ليس المقصر من يُذنب ثم يتوب إلى الله تعالى, ولا يصر على ذنوبه, فقد قال صلى الله عليه وسلم: (يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرنني غفرت لك، يا بن آدم! لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً أتيتك بقرابها مغفرة ), ولكن المقصر, والله تعالى أعلم, هو من لا يفكر في خدمة الإسلام, ولا تعني له الدعوة إلى الله شيئاً, وغالباً ما يكون هذا المقصر عن الدعوة إلى الله تعالى متلبس بذنوب, كبائر وصغائر, لا يتوب منها, ويعيش مصراً عليها, وقد تنتهي به هذه الذنوب في نهاية الأمر,إن لم يتدارك نفسه, أن يكون من الغافلين, كما سنوضح في مقال آخر من هم الغافلون.
وما سبق بيانه أعلاه, قاعدة بدأت منذ بدأ الصراع بين الحق والباطل وهي أن الإنسان يدافع وينافح عمّا يعتنقه من فكر ومنهج حياة, حقاً كان معتقده أو باطلاً, ولذا فإن الصحابي طفيل بن عمرو الدوسي بعد أن أسلم قال: (فأتاني أبي فقلت له: إليك عني يا أبت فلست مني ولست منك، فقال: لم يا بني؟ قلت: قد أسلمت وتابعت دين محمد، فقال: أي بني ديني دينك، فأسلم، أي بعد أن قال له: اغتسل وطهر ثيابك ففعل، ثم جاء فعرض عليه الإسلام ثم أتتني صاحبتي فذكرت لها مثل ذلك: أي قلت لها إليك عني فلست منك ولست مني، قد أسلمت وتابعت دين محمد، قالت: فديني دينك فأسلمت ... الحديث).
نعم إنها القاعدة التي لا تتخلف مع الصادقين في إسلامهم, ألا يجدوا الراحة إلا في الدعوة إلى دينهم بعد أن ذاقوا حلاوة الإيمان, وقد بين ذلك الله تعالى في كتابه مخاطباً أولئك النفر من الأعراب في سورة الحجرات: (قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لاَّ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
ولقد استوقفني منظر رأيته لأحد الصادقين, نحسبه كذلك والله حسيبه, شاب مقعد بشلل رباعي, غير أن القاعدة التي ذكرناها آنفاً لا تتخلف, وهي أن الدعوة إلى الله والمنافحة عن الإسلام هي دأب الصادقين, لقد وضع صندوقاً في حجره مليء بالأشرطة والكتيبات النافعة, معلقاً على صدره لافتة تقول "خذ نسختك".
وأخيراً فندعو كل من قصر في الدعوة إلى هذا الدين العظيم أن يتأمل في قوله تعالى: (لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر), فلا يمكن لإنسان أن يبقى عند مستوى واحد من الإيمان, بل هو لابد إما أن يتقدم أو يتأخر في إيمانه, فإن لم تكن تدعو للحق فأنت مدعو للباطل, فهيا لنبدأ بالعطاء ...
أستغفر الله العلي العظيم التواب الرحيم لذنبي وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات الى يوم الدين
م/ن