أيُّها الأخُ الحبيب
يا مَن كَرَّمَكَ اللهُ تعالى وفضَّلَكَ على كثيرٍ مِن خَلْقِهِ .
يا مَن شَرَّفَكَ اللهُ بأنْ جعلَكَ واحِـدًا مِن أُمَّةِ الإسلام
والتي هِيَ خيرُ أُمَّةٍ أُخرِجَت للناس .
هـذه كلمةٌ أُوَجِّهُها إليكَ ..
أقــولُ لَكَ فيها :
.. لا تُعَـيِّــرني ..
فإنِّي مُسلِمٌ مِثلك .
لا يَعيبُني طُولُ قامتي أو قِصَرُها ، ولا نحافةُ جِسمي أو ضَخامتُه .
لا يَعيبُني سَوادُ لوني ، ولا فُقدانُ بصري ، ولا بَترُ أحدِ أعضاءِ جِسمي .
فقـد خَلَقَ اللهُ تعالى نبيَّهُ آدمَ – عليه السلام – وطولُه سِتون ذِراعًا .
وكان الصّحابيُ الجليلُ عَمرو بن العاص – رَضِيَ اللهُ عنه - قصيرًا .
واسمع لقولِ أُمِّنا عائشةَ – رَضِيَ اللهُ عنها –
للنبيِّ صلَّ اللهُ عليه وسلَّم
(( حَسْبُكَ مِن صفيةَ كذا وكذا ))
تعني : قصيرة ، فقال :
(( لقـد قُلتِ كلمةً لو مُزِجَت بماءِ البحرِ لَمَزَجَته ))
رواه أبو داود وصَحَّحه الألبانيُّ .
وفي الحديث :
إنَّ عبدَ الله بن مسعود انكشفت ساقُه ، وكانت دقيقةً هزيلة
فضَحِكَ منها بعضُ الحاضرين .
فقال النبيُّ صلَّ اللهُ عليه وسلَّم :
(( أتضحكون مِن دِقَّةِ ساقَيْهِ ! و الذي نفسي بيدِه لَهُما
أثقلُ في الميزان مِن جبل أُحُـد ))
حسَّنه الألبانيُّ .
وقال أبو ذَرٍّ الغِفاريّ : إنِّي ساببتُ رجلاً ، فعَيَّرتُه بأُمِّه ،
فقال لي النبيُّ صلَّ اللهُ عليه وسلَّم :
(( يا أبا ذَرّ ، أَعَيَّرتَهُ بأُمِّه ، إنَّكَ امرؤٌ فيك جاهلية ))
رواه البُخاريُّ .
وهـذا عَمرو بن الجَموح رَضِيَ اللهُ عنه ،
كان رجلاً أعرج ، وقـد قاتَلَ مع المُسلمين يومَ أُحُد ، وقُتِلَ شهيدًا .
وفي قِتال المُسلمين للرُّوم قاتَلَ
جعفرُ بنُ أبي طالب – رَضِيَ اللهُ عنه – حتى قُطِعَت يمينُه
فأخذ الرايةَ بشِمالِهِ ،
ولم يَزل بها حتى قُطِعَت شِمالُه ، فاحتضنها بعَضُدَيْه
فلم يَزَل رافعًا إيَّاها حتى قُتِلَ
وأثابه اللهُ بجَناحَيْه جَناحين في الجَّنَّةِ
يطيرُ بهما حيثُ يشاء .
وكان الصّحابيُّ عبدُ اللهِ بن أُمِّ مَكتوم أعمَى ،
وقال النبيُّ – صلَّ اللهُ عليه وسلَّم – في الحديثِ القُدُسِيِّ :
(( إنَّ اللهَ قال : إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه
فصَبَرَ ، عوَّضتُه منهما الجنَّة ))
رواه البُخاريُّ ، يُريدُ : عينيه.
ألم تعلم – أخي في الله –
أنَّ اللهَ تعالى هو الذي خَلَقَكَ وخَلَقَني ..؟!
