الوصية الواحدة و العشرون : الوصية بحفظ العورة إلا من الزوجة
للزوج المسلم أن يحفظ عورته من كل إنسان إلا من زوجته أو ملك اليمين
وليس ذلك بعيب ولا بغريب فهذا معاوية بن حيدة رضي الله عنه يقول : يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟
قال : " احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك "
قيل : إذا كان القوم بعضهم في بعض .
قال : " إن استطعت ألا يرينها أحد فلا يرينها "
قيل : إذا كان أحدنا خاليا ؟
قال :" الله أحق أن يستحيا منه الناس " 1
* إحفظ عورتك : أي صنها من العيون لأنها خلقت من آدم عليه السلام مستورة ، و قد كانت مستورة عن آدم و حواء ، و دخلا الجنة و لم يعلما بها حتى أكلا من الشجرة فانكشفت فأُمرا بسترها .
وجئ بكلمة (احفظ ) ولم يأت بكلمة (استر) ليدل السياق على الأمر بسترها استحياء عمن ينبغي الاستحياء منه أي من الله ومن خلقه كما قال عز وجل : " وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) " 2
لأن عدم الستر يؤدي إلى الوقاحة و هيأ للزنا .
وفيه أن للزوج النظر لفرج زوجته ، و أخذ بعضهم منه أنه يجب على الرجل تمكين حليلته من الاستمتاع به .
* إن استطعت ألا يرينها أحد : أي اجتهد في حفظها ما استطعت وإن دعت ضرورة للكشف جاز بقدرها .
* الله أحق : أي وجب ان يُسْـتـَحيا ( بالبناء المجهول ) منه من الناس : عن كشف العورة و هو تعالى و إن كان لا يحجبه شئ ، و يرى المستور كما يرى العاري لكن رعاية الأدب تقتضي الستر .
قال العلائي و غيره : هذا إشارة إلى مقام المراقبة ، فإن العبد إذا امتنع عن كشف عورته حياء من الناس فلأن يستحي من ربه المطلع عليه في كل حال ، وكل وقت أولى ، و الداعي للمراقبة أمور أعظمها الحياء . 3
وقال الحكيم الترمذي : من تعرى خاليا ولم يحتشم فهو عبد قلبه غافل عن الله لم يعلم بإن الله يرى علم اليقين ،
ولذلك كان الصديق رضي الله عنه يقنع رأسه عند دخول الخلاء حياء من الله تعالى
وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يغتسل في بيت مظلم حتى لا يرى عورة نفسه .
----------
1- حديث صحيح أخرجه أبو داوود (4017) و الترمذي (2794) و ابن ماجة (1920) و أحمد (5/4,3) و الحاكم ( 4/ 180) و البيهقي (1/199) , ( 2/ 225 ) في سننه الكبرى , و ابو نعيم ( 7/ 121) في الحلية و الطبراني ( 19/ 413) في الكبير .
2- سورة المعارج .
3- فيض القدير ( 1/195/196) للمناوي .
الوصية الثانية و العشرون : الوصية بالوضوء بين الجماعين
يستحب للزوج المسلم إذا أدراد أن يعاود جماع أهله أن يقوم بالوضوء ليستعيد نشاطه و يستجمع قوته ويراجع بهجته .
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا "
وفي رواية أخرى : " فإنه أنشط في العود " 1
إذا أتى أحدكم أهله : أى : جامع زوجته ثم أراد أن يعود : يعنى للجماع .
فليتوضأ بينهما وضوءا : أي الجماعين يتوضأ بينهما وضوءا تاما كوضوء الصلاة .
فإنه أنشط في العود : أي أكثر نشاطا له ، أعون عليه مع ما فيه من تخفيف الحد ، لأنه يرفعه عن أعضاء الوضوء و المبيت على إحدى الطهارتين خوفا من أن يموت في نومه ، و أخذ منه أنه يسن للمرأة أيضا ، و يكره الجماع الثاني قبل الوضوء .
