ذكر بعض الأحاديث التي أوردها الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله في رسالته "التحفة الكريمة في بيان بعض الأحاديث الموضوعة والسقيمة"
1- أفضل وأشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة
((أفضل الناس عند الله منزلةً يوم القيامة إمام عادل رفيق، وشر عباد الله منزلةً يوم القيامة إمام جائر)) رواه الطبراني في الأوسط من رواية ابن لهيعة ذكره المنذري في الترغيب.
وابن لهيعة ضعيف، ولا شك أن الإمام العادل الرفيق من أفضل الناس؛ لما في عدله من النفع العظيم، والمصالح الكثيرة للمسلمين وغيرهم.
ولا شك أيضاً أن الإمام الجائر من شرّ الناس؛ لما في جوره وظلمه من المضار الكثيرة على المسلمين.
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله...))[1] وبدأ بالإمام العادل.
وفي الصحيحين أيضاً عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت، وهو غاش لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة))[2].
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه))[3].
بهذه الأحاديث الصحيحة، يعلم أن الإمام العادل الرفيق من خير الناس، وأن الإمام الجائر الغاش للأمة من شر الناس.
وهكذا كل من ولي من أمر الأمة شيئاً من أمير قرية، أو مدينة أو وزير أو أي موظف على شيء من أمور المسلمين، له هذا الحكم. فالواجب الحذر والنصح وأداء الأمانة، والله ولي التوفيق.
2- حديث: ((أخروهن من حيث أخرهن الله)) يعني النساء
حديث: ((أخروهن من حيث أخرهن الله)) يعني النساء.
ذكر صاحب كشف الخفاء ص 67 مجلد أول عن المقاصد، وعن الزركشي، أنه موقوف على ابن مسعود.. أخرجه عبد الرزاق والطبراني من طريقه، وليس بمرفوع... انظر تمامه في الكشف. وله شاهد في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها))[4].
3- حديث: ((أفضل طعام الدنيا والآخرة اللحم))
حديث: ((أفضل طعام الدنيا والآخرة اللحم))، ضعيف أو موضوع، وقد ذكره في كشف الخفاء ص 154 ج 1، وقال: روه أبو نعيم والعقيلي من طريق عمرو السكسكي عن ربيعة بن كعب رفعه، قال: وعمرو المذكور ضعيف جداً، وقال العقيلي: لا يعرف هذا الحديث إلا به، ولا يصح فيه شيء.
وذكر في الكشف له طرقاً أخرى، ونقل عن ابن الجوزي أنه أدخله في الموضوعات فراجع كلامه فيه إن شئت، والله الموفق.
4- حديث: ((فضل علي وسلمان وأبي ذر والمقداد رضي الله عنهم))
حديث: ((إن الله يحب من أصحابي أربعة: علياً وسلمان وأبا ذر والمقداد ابن الأسود الكندي)) أخرجه الإمام أحمد في المسند في المجلد الخامس، ص 351، 356.
والترمذي في المجلد الرابع من الطبعة الهندية بشرح المباركفوري صفحة 327، وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من طريق شريك، يعني به شريكاً القاضي.
وأخرجه ابن ماجه في المجلد الأول صفحة 66، وأخرجه الحاكم صفحة 130 من المجلد الثالث كلهم من طريق شريك القاضي عن أبي ربيعة الإيادي عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وكلهم رووه عن شريك عن أبي ربيعة بالعنعنة ما عدا أحمد في إحدى روايتيه، فإن شريكاً صرح فيها بأن أبا ربيعة حدثه بذلك.
وإسناده ضعيف من أجل أبي ربيعة المذكور فإنه انفرد به وهو منكر الحديث. قاله أبو حاتم الرازي، وصححه الحاكم.
وزعم أنه على شرط مسلم، وأنكر الذهبي عليه ذلك. وقال: إن مسلماً لم يخرج عن أبي ربيعة المذكور.. انتهى.
وكثيراً ما يصحح الحاكم رحمه الله أحاديث ضعيفة وموضوعة، فلا ينبغي أن يغتر بتصحيحه، وقد أغرب الحافظ ابن حجر في ترجمة المقداد، فحسن هذا الحديث، وليس ذلك بجيد؛ لضعف إسناده بانفراد أبي ربيعة به، ونكارة متنه؛ ولأن هذا الحديث لو كان صحيحاً لم يخف على الحفاظ من أصحاب بريدة.
وعلى فرض صحته فإنه لا مفهوم له؛ لأن الله جل وعلا يحب جميع صحابة نبيه صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم وأرضاهم، ويحب كل مؤمنٍ ومؤمنة من سائر الثقلين، كما قال عز وجل: {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}[5]، {وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[6]، {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[7]، وقوله عز وجل: {وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا}[8]، وقوله عز وجل: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}.. إلى أن قال عز وجل: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[9]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
تنبيه آخر:
نقل الحافظ الذهبي كلام أبي حاتم المذكور في شأن أبي ربيعة في الميزان في ترجمة عمر بن ربيعة ص 257 الجلد رقم 2.
5- وقت القيام للصلاة عند الإقامة
خرج البيهقي في السنن من طريق الحجاج بن فروج الواسطي عن العوام بن حوشب عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: كان بلال إذا قال: قد قامت الصلاة، نهض النبي صلى الله عليه وسلم وكبر.
وأعله بالحجاج المذكور وذكر أن ابن معين ضعفه. وذكره صاحب الميزان: أعني الحافظ الذهبي رحمه الله من طريق الحجاج المذكور وذكر ابن معين، والنسائي ضعفاه.... انتهى المقصود.