أتعيبُني أم تعيبُ على اللهِ – عَزَّ وَجَلَّ – صنعتَه ..؟!
.. فلا تُعَـيِّـرنـي ..
إذا كنتُ فقيرًا ، فقـد يكونُ الفقرُ خيرًا لي مِن مالٍ يُطغيني .
وإذا كنتُ مريضًا ، فقـد يكونُ المرضُ سببًا في تقرُّبي
إلى اللهِ تعالى ، وكثرةِ دُعائي له .
وإذا كُنتُ عقيمًا ، فقـد يكونُ هـذا ابتلاءً مِنَ اللهِ -
عَزَّ وجَلَّ – يُثيبُني إذا صبرتُ عليه ورَضيتُ بما قَسَمَهُ لي ..
فلا تُعَيِّرني بشئٍ ليس لي يَدٌ فيه .
لا تُناديني بلَقَبٍ لا أُحِبُّه .
لا تُعَيِّرني بذنبِ غيري كآبائي أو أجدادي أو أحدِ أقربائي
بل لا تُعَيِّرني بذنبٍ فعلتُهُ وتابَ اللهُ عليَّ منه .
ولا تُعَيِّر غيري بأنَّه كان عاصيًا للهِ
أو بأنَّه كان على مِلَّةٍ غيرِ الإسلام
ثُمَّ تابَ واهتدَى وأسلَمَ للهِ رَبِّ العالَمين
وقـد كان عبدُ اللهِ بن سلام حَبْرًا مِن أحبارِ اليهود
ثُمَّ أسلم وبَشَّره النبيُّ – صلَّ اللهُ عليه وسلَّم –
بالجَنَّة ، وكان عُمر بنُ الخَطَّاب –
رَضِيَ اللهُ عنه – كافِرًا ، ثُمَّ أسلم وحَسُنَ إسلامُه
وصار واحدًا مِن العَشرةِ المُبَشَّرين بالجنَّة .
واعلم – أخي المُسلِم –
أنَّ اللهَ تعالى نَهَى عن السُّخريةِ بالناسِ واحتقارِهم والاستهزاءِ بهم .
قال الشَّوكانيُّ في ( فتح القدير )
في تفسيرِ قولِهِ تعالى :
﴿ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ﴾
الحجرات/11 :
‹‹ قال الواحِديُّ : قال المُفَسِّرون :
هو أن يقولَ لأخيهِ المُسلِم :
يا فاسِق يا مُنافِق ، ويقولَ لِمَن أسلم :
يا يهوديُّ يا نصرانيُّ . قال عطاء :
هو كُلُّ شئٍ أخرَجتَ به أخاكَ مِن الإسلام
كقولِكَ :
يا كَلْبُ يا حِمَارُ يا خِنْزِيرُ ›› .
واعلم أنَّكَ مُحاسَبٌ على كُلِّ كلمةٍ
بل على كُلِّ حَرفٍ ينطِقُ به لِسانُك
قال اللهُ تعالى :
﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ ق/18 ،
وقال النبيُّ صلَّ اللهُ عليهِ وسلَّم :
(( إنَّ العَبدَ لَيتكلَّمُ بالكلمةِ مِن رضوانِ اللهِ لا يُلقي
لها بالاً يَرفعُ اللهُ بها درجات
وإنَّ العَبدَ لَيتكلَّمُ بالكلمةِ مِن سَخَطِ اللهِ لا يُلقي
لها بالاً يهوي بها في جَهنَّم )) رواه البُخاريُّ
وقال :
(( وهل يَكُبُّ الناسَ في النارِ على وجوهِهم – أو قال :
على مَناخِرهم – إلَّا حَصائِدُ ألسنتِهم ))
رواه الترمذيُّ وصَحَّحه الألبانيُّ ،
وقال صلَّ اللهُ عليه وسلَّم :
(( بَحَسْبِ امرئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاه المُسلِم ))
مُتَّفَقٌ عليه .