---------------
1- حديث صحيح أخرجه مسلم (308) و أبو داوود (220) و الترمذي (141) و ابن ماجة ( 517) و البيهقي ( 1/203) ، ( 7/192) في سننه الكبرى
الوصية الثالثة و العشرون : الوصية بالوضوء بعد الجماع لمن نام جنبا
يستحب للزوج المسلم و الزوجة القيام بالوضوء بعد الجماع إذا أراد أن يناما بالجنابة ، و قد ورد ذلك في السنة النبوية المطهرة .
تروى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فتقول : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يأكل أو ينام و هو جنب غسل فرجه و توضأ وضوءه للصلاة " 1
أما ابن عمر رضي الله عنهما فيحدثنا أن عمر قال : يا رسول الله أينام أحدنا و هو جنب ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " نعم إذا توضأ " 2
وفي رواية أخرى : " توضأ و اغسل ذكرك ثم نَمْ " 3 وفي أخرى نعم و يتوضأ إن شاء الله " و في رواية أخيرة : نعم ليتوضأ ثم لينم ، حتى يغتسل إذا شاء "
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام و هو جنب توضأ أو تيمم .4
و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يغتسل أحيانا و يقول : " هذا أزكي و أطيب و أطهر " 5
و الزوج الجنب أو الزوجة إذا ناما بالجنابة ولم يحدثا وضوء فإن الملائكة لا تقرب منهما كما قال عليه الصلاة و السلام : " ثلاثة لا تقربهم الملائكة : جيفة الكافر ، و المضمخ بالخلوق ، و الجنب إلا أن يتوضأ " 6
--------------
1- حديث صحيح أخرجه البخارى ( 392 ) و مسلم (305) و ابو داوود ( 224) و النسائي ( 1/138) و ابن ماجة (591) و أحمد (6/192) و عبد الرزاق (1085) في مصنفه
2- حديث صحيح أخرجه مسلم ( 306) و أبو عوانه ( 1/277) و الترمذي (120) و ابن ماجة (585) و أحمد (1/17،35) ( 2/17،102) و البيهقي (1/200) في سننه الكبرى .
3- حديث صحيح أخرجه مالك ( 47 ) في الموطأ و البخاري ( 1/76،80) و مسلم ( 306) و ابو داوود (221) و أحمد (2/64)
4- سبق تخريجه
5- حديث حسن أخرجه أبو داوود (219) و أحمد ( 6/8) و الطحاوي ( 1/129) في معاني الآثار و البيهقي (1/204) في سننه الكبرى .
6- حديث صحيح أخرجه ابو داوود ( 4180) و البخاري في تاريخه الكبير ( 5/74) و البيهقي ( 5/36) في سننه الكبري
الوصية الرابعة و العشرون : النهي بعدم إفشاء أسرار الجماع
مما نهى عنه الإسلام الحنيف إفشاء أحد الزوجين للقاء بينهما أو الحديث عما دار في الفراش فكل ذلك من الأمور القبيحة التي لا تليق بالمؤمن التقي.
و هذا الرجل الذي يتحدث عما دار بينه و بين امرأته في الفراش إنما هو في الحقيقة بعمله هذا شيطان من الشياطين.
و تلك المرأة التي تتحدث للنساء عما حدث بينها و بين زوجها في الفراش إنما هي شيطانة بعملها هذا.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "إن من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته و تفضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه" وفي رواية أخرى : ((إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة : الرجل يفضي إلى امرأته ، وتفضي إليه ، ثم ينشر سرها)).
-- يفضي : يصل ، وهو كناية عن المعاشرة الزوجية.
إن من أعظم الأمانة : أي أعظم خيانة للأمانة ، وفي هذا تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور المعاشرة الزوجية ، ووصف تفاصيل ذلك. وهذا من آداب الإسلام الرفيعة ، وقيمه السامية ، وأخلاقه العالية.
