الحمد لله جعل للمتقين مفازا حدائقا وأعنابا، الحمد لله الذي بفضله اتقى المتقون ربهم، وبفضله ازدلف المتقون ربهم إلى جنات الكرامة.
الحمد لله الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى، نثني على الله بالخير كله، نثني عليه بأسمائه، نثني عليه بصفاته، نثني عليه بتوحده في الربوبية وأن لا رب سواه، ونثني عليه بتوحده في الإلهية وأن لا معبود حق إلا هو، ونثتي عليه بأنه ذو الأسماء الحسنى التي بلغت في الحسن نهايته، ونثني عليه بأنه ذو الصفات العلى التي علت على صفات خلقه.
فالحمد لله الذي أثنى عليه المتقون، أثنى عليه الأنبياء والمرسلون، فرفعهم بذلك الثناء درجات.
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف علينا من الدين الغمة، نشهد أنه لا خير إلا دلنا عليه ولا شرّ إلا حذرنا منه، فطوبا لمن قَبِل بشارته، فطوبا لمن قَبِل ببشارته، وطوبا لمن أخذ بالإنذار فعمل لما بعد الموت.
صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون اتقوا الله حق التقوى.
أيها المؤمن: إن الله جل جلاله ذكر لنا في كتابه العظيم، ذكرنا لنا في هذا الكتاب العظيم صفات المتقين، وذكر أنه أمر المؤمنين بتقواه؛ بل إنّ الله جل وعلا ذكر لنا أنه وصى جميع الناس بتقوى الله، وصى الذين من قبلنا ووصانا بان نتقي الله، وذكر لنا جل وعلا أن جميع المرسلين أوصوا أقوامهم بتقوى الله؛ وذلك لأن التقوى إذا جاورت القلب صلح القلب، وإذا صلح القلب صلح الجسد كله وصلحت الأعمال، ثم بعد ذلك تأتي الآثار الطيبة للتقوى التي تسرّ العباد في حياتهم وآخرتهم، قال جل وعلا ?وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ?[النساء:131]، وبيّن جل وعلا هذا المجمل في آيات كثيرة، وبين أن نوحا عليه السلام أمر قومه بالتقوى، وأن هودا عليه السلام أمر قومه بالتقوى، وأن صالحا أمر قومه بالتقوى، وأن لوطا أمر قومه بالتقوى، وأن شعيبا أكر قومه بالتقوى.
وهكذا نبينا محمد عليه وعلى جميع ألأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة والسلام أمر الناس بتقوى الله عز وجل.
?كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ?[الشعراء:105-108].
?كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ?[الشعراء:123-126].
?كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ?[الشعراء:141-144].
?كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ?[الشعراء:160-163].
?كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ?[الشعراء:176-179].
وهكذا الناس جميعا أُمروا بتقوى الله عز وجل من قبلنا ومن بعد رسالة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصية الله للأولين والآخرين أن اتقوا الله ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ?[الحج:1]، ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ?[لقمان:33]، ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ?[آل عمران:102]، ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ?[الحشر:18].
أمر الله جل وعلا الناس جميعا بتقواه وأمر المؤمنين بتقواه؛ بل أمر نبيه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ وهو أكمل الخلق أن يتقي الله ?يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ?[الأحزاب:1]، وهذه صفة أهل الإيمان أنهم يأمرون بالتقوى ويأمر بعضهم بعضا بتقوى الله، فإذا أُمر المأمور بتقوى الله فرح وأخذه الوجل من ذكر الله جل وعلا؛ لأن المؤمن إذا ذُكّر بالله وجل قلبه بخلاف أهل العصيان وأهل الشهوات وأهل الطغيان فإنهم كما وصفهم الله جل وعلا بقوله ?وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ?[البقرة:206]، صفة المؤمن أنه محب للتقوى؛ لأنه يعلم أنه إن اتقى الله جل وعلا فإن الله جل وعلا معه ?إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ?[النحل:128]، فالله مع المتقين بتسديده وبتأييده وبتوفيقه وبتيسيره وبنصر المتقين على أعدائهم؛ لأن هذه المعية معية خاصة لأهل التقوى ?إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ?.
