رحلتي الى غرداية قصة مكملة لقصة ليلة رعب قصة حقيقية ليست من نسج الخيال لنانونا7

السلام عليكم حبيباتي العدولات اينما كنتن. اليكن بالجزء الثاني من القصة متمنية لكن متابعة شيقة

زياراتي المتكررة لصديقاتي في الحي الجامعي كانت بمثابة سد للفراغ القاتل الذي كنت اعيشه و انا عاطلة عن العمل. في ايام عملي معهن اريتهن مجموعة من الاشغال اليدوية التي قمت بانجازها و خاصة تلك المعمولة بالخيط و الصنارة - الكروشي- و قد لاقت اعجابهن كثيرا و شجعتني صديقتي في المكتبة على اقامة عروض لبنات الحي الى جانب الكتب الجديدة. تهاطلت علي الطلبات من صديقاتي لاني كنت اطلب مبلغا زهيدا مقابل كل قطعة اعملها. فهذه تريد مفرشا و الاخرى سترة و تلك لباسا بمناسبة العيد لابنتها و هلم جرا...
لم اكن لأمتهن هاته الحرفة بل كنت هاوية لها. كانت تشغلني و تسليني.
ألمت صديقتي الطبيبة بالموضوع و لم يعجبها الامر، رات فيما يحدث هظما لتعبي و شقائي مقابل بعض مئات الدنانير، فاقترحت علي العمل مع امها التي تملك محلا لبيع الاشغال التقليدية للعروسات في ولاية - محافظة- اخرى.
رحبت بالامر كثيرا لاثبت وجودي من خلال اتقاني للصنعة. و اصبحت اتقاضى ازاء ذلك مبالغا مالية معقولة كانت كافية لسد مصاريفي الشخصية.
فجأة حدث لي شيء لم يكن في الحسبان غير مجرى حياتي كلها....
اتصل اخي الاكبر ،مدير مصلحة البريد المركزي في ولاية اخرى، باخي الاصغر منه و الذي يعمل مدرسا في الابتدائية ليخبره عن فرصة عمل لي كمدرسة في ولاية صحراوية تقع في جنوب الجزائر تدعى غرداية - غار الداية- نسبة الى امراة كانت تعمل داية في تلك المنطقة.
كان اخواي سعيدين جدا لتوفر مثل هكذا فرصة لي في تلك الفترة الا انه لم تكن لاخي الاكبر الشجاعة ليكلمني انا شخصيا بالموضوع، فلقد كان يعلم جيدا باني لم اكن من هواة السفر و لا التجوال. ثم الى من سأذهب هناك؟ لم يكن لدينا اقارب في تلك الولاية و لا حتى التي تجاورها. ثم انها منطقة بعيدة جدا عن وهران. عندما كلمني اخي المعلم بالامر شعرت بان اخوتي يريدون التخلص مني فحزّت علي نفسي و آلمني ذلك الى حد البكاء....

السلام عليكم حبيباتي العدولات. لا ادري لماذا بخلتن علي بردودكن على احداث الجزء الثاني؟ لربما لاني لم ابعث الرابط الا لعضوتين . بصراحة فقدت الحماسة في اتمام القصة فمعيار نجاحها يتوقف على ردودكن ذات النقد البناء. عموما اليكن باحداث الجزء الثالث و سنرى..