الوصية الخامسة و العشرون : الوصية بفضل الجماع يوم الجمعة
من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم للأزواج و الزوجات في ليلة الزفاف ألا يغفلا عن المعاشرة الزوجية يوم الجمعة .
يروى أوس بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قا ل: " من غسَّــل و اغتسل ، ثم بكر و ابتكر ومشى ولم يركب ، ودنا من الإمام و أنصت و لم يلْغ ُ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها و قيامها " 1
قال البعض : ( غسَّــل ) معناه : أصاب أهله قبل الخروج إلى صلاة الجمعة ، ليكون أملك لنفسه ، و أحفظ طريقة لبصرة ، و يروى ذلك عن وكيع بن الجراح
و قال ابن خزيمة رحمة الله : قوله ( غسَّــل و اغتسل ) أي جامع زوجته فأوجب عليها الغسل ، و اغتسل هو
( ابتكر ) : أي أدرك باكورة الخطبة ، و هي أولها . فما أعظم فضل يوم الجمعة .
------
1- حديث صحيح أخرجه ابو داود (345) و أحمد (4/104) و الترمذي (494) و النسائي (3/97) و ابن ماجة (1087)
الوصية السادسة و العشرون : الوصية بجواز اغتسال الزوجين معاً
من الوصايا النبوية في ليلة الزفاف : بيان جواز اغتسال الزوجين معا ، لو رأى عورة زوجته ، و رأت هي عورة زوجها .
تروي عائشة رضي الله عنها فتقول : كنت أغتسل أنا و رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد ، تختلف أيدينا فيه ، فيبادرني حتى أقول : دع لي دع لي .
قالت : وهما جنبان .1 وفي رواية ونحن جنبنان .
وهذا جار على إحدى اللغتين في الجنب أنه يثني و يجمع ، فيقال : جنب و جنبان و جنبون و أجناب ، و اللغة الأخرى : رجل جنب و رجلان جنب و رجال جنب و نساء جنب بلفظ واحد ، و هذه اللغة أفصح و أشهر وجاءت في القرآن الكريم .
وأصل الجنابة في اللغة : البعد ، و تطلق على الذي وجب عليه غسل بجماع ، أو خروج منيَّ لأنه يجتنب الصلاة و القراءة ، و المسجد و يتباعد منها .
و استدل الداوودي بهذا الحديث على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته و عكسه
-------
1- حديث صحيح أخرجه البخاري ( 250 ) و ( 261) و مسلم ( 321) و أحمد ( 6/37 ، 210 ) و أبو داود (77) و النسائي ( 1/128 ، 201 ) و عبد الرازق ( 1027) , ( 1031) في مصنفه .
الوصية السابع والعشرون : الوصية بعدم الجماع في الدبر
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ملعون من أتى امرأة في دبرها " 1
أخي المسلم .. أختى المسلمة
من الأمور التى أتفق أهل العلم عليها أنه يجوز للرجل إتيان زوجته في قُبلها على أي صفة شاء ، وفيه نزلت الآية الكريمة : " نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ " 2 .قال بن عباس رضي الله عنه : ائتها أنى شئت ، مالم تأتها في الدبر و الحيض 3 .
أما الإتيان في الدبر ، فحرام فمن عمله جاهلاً بتحريمه ، نهى عنه ، فإن عاد إليه عُزّر ، وروى أن عمر ضرب رجلاً في ذلك ، و سئل أبو الدرداء عن ذلك ، فقال : و هل يفعل ذلك إلا كافر ؟! ، و ذكر لابن عمر ذلك ، فقال : هل يفعله أحد من المسلمين ؟!
ومن هذا نعلم أن من جامع زوجته في دبرها فقد أتى كبيرة من الكبائر ، و عليه أن يتوب من هذا الفعل الذي نهى عنه ربنا تبارك و تعالى و لعن النبي صلى الله عليه وسلم صاحبه ، و هذا اللعن سيلتصق بصاحبه إذا تمادى في غيِّه بعد معرفته بحكم الله و رسوله في هذا الأمر .