المتقون في حياتهم في سعادة عظيمة؛ لأنهم عظّموا الله بتقواه فإذا ضاقت عليهم الأمور جعل الله لهم من كل ضيق مخرجا ومن كل همّ فرجا ومن كل بلاء عافية ?وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا?[الطلاق:4]، ?وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ?[الطلاق:2-3]، فالمتقون تيسّر أمورهم ?وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا?.
المتقي أيها العبد إذا اتقيت الله كفر الله أنت سيئاتك التي إن قابلتك يوم القيامة فإنك ستكون في زمان خوف عظيم؛ أن تكون ممن يكبه الله جل وعلا في النار ?وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا?[الطلاق:5]، ?إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا?[النبأ:31-33].
كذلك الأمة التي تتقي الله وعدها الله جل وعلا بأن يبارك لها فيما أعطاها وأن يوسّع لها في أرزاقها، وأنها إن تخلّفت عن التقوى فإن ذلك شرّ لها، وهي متوعدة بسلب النعم التي أفاضها الله جل وعلا عليها ?وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ?[الأعراف:96]، ?وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ?[النحل:114]، إن المتقين إذا أحلّ الله جل وعلا العذاب بالمخالفين المكذبين بالرسل الكافرين لنعمة الله ينجّي الله المتقين بمفازتهم كما أخبر الله جل وعلا بقوله ?وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ?[النمل:53]، وقال سبحانه ?وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ?[فصلت:18].
إذن فالتقوى يا عبد الله إذن فالتقوى أمر عَظيم عظيم، إذا جاورت القلب صلح القلب وصلح الجسد وصلحت الحياة؛ بل صلحت الآخرة التي هي أعظم من الحياة، فإن القلب المتقي آنس بالله، آنس بمناجاته، آنس بطاعته آنس بالسكوت إن سكت، آنس بالكلام إن تكلم؛ لأنه إن تكلم فإنما يتكلم برضا الله، وإن سكت فإنما يسكت عن معصية الله ?لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ?[النساء:114].
أيها المؤمنون إنّ حقيقة التقوى: أن تطيع الله على نور من الله، وأن تطيع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على نور من الطاعة.
تطيع الله جل وعلا وأنت تخشى الآخرة، تطيع الله جل وعلا مخلصا في هذه الطاعة مجتنبا ما عنه نهى الله تبارك وتعالى.
إن حقيقة التقوى طاعة الله وطاعة رسوله، فالذي يسعى في طاعة الله وطاعة رسوله ويمتثل ذلك فهو المحقّق للتقوى، وأعلى ذلك أن يكون محققا لتوحيد الله تبارك وتعالى، لأنها التقوى التي أُمر بها الناس جميعا في قول الله ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ?[النساء:1]؛ يعني وحدوه أنبذوا الشرك وأقيموا قلوبكم على إخلاص القصد والوجه لله تبارك وتعالى.
فتحقيق التقوى بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بأن لا يكون في قلبه إلا الله تبارك وتعالى، وأن تخلع من قلبك رؤية الخلق، أن تخلع من قلبك رؤية الدنيا إلا بما أذن الله جل وعلا في ذلك.
فالمتقي ينظر الجنة أمامه فيسعى إليها، وينظر النار أمامه فيهرب منها.
المتقي يرى الآخرة أمامه، يرى الموازين منصوبة، ويرى الصحف تتطاير، فيعمل لذلك اليوم عدته.
المتقي ينظر إلى سكناه في بيته في القبر، فينظر بما يزينه، ينظر بما يريد أن يكون في قبره، ينظر إلى ذلك فيحسن عمله الصالح، وينظر إلى ذلك فيكون على خوف ووجل من الذين يعذَّبون في قبورهم وأن يكون منهم.
