بأنهم بشر مثلهم ، كما قالت الأمم الكافرة لرسلهم ،
يستبعدون أن يبعث الله نبياً بشرياً . فأجابو بأن الله يعلم أنا
رسله إليكم ، ولو كنا كذبنا عليه لعاقبنها وانتقم منا أشد
الإنتقام . " وما علينا إلا البلاغ المبين " أي إنما علينا أن
نبلغكم ما أرسلنا به إليكم والله هو الذي يهدي من يشاء
ويضل من يشاء " قالوا إنا تطيرنا بكم " أي تشاءمنا بما
جئنمونا به . " لئن لم تنتهوا لنرجمنكم " قيل بالمقال ، وقيل
بالفعال ، ويؤيد الأول قوله : " وليمسنكم منا عذاب أليم "
" قالوا طائركم معكم " أي مردود عليكم " أإن ذكرتم " أي
بسبب أنا ذكرنا بالهدى ودعوناكم إليه ، توعدتمونا بالقتل
والإهانة " بل أنتم قوم مسرفون " أي لا تقبلون الحق ولا
وقوله تعالى : " وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى " يعنى
لنصرة الرسل وإظهار الإيمان بهم " قال يا قوم اتبعوا
المرسلين * اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون " أي
يدعونكم إلى الحق المحض بلا أجرة ولا جعالة
ثم دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، ونهاهم عن
عبادة ما سواه مما لا ينفع شيئاً لا في الدنيا ولا في الآخرة . "
إني إذا لفي ضلال مبين " أي إن تركت عبادة الله وعبدت معه سواه .
ثم قال مخاطباً للرسل : " إني آمنت بربكم فاسمعون " قيل :
فاستمعوا مقالتي واشهدوا لي بها عند ربكم ، وقيل معناه :
فاستمعوا يا قومي إيماني برسل الله جهرة . فعند ذلك قتلوه
، قيل رجماً ، وقيل عضاً ، وقيل وثبوا إليه وثبة رجل واحد فقتلوه .
وحكى ابن إسحاق عن بعض أصحابه عن ابن مسعود قال :
وطئوه بأرجلهم ، حتى أخرجوا قصبته
وقد روى الثوري عن عاصم الأحول ، عن أبي مجلز : كان
اسم هذا الرجل حبيب بن مري ثم قيل : كان نجاراً ، وقيل
حياكاً ، وقيل إسكافاً ، وقيل قصاراً ، وقيل كان يتعبد في غار
وعن ابن عباس : كان حبيب النجار قد أسرع فيه الجذام ،
وكان كثير الصدقة فقتله قومه ، ولهذا قال تعالى : " قيل
ادخل الجنة " يعنى لما قتله قومه أدخله الله الجنة ، فلما رأى
فيها من النضرة والسرور " قال يا ليت قومي يعلمون * بما
غفر لي ربي وجعلني من المكرمين " يعنى ليؤمنوا بما آمنت به
قال ابن عباس : نصح قومه في حياته بقوله : " يا قوم اتبعوا
المرسلين " وبعد مماته في قوله : " يا ليت قومي يعلمون * بما
غفر لي ربي وجعلني من المكرمين " رواه ابن أبي حاتم . وكذلك
قال قتادة : لا يلقى المؤمن إلا ناصحاً ، لا يلقى غاشاً ، لما
عاين من عاين من كرامة الله . " يا ليت قومي يعلمون * بما
غفر لي ربي وجعلني من المكرمين " تمنى والله أن يعلم قومه
بما عاين من كرامة الله وما هو عليه
قال قتادة : فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله : " إن كانت
إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون "
وقوله تعالى : " وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من
السماء وما كنا منزلين " أي
وما احتجنا في الإنتقام منهم إلى إنزال جند من السماء عليهم
هدا معنى ما رواه ابن إسحاق عن بعض أصحابه عن ابن
مسعود . قال مجاهد وقتادة : وما أنزل عليهم جنداً ، أي
رسالة أخرى . قال ابن جرير: والأول أولى
قلت : وأقوى ، ولهذا قال : " وما كنا منزلين " أي وما كنا
نحتاج في الإنتقام إلى هذا حين كذبوا رسلنا وقتلوا ولينا " إن
كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون "
قال المفسرون : بعث الله إليه جبريل عليه السلام ، فأخذ
بعضادتي الباب الذي لبلدهم ، ثم صاح بهم صيحة واحدة
فإذا هم خامدون ، أي قد أخمدت أصواتهم ، وسكنت
حركاتهم ، ولم يبق منهم عين تطرف
وهذا كله مما يدل على أن هذه القرية ليست أنطاكية ، لأن
هؤلاء أهلكوا بتكذيبهم رسل الله إليهم ، وأهل أنطاكية آمنوا
واتبعوا رسل المسيح من الحواريين إليهم . فلهذا قيل إن
أنطاكية أول مدينة آمنت بالمسيح
فأما الحديث الذي رواه الطبراني من حديث حسين الأشقر ،
عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن
ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " السبق
ثلاثة : فالسابق إلى موسى : يوشع بن نون ، والسابق إلى
عيسى : صاحب يس ، والسابق إلى محمد : علي بن أبي طالب
" فإنه حديث لا يثبت ، لأن حسيناً هذا متروك شيعي من
الغلاة ، وتفرد بهذا مما يدل على ضغفه بالكلية . . والله أعلم.