أخي المسلم .. أختى المسلمة ..
لقد أثبت الطب في هذا العصر أن أكثر من 70 % من الرجال يصابون بمرض نقص المناعة المكتسبة إذا أتى المرأة في دبرها .
و قد عرف الإنسان منذ زمن بعيد أمراض الزهري و السيلان و القرحة الرخوة ، كأمراض تنتقل من الرجال إالى النساء ، و بالعكس عند الالتقاء الجنسي ، ثم في هذا القرن ، فوجئ العالم كله بظهور مرض الـ a.i.d.s. أي مرض نقص المناعة المكتسبة في حالة الشذوذ الجنسي .
لقد ذكر أهل العلم بالطب أن منيَّ الرجل يحتوى على مواد من الأحماض الدهنية الغير مشبعة تعرف بالبروستاجلاندين ، و يصل عددها المعروف للآن إلى حوالى اثنى عشر ، كل منها له فعل مختلف عن الآخر ، و على أنسجة مختلفة ، و من هذه المواد ما يؤثر على جهاز المناعة فيضعفه ، و يقلل إنتاج الخلايا اللمفاوية التي تقوم بعمليات المناعة في الإنسان .
ومن البديهي و المعروف أن الرجل يضع هذا المني في الرحم مهبل الزوجة و هذا هو أمر الله في كتابه ، و الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته
و قد اتضح أن إفرازات الرحم بها مواد تُضادُّ و تعادل المواد الموجودة في مني الرجل ، و التي كما بينا تضاعف جهاز المناعة ، لذلك فإن وضع الرجل للمني في مهبل المرأة لا ينتج عنه أي نقص في المناعة .
أما إذا حدث ووضع الرجل هذا الماء في غير موضعه ، كأن يأتي الزوج وزجته في دبرها ، فإنه سيؤدي إلى الإصابة بهذا المرض الخطير .
و بهذا نتبين حكمه الله عندما حرَّم الشذوذ الجنسي ، بكل أنواعه من اللواط ، و السحاق ، و إتيان الزوجة في دبرها ، و أمر باعتزال النساء في المحيض حتى يطهرن 4
عن خزيمة بن ثابت ( أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن أو إتيان الرجل امرأته في دبرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم أي حلال فلما ولى الرجل دعاه أو أمر به فدعي فقال كيف ؟ قلت في أي الخربتين أو في أي الخرزتين أو في أي الخصفتين أمن دبرها في قبلها فنعم أم من دبرها في دبرها فلا فإن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن)
ولعن النبي صلى الله عليه وسلم من أتى امرأة في دبرها فقال : (مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا) رواه أبو داود (2162) والحديث صححه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب" (2432).
قال صلى الله عليه وسلم : (لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلا أَوْ امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ) رواه الترمذي (1166) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
قال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) رواه الترمذي (135) وأبو داود (3904) وابن ماجه (639) . والحديث : صححه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب" (2433).
وكل هذه الملعلومات الجديدة ليست بجديدة بالنسبة للإسلام ، لأن الله تعالى قد أخبرنا بها في القرآن الكريم من ألف و أربعمائة سنة .
------------
1- حديث صحيح ، أخرجه أحمد ( 2/279 ) ، ( 2/444 ) ، و أبو داوود ( 2162 ) في النكاح : باب جامع في النكاح ، و ابن ماجة ( 1623 ) في باب النكاح : باب النهي عن إتيان النساء في أدبارهن .
2- سورة البقرة 222
3- الدرامي (1/ 258 )
4- للمزيد من التفصيل ، فيرجع إلى كتاب ( مدخل إلى الطب الإسلامي ) تأليف د. علي محمد المطاوع
الوصية الثامنة و العشرون : الوصية بكفارة الجماع في الحيض
أختى المسلمة ...
نهى الشرع عن إتيان الزوج لزوجته و هى حائض لحكم عديدة و أسرار كثيرة و منافع للناس لو كانوا يعلمون .