إن المتقي لله تراه مسارعا في فرائض الله، تراه إذا نودي إلى الصلاة فإنه يسعى إليها، بخلاف الذين إذا نودي للصلاة كأنه لم يسمعوا، إذا نودي إلى الصلاة سعى إليها محبا لذلك، وإذا غفل عن ذلك أناب واستغفر فيما بينه وبين الله جل وعلا وعظم الله أن يخالفه.
إن المتقي يؤتي الزكاة.
إن المتقي من يقوم طاعة لله.
إن المتقي من يؤدي فرائض الله.
أيضا المتقي من يجتنب ما نهى الله عنه ورسوله.
فالمتقي ليس بذي غش في بيوعاته، الذي يتقي الله يتقي الله في خلقه يتقي الله في حقوق العباد، لا تجده يغش الناس في بيعه، لا تجده يغش الناس في شرائه، لا تجده يخون الأمانة.
المتقي تجده في عمله يحرص أن يكون كسبه حلالا، وعمله على أحسن ما يمكنه.
المتقي تجده يخشى الله فيما يعمل، يخشى الله في بيته، يخشى الله في لفظه، يخشى الله في عمله، يحقق المصالح ويدرأ المفاسد.
المتقي يخشى أن تزل قدمه في طاعة الشيطان بإتيان كبائر الذنوب من شرب الخمر والعياذ بالله، أو من إتيان الزنا، أو من غشيان وسائل الزنى، فإن القلب يتقلب، والعبد إذا سار في الوسائل رضا منه فإنه لا يؤمن، وهو مؤاخذ بالوسائل وبالغايات التي أداها إليه تساهلُه.
كذلك أيها المؤمنون المتقون لله مصلحون فيما بينهم، مصلحون لأسرهم، يسعون في الصلح، يسعون في الكلام الذي يقرب القلوب، ويبتعدون عن الكلام الذين ينافر القلوب؛ لأن الله أمر بأن يصلح ذات بيننا فقال سبحانه ?فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ?[الأنفال:1].
إن المتقي لله يخشى أن يكون ممن فرّق بين الناس، ويخشى أن يكون ممن سعى في القطيعة.
إن المتقي لله يسعى في الخير، ويحبب الخير إلى الناس.
كذلك أيها المؤمنون إن الأمة المتقية لله والمجتمع المتقي لله هو الذي يخشى الله، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وإن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إن ترك الأمر والنهي والتساهل في ذلك، إنه علامة ضعف التقوى، فإذا عظم المرء الله هان عليه الخلق في جنب الله جل جلاله، فينظر إلى أمر الله ولا يهمه هل الخلق راضون أم غير راضين.
وقد قيل للإمام أحمد: إن فلانا رجل صالح ما من أحد من جيرانه إلا وهو يثني عليه في كل جيرانه، فقال: أظنه رجل سوء. قالوا: لم؟ قال: ولابد أن يكون من جيرانه المقصر، فإذا سكت عن الجميع رضي عنه الجميع، وأما إن أمر ونهى، فلابد أن يكون مغضبا للخلق في جنب الله جل جلاله.
المؤمن يأمر بتقوى الله، ويحقق التقوى بحسب ما يستطيع، وإذا فرط فإنه يستغفر وينيب، إن المتقين لهم عند الله جل وعلا المقامات العالية، إن الله يحب الذين اتقوا، إن الله مع المتقين، إن الله ينصر الذين اتقوا وينصر المتقين، ينصر المطيعين ويسهل لهم أمورهم.
إن المجتمعات إذا كانت مطيعة لله فإن الله وعدها بالسعة في أرزاقها وبالخلاص من مشاكلها الاقتصادية والسياسية ومن مشاكلها المتنوعة؛ لأن بتقوى الله يجعل الله من كل ضيق فرجا، يجعل الله له من كل ضيق مخرجا، يجعل الله له من كل بلاء عافية.
