كيف تربي ابنك تربية دينية صحيحة
اخوتي الكرام هذا الموضوع دفعني لكتابته انتشار رسائل التربية الدينية التي لا تحتوي إلا اجبار الأطفال على حفظ القرآن وعلى الصلاة، وهذه الكتابات لا تعبر إلا عن أن الدين عند الكثير مسألة شكلية أو اجرائية تقوم فيه ببعض الحركات وتقول بعض الكلمات فتصبح في الجنة، وقليلا ما يركز الناس على أن الدين علاقة بين العبد وبين ربه تحتاج الكثير والكثير لتنميتها ولكن هذا الكثير ليس سوى ما يحتاجه الإنسان السوي ليعيش حياة هنيئة طيبة بنفس مطمئنة.
هذه النصائح لم أكن أعلمها وأنا أطبقها على أولادي ولكن الله أعلم بي فعلمني اياها، فالفضل كله لله وليس فيه أي شئ مني وتلك هي الحقيقة في كل ما اكتبه وليس في هذا فقط إنما أردت قول ذلك في البداية لأرجع الفضل لمن له الفضل حقا.
في البداية يجب أن نعرف ما هو الهدف من الدين حتى نعرف ما يجب أن يصل لأبناءنا.
الدين هو طريقة الحياة التي تناسبنا والتي أنزلها لنا خالقنا في القرآن الكريم وفي الكتب السابقة كلً يناسب المرحلة التي نزل فيها ولكن القرآن جاء ليناسب جميع الأزمان وجميع الناس من بعد عهد الحبيب المصطفى لأنه صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء، لذا فإن القرآن هو بمفهوم العامة "آخر كتالوج نزل للبني آدمين علشان يعلمهم يعيشوا ازاي"، لذا فإن الدين ليس اجراءات شكلية ولكن أسلوب حياة عن قناعة داخلية وايمان بالغيب.
حين نبدأ مع الطفل فإن أول ما يشعر به هو الخوف فيبوح به لأمه في أي موقف، وحين حدث ذلك مع ابنتي قلت لها لما تخافين حين أغيب عنك؟ أنا لا أملك لك شيئا وأنا معك، بل لا أملك أن أحفظ نفسي من أي سوء، إنما هو الله الذي يحفظنا سواء كنت معك أو كنتِ وحدك. وعلمتها دعاء "بسم الله الذي لا يضار مع اسمه شئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم" وقلت لها قوليه إذا خفتِ لأن الله يجعل لكِ حرس من الملائكة يمنعون أي أذى عنك. ولم تكن كلماتي دربٌ من الخيال ولكن الله قال في كتابه في سورة الرعد:" لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ ...(11)
لذا فمسألة اشعار الطفل بالأمان وأن يستقيه من الله شئ غاية في الأهمية، يليه مسألة الدعاء، كأن يطلب الطفل شيئا ما، فتقول له أنه ليس في يدك أن تفعل ذلك إنما ادعو الله لييسرها فهو الذي يملك هذا الأمر. ولم يخذلني الله في ذلك مع أولادي أبدا، فكلما طلبوا من الله شيئا أجده يتحقق ووقتها ألفت نظرهم إلى أن الله حقق ما دعوا به، لأن من حيل الشيطان أنه يُنسي العبد حين الاجابة أنه دعا من الأصل أو يجعله يعتقد أنها صدفة، إنه يفعل أي شئ حتى لا يترسخ في قلبك أنك تدعو والله يجيب فترتبط به سبحانه فيقوى ايمانك ولا يقدر عليك بعدها.
هذه الكلمات، سواء عن الخوف أو الدعاء، لا يأخذها الطفل بالسطحية التي يأخذها بها شخص بالغ، لأن الطفل على الفطرة ولم تتغلغل داخله طباع تمنع الكبير عن الفهم مثل الكبر مثلا، بل ان ذهنه صافي وعلى استعداد فطري للوصول إلى الله، ويحتاج منك فقط أن ترشده
وكلامي لا يخرج عن سنة الحبيب المصطفى (ص) حين نصح غلام فقال له: عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : "كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما، فقال : (يا غلام، إني أُعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سأَلت فاسأَل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأُمة لواجتمعت على أَن ينفعـوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف). رواه الترمذي وقال :"حديث حسن صحيح ".