ولكن إذا حدث و أتى الرجل امرأته و هى حائض فماذا يفعل حتى يكفر ذنبه ؟
عن ابن عباس رضي الله عنهما في الذي يأتي امرأته و هى حائض قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يتصدق بدينا ، أو نصف دينا ر " 1
ومن هذا الحديث النبوي ذهب إلى إيجاد الكفارة غير واحد من العلماء منهم قتادة و الأوزاعي و أحمد بن حنبل و إسحاق بن راهوية و عطاء و الشافعي قديما ، ثم قال في الجديد : لا شئ عليه .
قال الخطابي : ولا ينكر أن يكون فيه كفارة لأنه وطء محظور كالوطء في رمضان و قال أكثر العلماء لا شئ عليه و يستغفر الله وزعموا أن هذا الحديث مرسل ، أو موقوف على ابن عباس ، ولا يصح متصلا مرفوعا و الذمم بريئة إلا أن تقوم الحجة بشغلها ، و كان ابن عباس يقول : إن أصابها في فور الدم تصدق بدينا ، و أن كان في آخره فنصف دينا .
و قال قتادة : دينار للحائض و نصف دينار إذا أصابها قبل أن تغتسل .
و كا ن أحمد بن حنبل يقول : هو مخير بين الدينار و نصف الدينار بحسب السعة و القدرة . 2
قلت : و الحديث صحيح ، صححه الحاكم و أقره الذهبي و ابن القطان و ابن دقيق العيد و ابن التركماني و ابن القيم و ابن حجر العسقلاني و استحسنه الإمام أحمد و صححه الألباني .3
ومن ذهب إلى أنه يستغفر الله ولا كفارة عليه : سعيد بن المسيب ، و سعيد بن جبير و إبراهيم النخعي و القاسم و الشعبي و ابن سيرين و ابن المبارك و الشافعي في الجديد .4
أختي المسلمة ...
يتبين لك مما سبق أن من جامع زوجته في الحيض يلزمه أ ن يكفر عن فعله هذا ، ومن الكفارة التصدق بدينار مع الاستغفار و التوبة ، قال ابن القيم رحمه الله : أحاديث الباب تدل على وجوب الكفارة على من وطئ امرأته و هى حائض . 5
-------
1- حديث صحيح أخرجه أحمد ( 1/230، 237 ، 272 ، 286 ، 312 ، 325 ) و أبو داود ( 261 ) و الترمذي (137) و النسائي (1/ 188) و ابن ماجة (640) و ابن الجارود (108 ) في المنتقى و الحاكم ( 1/ 171 ) و الدار قطنى ( 3/287) و البيهقي ( 1/ 314) في سننيهما
2- معالم السنن (1/ 72)
3- إرواء الغليل (1/ 218)
4- عبد الرزاق ( 1267) ، ( 1268) ، ( 1269 ) ( 1271) ، و سنن الدارمي ( 1/ 252, 253 ) ، سنن البيهقي ( 1/ 319 )
5- عون المعبود ( 1/ 308)
حكم و أسرار النهي عن جماع الحائض
أختى المسلمة ...
ما من حكم رباني إلا و له من الحكم و الفوائد و الثمرات مالا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى و ما ذاك بغريب ولا بعجيب لأن الذي شرع هو الحكيم الخبير العليم القدير يقول الحق تبارك و تعالى : " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " 1 فذكر الله عز و جل العلة لوجوب الاعتزال كون دم الحيض أذى .
و الأذى في اللغة : ما يكره من كل شئ .
وقال عطاء و قتادة و السدي : أذى : أي قذر .
أختي المسلمة ...
أليس دم الحيض كريه الرائحة ؟ فهو إذى إذن .
أليس دم الحيض يحتدم ؟! فهو بذلك أذى .
