يحدث أن تكثُر المشاكل بين الوالدين وقد ينفصلان، ويحدث أن تزيد ساعات عمل الأب فيغيب عن البيت لساعات، أو يتغيب لسفر يطول توفيرا للقمة العيش، والنتيجة واحدة وهي: غياب الأب، لتبدأ معاناة المراهق في البداية في شكل خجل وانطواء.. شرود وسرحان، ثم تكبر وتكبر لتشكل اضطرابات نفسية يتصدرها اليأس والاكتئاب.
يرى علماء تربية الطفل أن هذا الغياب لا يعد مشكلة في سنوات الطفولة الأولى؛ حيث ينشغل الطفل بلعبه وحاجاته ..مكتفياً بحب أمه ورعايتها المحببة له، ولكن الأمر يختلف حين يشب الشاب ويدخل مرحلة المراهقة!
من أجل هذه القضية وسبل توفير جو صحي بالبيت؛ يقوم فيه الوالد بدوره التوجيهي- وإن قلت ساعات تواجده- كان حوارنا مع مختصى الطب النفسي وتربية الطفل.
علامات الافتقاد
تؤكد الدكتورة فؤاده هدية، أستاذة علم نفس الطفل بمعهد الطفولة بجامعة عين شمس: من الممكن أن يتعرض الطفل لعدد من الاضطرابات النفسية، ولكنها تمر بسهولة إذا تم اكتشافها مبكرا ومعالجتها.
1- عكس مايحدث للابن المراهق الذي يتصف بفورة الانفعالات والحاجة إلى التغيير واثبات الذات، وتبعا لما يشاهده ويحسه داخل جدران بيته يأخذ أفكاره عن نفسه ، وعن معنى الرجولة، ويتشكل سلوكه مع الآخرين.
2- مظاهر اضطراب المراهق بسبب افتقاد الأب تأخذ عدة صور؛ تتمثل في قلق دائم من كل شيء حوله، خجل مذموم يمنعه من اخذ حقوقه، حزن وميل للكآبة وعلى أتفه الأسباب، خوف من الظلام وأوهام برأسه وحده، وأحيانا يتركز الخوف من المواجهة مع أبيه أو ملاقاة أصدقائه.
3- مرات يأخذ الاضطراب شكل الانطواء والميل إلى الوحدة، أو الشرود والسرحان في المدرسة ووسط الناس وكأنه يائس من حياته.
4- أولى أسباب هذا ترجع إلى كثرة المشاكل بالبيت نتيجة لغياب الوالد لعمله مدة أطول خارج البيت، أو تواجده بالبيت دون مشاركة فعالة، أو لسفره وما يترتب على هذا الغياب النفسي والمادي من افتقاد وغياب القدوة للابن المراهق.
5- مرات يكون غضب الوالد وعنفه في معاملة الابن،أو تدليله الزائد ساعات تواجده القليلة بالمنزل- وكأنه يعوض مافاته- سببا لعدم الإحساس بوجود الأب.
6- من الآباء من يلجأ إلى الصرامة والحزم والتهديد في معاملة الابن، إضافة إلى تخويفه الدائم من العقاب والنقد والسخرية مما يؤدى إلى طمس صورة الأب الصديق.
7- ضيق وقت الأب وغيابه الدائم عن البيت يرمي بالمسؤولية الكاملة على الأم، التي يزداد خوفها على الابن فتحرمه من الاحتكاك بالناس والتفاعل معهم، إضافة إلى عدم تعويده على التعبير عن رأيه والتنفيس عن انفعالاته نظرا لكثرة أعبائها.
"7" خطوات للعلاج
يضعها لنا الدكتور، إسماعيل يوسف، استشاري الطب النفسي بجامعة قناة السويس.
1- لابد من حرص الوالد وإشرافه على توفير الجو النفسي السوي بالبيت مادياً ومعنوياً؛ من حيث المكان الصحي المناسب والأمور المعيشية الميسرة، ومعنويا يكون بالحب والحنان والتواد والتعاون الذي يتوافق ومراهقة الابن.
2- وجود الأب القدوة أمام الابن بالبيت أو بديله- الخال والعم- حتى يستطيع المراهق التعايش مع بعض جوانب صورة الرجل.
3- الحرص من جانب الأب خلال ساعات دوامه بالبيت على توفير الجو الاجتماعي المناسب ليلتقي الابن بأصدقائه ويندمج معهم؛ وذلك يتم باقتراح زيارة صديق وتوصيله بالعربة للمكان، أو التحدث معه عن قيمة الصداقة وسبل استمرارها.
4- عدم انقطاع حبل التواصل بين الوالد وابنه حالة السفر؛ ويتم ذلك بتكليف الابن- بالموبايل- ببعض المهام الأسرية التي تتسم بالطابع الرجولي ومناقشته في كيفية القيام بها.
5- على الأب أن ينتهز فرصة تواجده بالبيت واقتراح النزول مع ابنه للتسوق أو زيارة احد الأصدقاء، بهدف تمضية بعض الوقت معه، ومحاولة إدماج الابن في مهام الرجال وعالمهم.
6- ما الذي يمنع الأب من الحديث مع ابنه عن ذكريات طفولته، ومواقف شبابية مر بها، عن دراسته وأسباب نجاحه، أحلامه وما أنجزه منها، بمعنى أن ينقل له مايدور بفكره وما يحلم به رجلا كرجل.
7- على الابن المراهق أن يتفهم ويعي تماما أسباب غياب الوالد عن البيت ودواعي سفره، مع الحرص على إفهامه أن السفر أو التغيب عن البيت لساعات طويلة ليس من باب توفير الرفاهية وزيادة الرصيد بالبنك، بقدر ارتباطها بالحاجة وتهيئة مستوى لائق للمعيشة.