله رب العالمين ، و لا عدوان إلا على الظالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد سيد المرسلين و إمام المتقين و على آله و صحبه أجمعين .
الكبائر : ما نهى الله و رسوله عنه في الكتاب و السنة و الأثر عن السلف الصالحين ، و قد ضمن الله تعالى في كتابه العزيز لمن اجتنب الكبائر و المحرمات أن يكفر عنه الصغائر من السيئات لقوله تعالى
" إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم و ندخلكم مدخلاً كريماً " .
فقد تكفل الله تعالى بهذا النص لمن اجتنب الكبائر أن يدخله الجنة .
و قال تعالى : " الذين يجتنبون كبائر الإثم و الفواحش و إذا ما غضبوا هم يغفرون " . و قال تعالى : " الذين يجتنبون كبائر الإثم و الفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة " .
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " الصلوات الخمسة و الجمعة إلى الجمعة ، و رمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " ، فتعين علينا الفحص عن الكبائر ، ما هي لكي يجتنبها المسلمون ، فوجدنا العلماء رحمهم الله تعالى قد اختلفوا فيها ، فقيل هي سبع . و احتجوا بقول النبي صلى الله تعالى عليه و على آله و سلم " اجتنبوا السبع الموبقات " فذكر منها الشرك بالله و السحر ، و قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، و أكل مال اليتيم ، و أكل الربا ، و التولي يوم الزحف ، و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات . متفق عليه . و قال ابن عباس رضي الله عنهما : هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع ، و صدق و الله ابن عباس . و أما الحديث فما فيه حصر الكبائر ، و الذي يتجه و يقوم عليه الدليل أن من ارتكب شيئاً من هذه العظائم مما فيه حد في الدنيا كالقتل و الزنا و السرقة ، أو جاء فيه وعيد في الآخرة من عذاب أو غضب أو تهديد ، أو لعن فاعله على لسان نبينا محمد صلى الله عليه و سلم فإنه كبيرة . و لا بد من تسليم أن بعض الكبائر أكبر من بعض . ألا ترى أنه صلى الله عليه و سلم عد الشرك بالله من الكبائر ، مع أن مرتكبه مخلد في النار و لا يغفر له أبداً . قال الله تعالى : " إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء " .
بأكل أموال الناس و أخذها ظلماً و ظلم الناس و الشتم و التعدي و الإستطالة على الضعفاء .
قال الله تعالى : " و لا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار * مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم و أفئدتهم هواء * و أنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك و نتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال * و سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم و تبين لكم كيف فعلنا بهم و ضربنا لكم الأمثال " و قال الله تعالى : " إنما السبيل على الذين يظلمون الناس " و قال الله تعالى : " و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " .
و قال صلى الله عليه و سلم : " إن الله ليمليللظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم : " و كذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى و هي ظالمة إن أخذه أليم شديد " .
و قال صلى الله عليه و سلم : " من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو شيء فليتحلله اليوم من قبل أن لا يكون دينار و لا درهم ، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه " .
و قال صلى الله عليه و سلم عن ربه تبارك و تعالى : أنه قال : " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرماً فلاتظالموا " . و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " أتدرون من المفلس ؟ قالوا : يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع ، فقال : إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة و زكاة و صيام و حج فيأتي و قد شتم هذا ، و أخذ مال هذا ، و نبش عن عرض هذا ، و ضرب هذا ، و سفك دم هذا . فيؤخذ لهذا من حسناته و هذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار "
قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين .
قال النبي صلى الله عليه و سلم : " لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ .
و قال عليه الصلاة و السلام : " من منع فضل مائه و فضل كلئه منعه الله فضله يوم القيامة .
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ثلاثة لا يكلمهم الله و لا ينظر إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم : رجل على فضل ماء بفلاة يمنعه ابن السبيل ، و رجل بايع إماماً لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه منها و فى له و إن لم يعطه منها لم يف له ، و رجل بايع رجلاً بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذتها بكذا و كذافصدقه و هو على غير ذلك " أخرجاه في الصحيحين و زاد البخاري : " و رجل منع فضل مائه فيقول الله اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك " .
نقص الكيل و الزراع و ما أشبه ذلك
قال الله تعالى : " ويل للمطففين " يعني الذين ينقصون الناس و يبخسون حقوقهم بالكيل و الوزن . قوله : " الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون " يعني يستوفون حقوقهم منها قال الزجاج : المعنى إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم و كذلك إذا اتزنوا و لم يذكر إذا اتزنوا لأن الكيل و الوزن بهما الشراء و البيع فيما يكال و يوزن فأحدهما يدل على الآخر . " و إذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون" أي ينقصون في الكيل و الوزن . و قال السدي : لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة و بها رجل يقال له أبو جهينة له مكيالان يكيل بأحدهما و يكتال بالآخر . فأنزل الله هذه الآية .
و " عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خمس بخمس قالوا يا رسول الله و ما خمس بخمس ؟ قال : ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم ، و ما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ، و ما ظهرت فيهم الفاحشة إلا أنزل الله بهم الطاعون ـ يعني كثرة الموت ـ و لا طففوا الكيل إلا منعوا النبات و أخذوا بالسنين ، و لا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم المطر " " ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون " قال الزجاج : المعنى لو ظنوا أنهم مبعوثون ما ما نقصوا في الكيل