فقوله تعالى : " قُلْ هُوَ أَذًى " هو شئ تتأذى به المرأة و غيرها أي برائحة دم الحيض ، و الأذى كناية عن القذر على الجملة ، و يطلق على القول المكروه 2 ، لكن ماذا قال الطب الحديث عن الأذى ؟
أختي المسلمة ...
يحدث أثناء دم الحيض أن الجسم يفتت الغشاء المبطن للرحم ، و يقذف به كاملاً مع الدم ، و بفحص دم الحيض تحت المجهر و جد أن به قطع من الغشاء المبطن للرحم .
ومن ثم فإن الرحم يكون ملتهبا جداً ، متقرحا ً ، أو يكون أشبه بالمنطقة التي سلخ جلدها فتقل مقاومته لعدوان الميكروبات التي قد تغزوه ، و يكون بيئة صالحة ، مناسبة جداً لتكاثر و نمو هذه الميكروبات ، لأن الدم كما هو معلوم أفضل بيئة لذلك .
فمن أجل ذلك يمنع الوطء أثناء الحيض ، لأنه يسمح بدخول الميكروبات ، أو أنه يدخل الميكروبات إلى الرحم الضعيف ، و تكون المقاومة للغزو الجرثومي في أضعف و أدنى حالاتها ، كما تقول المواد المطهَّرة أثناء الحيض .
أي أن أجهزة المقاومة التي تعمل في الحالات المعتادة تتوقف أثناء الحيض ، فتنمو الميكروبات و تتكاثر و يكون الأذى الذي نهانا الخالق الحكيم عنه .
ليس هذا فحسب بل قد تمتد الالتهابات إلى قناتي الرحم فتسدهما ، أو تؤثر على شعيراتهما التي تدفع البويضة من المبيض إلى الرحم . و انسداد قناتي الرحم باب واسع إلى العقم ، أو إلى الحمل خارج الرحم ، و هو من أشد أنواع الأذى لأنه يؤدي إلى انفجار هذه القناة ، فتسيل الدماء في أقتاب البطن فَتـُحْدِثُ الوفاة .
و قد يمتد الالتهاب إلى القناة البولية و بالتالي إلى الجهاز البولي الذي يلتهم عنق الرحم .
أما بالنسبة إلى الرجل فإن الأذى محقق .
حيث إن هذا يؤدي إلى تكاثر الميكروبات و التهاب قناة مجرى البول و نمو الميكروبات السبحية و العنقودية فيها ، و هي أذى كذلك لأنه ليس فيه مراعاة لحالة المرأة النفسية و الجنسية .3
فالحيض أذى للمرأة كما نص عليه القرآن العزيز وكما أثبت الطب الحديث ذلك فيما بعد وكما يرى في الواقع .
فقد يسبب الحيض للمرأة صداعا نصفيا و فقراً في الدم فضلاً عما يسببه من إزعاجات نفسية و شعورية و مزاجية و آلام و أوجاع ، فتصاب المرأة بشئ من الكسل و الفتور و انخفاض ضغط الدم . و يصحب ذلك عزوف جنسي لا محالة من ذلك ، و لهذا و غيره نهى الإسلام عن إتيانها أثناء الحيض .
---------------
1- سورة البقرة 222
2- الجامع لأحكام القرآن (3/57) للقرطبي .
3- مستفاد من بحث ( المحيض بين إشارات القرآن و الطب الحديث ) للدكتور محمد الشرقاوي .
الوصية التاسعة و العشرون : الوصية بالسلام و الدعاء في الصباحية
مما أوصى به الرسول عليه الصلاة والسلام الزوج في الصباحية أن يستقبل ضيوفه، ويسلم عليهم، ويدعو لهم بالخير.