بعد ذلك قال لي ابني شيئا كدت أنا عجز عن الرد لولا أن الله ثبتني، فقد قال لي "هل الله يحبنا"، فقلت له :"طبعا"، فقال لي :" إذن لماذا يجعلنا نقع على الارض ونُصاب ونتألم"، قلت له:" لأنه يحب أن نسمعنا ونحن نقول الحمد لله بعدها"، ومنذ ذلك الحين وأصبح أولادي يتبارون حول من الذي سيتذكر عند اصابته أن يقول الحمد لله ولا يبكي، حتى أُصبت في يوما من الأيام وأنا في البيت اصابة شديدة اسكتتني تماما فجاءني ابني مسرعا ليذكرني أن أقول الحمد لله، فأصبح هو الذي يعلمني ويذكرني.
هذه الحوارات وأخرى تمت وأولادي في سن ما بين الثلاث إلى خمس سنوات حتى أصبح الله داخلهم وأصبحت اسمعهم وهم يتفكرون في أحداث الدنيا ويربطونها برب العالمين بشكل من الصعب أن يأتي على بال كثير من البالغين، ولكن زرع هذا المفهوم من الصغر يجعل لدى الطفل يقين عالي جدا في الله واحساس بمراقبته له في كل وقت، كما يشعر بأن مصلحته في أن يتقرب منه سبحانه ليحفظه ويعطيه فيصبح حريصا على الطاعات دون رقابة شديدة من الأهل لأن الرقيب أصبح الله الذي هو موجود في كل وقت وليس الرقيب الأهل الذين يمكن التخفي منهم.
من المهم أيضا تعليم الأبناء مكائد الشيطان وكيف يجذبهم ويزين لهم عمل شئ يغضب الله ويغضب أيضا الآباء مع أن هذا الحرام له بديل حلال يرضي الله ويرضي الآباء من بعده سبحانه، ولكنه يحب (الشيطان) أن يشاهدنا في ضرر دائم فيزين لنا الخبيث ويضع المبررات والحجججججججججججج ويصعب ما بيننا وبين الطيب الذي يرضي الله مع أنه في واقعه سهل، وكيف أن أي فكرة مشبوهة تتبادر في أذهاننا يجب أن نتبعها بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم حتى نتخلص منه (الشيطان) ومنها (الفكرة).
من الاشياء المفيدة التي تثري فكر الطفل وتعطيه نظرة مختلفة عن الكثير منا للحياة من حوله هي تدريبه على رؤية نعم الله، بمعنى أنه إذا جاءه شئ كان يتمناه نجعله يفهم أن الله أنعم عليه بها وأنه يجب أن يحمده،وإذا فقد شيئا نلفت نظره إلى أنه كان متاحا وكان نعمة لم يراها، وإذا مرض نجعله يشعر بنعمة الصحة حتى يُحسن استغلالها حين تعود، كما أننا يجب أن نعلمه أن تثبيت النعمة يأتي بشكرها وشكرها يعني أن نعلم في داخلنا أن الله هو الذي وهبها لنا وليست قدرتنا وأن نستخدم هذه النعمة في ما يرضي الله وليس فيما يغضبه.
يجب أيضا أن نقوم ببعض أعمال الخير أمام أولادنا ونشرح لهم لماذا فعلنا ذلك، على سبيل المثال خرجنا من البيت ووجدنا أحد الجيران وليس معه سيارة فأخذناه معنا لأقرب مكان له، فنقول للأبناء بعد نزول هذا الجار لماذا ساعدناه ومتى نفعل ذلك ومتى نمتنع عنه، وما هو الأجر الذي يعطيه الله لنا نظير ذلك. ومن الأمثلة الأخرى مساعدة أحد الأقرباء سواء ماديا أو معنويا، أو اعطاء الصدقات، كل ذلك يجب فعله أمام الأبناء وشرحه لأن هذه هي أسرع الطرق لاستقامة الفكرة في أذهان هؤلاءالأطفال، سواء فكرة عمل الخير أو انتظار الأجر من الله.
منقـــــــــــــــــــــــول