مفاتيح لكي نفهم عالم الطفولة
الطفل كيان إنساني سليم وليس حالةتربوية منحرفة.
.:: المفتاح الأول ::..
أولى مفاتيح عالم الطفل، تكمنفيما ورد عن المربي الأول صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة»
ليس هناك من يجهل هذه المقولة، ولكن القليل منّا من يستطيع توظيف هذا الموقفالنظري في تعامله مع الطفل.
لأن المتأمل في نوع التدخل الذي نقوم به اتجاه سلوكأطفالنا يدرك مباشرة أننا نتعامل معهم على اعتبار أنهم حالة تربوية منحرفة يلزمناتقويمها، لا باعتبارهم كيانا إنسانياً سليماً، كما يقتضيه فهمنا لمعنى 'الفطرة' الوارد في الحديث الشريف.
فنعمل بمقتضى ذلك المفهوم المنحرف على الوقوف موقفاًسلبياً ومتسرّعاً تجاه أي سلوك لا يروقنا و لا نفهمه، فنحرم بذلك أنفسنا منالانسياب إلى عالم الطفل الممتع والجميل.
إنّ الإيمان بأن كل مولود يولد علىالفطرة ليس مسألة حفظ بالجنان و تلويك باللسان، بل هو تصور عقائدي ينبني عليهالتزام عملي تربوي ثابت.
فالانحراف عن هذا التصور يجعل سلوكنا تجاه أبنائنا منذالبداية محكوما عليه بالفشل الذريع.
إذ إنه من مقتضيات الإيمان بولادة الإنسانعلى الفطرة الاعتقاد بأن الله تعالى قد منح الطفل من الملكات الفطرية و القدراتالأولية ما يؤهله ليسير في رحلته في هذه الدنيا على هدى وصواب، و بذلك التصورسيتحدد نوع تدخلنا في كيانه، والذي يتجلى في وظيفة محددة هي الإنضاج والتنمية، لاالتقويم والتسوية، أي ستقتصر وظيفتنا اتجاه الطفل على تقديم يد المساعدة للطفل حتىينضج تلك الملكات و ينمي تلكم القدرات
بل إن من مقتضيات توظيف هذا الحديث النبويالشريف أنه حينما نلحظ انحرافاً حقيقياً في سلوك الطفل، فعلينا أن نراجع ذواتنا ونتهم أنفسنا و نلومها و نحاسبها، لأننا سنكون نحن المسؤولين عن تحريف تلك الفطرةالتي وضعها الله تعالى بين أيدينا أمانة سوية سليمة، فلم نحسن الحفاظ عليها، ولمنؤد حقها على الوجه المطلوب..
وبذلك سوف نشفى من أعراض النرجسية التي تصيب معظمالآباء، حيث سنتمكن من تطوير ذواتنا باستمرار عن طريق عرضها على ميزان النقدوالتقويم.
فالطفل كيان إنساني سليم وليس حالة تربوية منحرفة
..:: المفتاح الثاني::..
الواجب عند الطفل يتحقق عبر اللذة أساساً وليس عبر الألم نعم إن خوفالطفل من الألم قد يجعلك تضبط سلوكه و لو لفترة معينة، و لكنك لن تستطيع التعويلباستمرار على تهديده بالألم إذا كنت تريد أن تبني في كيانه قيمة احترام الواجبوالالتزام به.
كما لن يمكنك تفادي الآثار السلبية لما يحدثه الألم في نفسهوشخصيته، لا تنتظر من الطفل أن يقوم بما عليه القيام به من تلقاء نفسه و بشكل آلي،بل و حتى بمجرد ما تأمره به والسبب هو أن مفهوم الواجب عنده لم ينضج بعد، و هو منالمفاهيم المجردة التي ينبغي تنشئة الطفل عليها بشكل تدريجي.
فحينما تأمره أنيقوم بإنجاز تمارينه المدرسية مثلاً، فإن استجابته لك لن تتحقق ما لم تربطها بمحفزيحقق له متعة منتظرة، مثل الوعد بفسحة آخر الأسبوع أو زيارة من يحبه...
حتىيرتبط فعل الواجب لديه باستشعاره للمتعة التي سوف يجنيها.
فيكون الهدف هو أنيصبح الطفل متعلقاً بفعل الواجب قدر تعلقه بتحقيق تلك المتعة و ما يدعم ذلك هو أنالطفل أثناء تنفيذه للواجب، فإنه يفعل ذلك بمتعة مصاحبة كأن يغني و هو يكتب، أويقفز على رجل واحدة و هو ذاهب لجلب شيء ما..
و على أساس هذا الاعتبار تأسستمدارس تعليمية، تعتمد اللعب وسيلة أساسية لتعليم الصغار.
و يعتقد بعض الآباء أنربط الواجب بالمحفزات، و خاصة المادية منها، سوف يوقعهم في تدليل أبنائهم.
و هوما نعتبره خلطاً في المفاهيم قد يقع فيه الكثير، و بكلمات سريعة موجزة نقول: إنالدلال هو منح المتعة بدون ربطها بالقيام بالواجب، و غالبا ما يكون تقديم تلكالمتعة استجابة لابتزاز يمارسه الطفل على والديه، بل هي أحياناً منح المتعة مقابلاقتراف الخطأ، و ذلك انحراف كبير في السلوك التربوي تجاه الأبناء.
وما نتحدث عنهنحن بهذا الصدد مخالف كما ترى لهذه الصورة.
إن تفهم هذا الأمر عند الطفل سيجعلتعاملنا معه أثناء إلزامه بفعل الواجب تعاملاً إيجابياً وخالياً من التوتر، فالواجبعند الطفل يتحقق عبر اللذة أساساً وليس عبر الألم