يروي أنس بن مالك -رضي الله عنه- فيقول: أولم النبي صلى الله عليه وسلم على زينب فأشبع المسلمين خبزًا ولحمًا، ثم خرج فصنع كما يصنع إذا تزوج، يأتي بيوت أمهات المؤمنين يسلِّم عليهن،
. ويسلمن عليه، ويدعون له ))1
فيجلس الزوج في رحبةِ داره أو موضع استقبال ضيوفه ينتظر من يقدم عليه فيرحب بهم، ويقدم إليهم أطايب الطعام، أو الفواكه. فما أعظم وصايا الرسول عليه الصلاة والسلام التي تزرع المودة بين
الناس! وما أعظم وصايا الرسول عليه الصلاة والسلام التي تنشر المحبة بين الناس!
-------------
1حديثٌ صحيحٌ. أخرجه ابن سعد ( 107/8) في الطبقات الكبرى
الوصية الثلاثون : الوصية بالوليمة صبيحة ليلة الزفاف
يستحب في صباح ليلة الزفاف أن يقيم العريس وليمة لضيوفه وأقاربه، وقد ورد ذلك في وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم للعروسين في ليلة الزفاف فهذه الوصية النبوية للزوجين في ليلة الزفاف:
(( َأولِم ولو بشاة )) 1
وفي روايةٍ أخرى: (( بارك الله لك، أولم ولو بشاة ))2
ومن خلال هذه الوصية نجد الأمر بالوليمة، وتسمى طعام الإملاك، وظاهر الحديث يدل على وجوبها، والأكثرون على أن ذلك سنة مستحبة، والتقدير بالشاة لمن أطاقها، وليس على الحتم، فقد صح عن صفية بنت شيبة قالت: أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدِّين من شعير .3
قال العلامة البغوي رحمه الله: الوليمة غير واجبة بل هي سنة، ويستحب للمرء إذا أحدث الله له نعمة أن يحد َ ث له شكرًا، ومثله العقيقة، والدعوة على الختان، وعند القدوم من الغيبة كلها سنن مستحبة شكرًا لله سبحانه وتعالى على ما
أحدث له من النعمة.
--
1 حديثٌ صحيحٌ.أخرجه البخاري (13/1) ( 39/5) ومسلم (1427) و مالك ( 545) في الموطأ و أحمد ( 205/190/165/3) و أبو داوود (2109) و الترمذي (1094) (1933) و النسائي ( 120/6) و ابن ماجة ( 1907) و الدارمي ( 143/2) و البيهقي ( 148/7) في سننه الكبرى
2-حديث صحيح أخرجه البخاري ( 27/7) ( 102/8) ومسلم ( 1427) و الترمذي ( 1094) و ابن ماجة ( 1907) و سعيد بن منصور (611) في سننه
3- حديث صحيح أخرجه البخاري ( 5172)
يجدر بالمرء المسلم الرجوع من الولائم إذا اشتملت على منكرات، أو مخالفات شرعية.
(( يروي علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيقول : صنعت طعامًا فدعوت رسول الله فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع، قال : فقلت: يا رسول الله، ما أرجعك بأبي أنت وأمي؟ قال: (( إن في البيت
سترًا فيه تصاوير، وإن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه تصاوير )) .
الوصية الخاتمة : المستحب لمن حضر من الضيوف الولائم
يستحب لمن حضر من الضيوف الدعاء لصاحب الوليمة بعد الفراغ من الطعام، ومن وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الموطن ( اللهم اغفر لهم وارحمهم وبارك لهم فيما رزقتهم )) 1
(( أكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة وأفطر عندكم الصائمون )) 2
(( اللهم بارك فيهما وبارك لهما في بنائهما )3
فما أحوجنا إلى الرجوع إلى وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم في ليلة الزفاف
ونسأل الله تعالى أن يبارك لجميع المسلمين في أفراحهم، والحمد لله.
-------------
1- حديث صحيح اخرجه احمد ( 187/4) و مسلم (2042)
2- حديث صحيح أخرجه أحمد ( 6/2) ومسلم ( 1626)
3- حديث حسن أخرجه ابن سعد ( 13/8) الطبقات الكبرى و ابن السني برقم 601 ( عمل اليوم )
منقول للفائدة
لا تنسوني من صالح دعائكم