والله جل وعلا حثنا على التقوى، فهلا حققنا ذلك هلا عظمنا الله وخفنا النار وأقبلنا على الجنة، هلا أمرنا قلوبنا بتقوى الله فلهجت ألسنتنا بذكر الله هلا الغيبة هلا النميمة، فإن الغيبة محبطة لما يقابلها من الأعمال لأن الغيبة سيئة والسيئة تنقص معها الحسنات.
يوم القيامة إذا وزن الناس وضعت الموازين القسط قال سبحانه ?وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ?[الأنبياء:47]، نعم إن الناس يُكبون في النار على مناخرهم من حصائد ألسنتهم، فعلينا أن نعظم تقوى الله، علينا إذا أردنا السعة والطيبة في هذه الحياة وعند لقاء الله ومن كان يرجو لقاء الله فليعمل عملا صالحا، فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا، من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت لاشك في ذلك ولا ريب، فإن الحياة ميدان للعمل وليست بغاية، فالذي ينظر إليها وأنها غاية فإن هذا أوتي من عقله، ولهذا الله جل وعلا يعظّم ذوي البال وذوي العقول وأنهم كثيرون بالذكر وأنهم المنتفعون بالتذكير.
أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من المتقين المحكمين لكتابه في أنفسنا، وأن يمنّ علينا بالعمل الصالح وبتعظيم الله جل جلاله وبإتيان الفرائض والامتثال لها وبالبعد عن المحرمات وعن التفريط في فرائض الله، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
واسمعوا قول الله جل جلاله أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ?[آل عمران:102].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
[الخطبة الثانية]
الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون: إن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل بمحدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، وعليكم بلزوم تقوى الله فإنه ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال :«اِتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيَّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» فإن تقوى الله واجبة، إن تقوى الله بالإجماع واجبة، وإن المؤمن إذا خالف أن يسرع في الحسنات فإن الحسنات يذهبن السيئات، كما قال الله جل وعلا ?إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ?[هود:114].
فلنتق الله ولنسارع في الحسنات فإننا أحوج ما نكون إلى أن تكفر عنا سيئاتُنا ?فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ?[المؤمنون:102-103].
نعم أيها المؤمن: إنك بحاجة إلى ثقل الميزان، إنك بحاجة إلى أن تكون موازينك راجحة، الله الله في نفسك، الله الله في أهلك، الله الله في حياتك، اتق الله في حياتك حياتك ليست بطيبة، ليست مقربة إلى دار الكرامة.
هذا واعلموا رحمني الله وإياكم أن الله جل جلاله أمرنا بالصلاة على نبيه فقال جل وعلا ?إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا?[الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، وعنّا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك الموحدين.
اللهم أنصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم أيدهم على عدوك وعدوهم، يا قوي يا عزيز قوهم واعزهم فإنك أنت القوي العزيز، أنت الرحيم فارحمهم، وأنت القوي فقوهم، وأنت الجبار فاجبر كسرنا وضعفنا وكسرهم وضعفهم يا أرحم الراحمين.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح ووفق أئمتنا وولاة أمورنا، ودُلهم على الرشاد، وباعد بينهم وبين سبل أهل البغي والفساد. يا أكرم الأكرمين.
اللهم إنا نسألك أن ترفع عنا الربا والزنا وأسبابه، وأن تدفع عنا الزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلادنا هذه بخاصة وعن سائر بلادنا المؤمنين بعامة يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تُمتنا إلا وقد وفقتنا لتوبة نصوح.
اللهم نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.
اللهم اجعلنا وأحبابنا وأهلينا وذرارينا ووالدينا والمسلمين في جنات النعيم.
اللهم هوّن علينا يوم الفزع الأكبر واجعلنا ممن يأخذ كتابنا باليمين، اللهم اجعلنا كذلك فإنك أرحم الراحمين وأجود الأجودين، نعوذ بك مما فعلنا من السوء نعوذ بك مما فعلنا من السوء، فنسألك مغفرة فإنك أنت الغفار الرحيم.
عباد الرحمن: ?إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ?[النحل:90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على النعم يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.