وقـد سُئِلَ عبدُ اللهِ بن المُبارَك عن الرَّجُلِ يقول :
حُمَيْدٌ الطويل ، وسُليمانُ الأعمش ،
وحُمَيْدٌ الأعرج ، ومروان الأصغر ؟
فقال :
‹‹ إذا أردتَ صِفَتَهُ ، ولم تُرِد عَيْبَهُ ، فلا بأس ›› .
واحـذر – أخي المُسلِم –
أن تقولَ كلمةً قـد تكونُ
سببًا في شقائِكَ إلى الأبد ، وقـد يدعوا عليكَ مَن عَيَّرتَه
فيَستجيب اللهُ دُعائَه
واعلم أنَّ هـذا الشخصَ الذي تُعَيِّرُه قـد يكونُ أعبدَ مِنكَ لله
وأعلى مِنكَ مَنزلةً عند اللهِ تعالى
وقـد يكونُ اللهُ تعالى رَزَقَهُ نعمًا لم يَرْزُقكَ بها
وقـد يكونُ مِن أهل الجَنَّةِ وأنتَ لا تدري .
واعلم أنَّ اللهَ تعالى
قادِرٌ على أنْ يبتلِيَكَ بما ابتلاهُ به
وقادِرٌ على أنْ يجعلَ الناسَ يُعَيِّروكَ
بشئٍ فيكَ قـد تكونُ غافِلاً عنه
وهو سُبحانه قادِرٌ على أنْ ينتقِمَ لهُ مِنك .
فلا تكُن سببًا في إيذاءِ أخيكَ المُسلِم ،
فقـد قال النبيُّ صلَّ اللهُ عليه وسلَّم :
(( المُسلِمُ مَن سَلِمَ المُسلمون مِن لِسانِهِ ويدِهِ )) مُتَّفَقٌ عليه
وقال :
(( وإنْ امرؤٌ شَتَمَكَ وعَيَّركَ بما يعلمُ فيكَ
فلا تُعَيِّره بما تعلمُ فيه ، فإنَّما وبالُ ذلك عليه ))
رواه أبو داود وصَحَّحه الألبانيُّ ،
ورُوِيَ أنَّ ابنةً لأبي هُريرة قالت له : إنَّ الجَواري يُعَيِّرنني
يَقُلن : إنَّ أباكِ لا يُحَلِّيكِ الذَّهَب
فقال :
‹‹ إنَّ أبي لا يُحَلِّيني الذَّهَب ، يَخشَى علَيَّ منَ اللَّهَب ›› .
وقـد قيل :
سعادةُ المَرءِ أنْ يَشتغِلَ بعُيوبِ نَفْسِهِ عن عيوبِ غيرِهِ .
وقال الشَّاعِـر :
لا تَكشِفَنَّ مساوي الناسِ ما سَتَروا .. فيَهتِكُ اللهُ سترًا عن مَساويكا
واذكُـــــر مَحاسنَ ما فيهم إذا ذُكِـــروا .. ولا تَعِبْ أحـــدًا منهــم بما فيكـا
وأخيــرًا ، أقولُ لَكَ أخي في الله :
إذا رأيتَ مُبتلَىً بشئٍ في نَفْسِهِ أو في أهلِهِ
فلا تُعَيِّره بذلك ، بل ادعُ له
واحمد اللهَ تعالى على ما أنتَ فيه مِنَ النّعم
فقـد يكونُ ما أنتَ فيه مِن صِحَّةٍ
وغِنَىً وجاهٍ وغيره ابتلاءً واختبارًا مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ .
واذكُـر قولَ النبيِّ صلَّ اللهُ عليه وسلَّم :
(( مَن رأى منكم مُبتَلَىً فقال : الحمدُ للهِ الذي
عافاني مِمَّا ابتلاكَ به ، وفَضَّلني على كثيرٍ مِمَّن
خَلَقَ تفضيلاً ، لم يُصبه ذلك البَلاء ))
رواه الترمذيُّ وصَحَّحه الألبانيُّ .