قلت: وفي السند المذكور علة أخرى. وهي الانقطاع بين العوام، وبين عبد الله بن أبي أوفى؛ لأن العوام لم يسمع منه، ولا من غيره من الصحابة رضي الله عنهم، كما يعلم ذلك من تهذيب التهذيب وغيره.
وبذلك يكون الحديث المذكور ضعيفاً؛ لعلتين وهما: الانقطاع وضعف الحجاج... وقد ذكره كثير من الفقهاء في أول باب صفة الصلاة، محتجين به على استحباب قيام المأموم عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة. ولم يعزه كثير منهم إلى أحد، ولا حجة فيه لضعفه.
وبذلك يعلم أنه لا تحديد في وقت قيام المأموم للصلاة إذا أخذ المؤذن في الإقامة فهو مخير في القيام في أول الإقامة، أو في أثنائها أو آخرها. وهو قول أكثر أهل العلم، وأما التكبير فلم يكن صلى الله عليه وسلم يكبر تكبيرة الإحرام إلا بعد الفراغ من الإقامة، وبعد أن يأمر الناس بتسوية الصفوف، وسد الخلل، كما استفاضت بذلك الأحاديث الصحيحة عنه عليه الصلاة والسلام، وذلك يدل على بطلان هذا الحديث، وعدم صحته. والله ولي التوفيق.
6- حديث: ((إذا كثرت ذنوبك فاسق الماء...))
حديث: ((إذا كثرت ذنوبك فاسق الماء على الماء. تتناثر ذنوبك)) رواه أبو بكر الخطيب البغدادي عن إسحاق بن محمد التمار، وقال: كان لا بأس به. قال: حدثنا هبة الله بهذا، قال الذهبي رحمه الله في الميزان ج4 ص293: وهبة الله هو ابن موسى المزني الموصلي. عرف بابن قتيل لا يعرف. أ هـ.
قلت: وبذلك يكون هذا الحديث ضعيفاً بهذا الإسناد؛ ولكن يعلم فضل سقي الماء من أدلةٍ أخرى؛ لكون ذلك من أعمال البر والخير، والله ولي التوفيق.
7- حديث: ((حبك الشيء يعمي ويصم))
حديث: ((حبك الشيء يعمي ويصم)) لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ}[10]، قال الإمام أحمد: حدثنا عصام بن خالد، حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني، عن خالد بن محمد الثقفي عن بلال بن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((حبك الشيء يعمي ويصم)) رواه أبو داود عن حيوة بن شريح، عن بقية عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم به. انتهى
قلت: هذا الحديث المذكور ضعيف؛ لأن في إسناده أبا بكر بن عبد الله بن أبي مريم، وهو ضعيف لا يحتج به. ولكن معناه صحيح نسأل الله العافية.
8- حديث علي رضي الله عنه أنه تصدق بخاتمه وهو راكع
حديث: إن قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[11]، نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه تصدق بخاتمه وهو راكع ليس بصحيح، ذكره الحافظ ابن كثير في التفسير، وحكم عليه بالضعف؛ لضعف رجال أسانيده، وجهالة بعضهم.. وذكر أنه لم يقل أحد من أهل العلم فيما يعلم بفضل الصدقة حال الركوع. أ هـ. المقصود.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المنهاج المجلد الأول ص165 الطبعة التي حققها الدكتور محمد رشاد سالم: أن الحديث المذكور موضوع.. وبهذا يعلم أن قوله تعالى: {وَهُمْ رَاكِعُونَ}، معناها وهم خاضعون، ذليلون لله تعالى؛ لأن الركوع والسجود يمثلان غاية الذل لله والاستكانة، فالمؤمن يتصدق وهو خاضع لله، لا متكبر ولا مدل بعمله ولا مراء ولا مسمع.. والله ولي التوفيق.
9- حديث: ((دفن عيسى عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزوله آخر الزمان))
الأحاديث الواردة في دفن عيسى ابن مريم عليه السلام في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم، بعد نزوله آخر الزمان وموته كلها ضعيفة، وهكذا ما روى الترمذي عن عبد الله بن سلام أنه مكتوب في التوراة أن عيسى عليه الصلاة والسلام يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم ضعيف. انظر ص 81 من المجلد العاشر من تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، الطبعة المصرية.
10- حديث: ((عقوبة تارك الصلاة بخمس عشر عقوبة... الخ))
حديث: ((عقوبة تارك الصلاة بخمس عشرة عقوبة)) الخ، من الأحاديث الباطلة المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، كما بين الحفاظ من العلماء رحمهم الله كالحافظ الذهبي في الميزان، والحافظ ابن حجر وغيرهما.
قال ابن حجر في كتابه لسان الميزان في ترجمة محمد بن علي بن العباس البغدادي العطّار، إنه ركَّب على أبي بكر بن زياد النيسابوري حديثاً باطلاً في تارك الصلاة.
وروى عنه محمد بن علي الموازيني شيخ لأبي النرسي زعم المذكور أن ابن زياد أخذه عن الربيع عن الشافعي عن مالك عن سُميْ عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه: ((من تهاون بصلاته عاقبه الله بخمس عشرة خصلة..)) الحديث، وهو ظاهر البطلان من أحاديث الطرقية. أ هـ.
فكيف يرضى مؤمن لنفسه بترويج حديث موضوع، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من روى عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين))[12] خرجه مسلم في صحيحه.
وفيما جاء عن الله وعن رسوله في شأن الصلاة عقوبة تاركها ما يكفي ويشفي، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}[13]، وقال تعالى عن أهل النار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}[14] الآيات.
فذكر سبحانه من صفاتهم التي دخلوا بسببها النار ترك الصلاة، قال سبحانه: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}[15].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت))[16].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر))[17]، والآيات والأحاديث الصحيحة في هذا كثيرة معلومة..