* * *

مرت فترة على اقتراح اخواي علي بالسفر لانتهاز فرصة العمل بغرداية فحاولت تجاهل الامر و كذلك بقية افراد اسرتي و خصوصا الاناث منهم لرؤيتهن بأنها قد تكون شبه مستحيلة كونهن كن يعلمن بمعرفتي المحدودة عن العالم الخارجي و هذا بسبب حبي الشديد للمكوث في البيت و ايضا - و لربما كان السبب غير المباشر و الحقيقي - عدم رغبتهن في ان اسافر و اتركهن...
لكن رؤيتي للرؤى بدأت تتزايد. رأيت في احداها باني انسج ثوبا او ثوبين و قد انهيت النسج . و قد كان تفسيرها السفر. اخبرت امي عن ذلك فضحكت على كلامي و كأنها لم تصدقه. و في رؤيا اخرى و قد كانت في شهر الصيام رايت كما يرى الرائي باني مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد كنا نرتدي لباسا متطابقا . فكلينا كان يلبس عباءة مخططة طوليا الا ان راسي كان مغطى بخمار ابيض. كان المصطفى عليه السلام واقفا في حين انا انحنيت للجلوس و قد امدني بأكل في وعاء طعام ابيض اللون على شكل زبدية.
لم تكن رؤياي تدل على السفر بالدرجة الاولى، انما امرا بتقليد النبي -صلوات الله عليه و افضل تسليم- فيما كان يفعله .
كانت امي، اطال الله لي في عمرها، تشتري لي انا و اختي الاكبر مني قليلا لباسا جديدا مع اقتراب كل يوم عيد؛ و يكون اللباس عادة متشابها . إلا ليوم العيد ذاك. كان لباسي مختلفا تماما عن لباس اختي و الغريب في الامر انه كان الذي رأيته في الرؤيا...
توالت الايام و فكرة السفر تزداد طغيانا على بنات أفكاري ؛ كيف لا و انا كلما فتحت مصحفي لقراءة ايات من ذكر الله الحكيم وجدتها تحث على الانتشار في ارض الله الواسعة.
الى ان جاء اليوم الموعود الذي صممت فيه اخيرا على الاقدام على اول خطوة .
قلت لوالدتي:
- ما دام اخي احمد يريدني ان اسافر، فالى اين اذهب؟ و من ذا الذي اقصد؟
رد اخي على تساؤلاتي في اتصال تلفوني بأنه يتوجب علي البحث عن رقم هاتف مديرية التربية لولاية غرداية و ذلك بالاتصال بخدمة ما بين المدن. لقد سبق لأخ زوجته لقاء احد موظفي مديرية التربية تلك و اخبره بان هنالك وظائف كثيرة شاغرة و تأسف له لعدم قبوله لانه لم يكن حاصلا على بطاقة الاعفاء من الخدمة الوطنية اي الجيش.
عملت بنصيحة اخي احمد و اتصلت بالخدمة فاقترحت علي العاملة رقمين اثنين. اتصلت بالأول فوجدته مشغولا اما الثاني فلا احد رد علي. اعدت الاتصال على الرقم المشغول و اذا بالمجيب يرد علي برد انشرح له صدري
- صباح الخير ، كيف حالك هل انت بخير؟
استجمعت كل قواي لأبعد الخجل و التردد عني و كلمته بطلاقة :
- الحمد لله، اخي انا من وهران و قد سمعت عن حاجتكم لأساتذة مدرسين للغة الاجنبية.
- نعم لدينا نقص حاد في اساتذة اللغة الفرنسية.
- لكني حاملة لشهادة ليسانس تعليم في الادب الانجليزي.
- لا يهم فكلها لغات اجنبية. المهم ان تأتي سريعا فنحن في امس الحاجة الى تنصيبك.
- و الأوراق؟ ألا يتوجب علي ان احضر ملفا يضم اوراقي الشخصية؟
- فلتودعيه فورا !
- لكن أخي، لقد سبق لي و ان اخبرتك باني من وهران و هي مدينة بعيدة، فكيف أودعه شخصيا؟
- قومي اذن بإرساله عبر البريد. ثم لا نحتاج منك سوى نسخة عن بطاقة الهوية و اخرى عن شهادة الليسانس، احضري بقية اوراق الملف عند مجيئك. المهم هو ان تاتي في اقرب فرصة ممكنة.
شكرت مسؤول مصلحة الموظفين و اقفلت الخط عائدة مسرورة الى البيت...

اول من وجدته ينتظرني في البيت كان امي. كانت جالسة و ما ان دخلت حتى بادرت بطرح سؤالها علي :
-ترى ماذا فعلت؟
اخبرتها بما جرى، فسُرت كثيرا لسماع الخبر و كانت الوحيدة التي شجعتني كثيرا، في حين ان اخواتي البنات عارضن ذهابي و خصوصا ام عبد الحق. فلما عَلمتُ بذلك شعرت بقنوط لانهن يقفن حجر عثرة امام مستقبلي المهني. لكني لم اعر رفضهن هذا اهمية كبيرة، فما كان يهمني فعلا هو موافقة والدتي.
لا زلت اتذكر جيدا ما قالته لي في ذلك الوقت:
-انت كبيرة و متعلمة و ادرى بما هو اصلح لك.
حتى انها هي من قامت بارسال ملفي عبر البريد المضمون السريع.
و ما هي الا ايام- قرابة الاسبوعين- حتى سمعت جرس هاتفي الخلوي يرن. كان الوقت زوالا -بعد غسلي لمواعين الغداء- و المكان غرفتي.
حدقت في الرقم الظاهر على الشاشة فوجدته غريبا. لم يكن اوله يشير الى رمز مدينتي و ما كان علي سوى الرد لمعرفة هوية المتصل...
- الو من معي؟
- هل انت فلانة؟
-نعم اختي. و انت؟
-انا عاملة في مصلحة الموظفين، لقد وصلني ملفك المصحوب بطلب التوظيف و نريدك ان تاتي على جناح السرعة.
-كيف اختاه؟ الا يجب علي ان اتم جمع بقية اوراقي؟
- كلا غير مهم. يمكنك ايداع بقية الملف في الوقت الذي تشائين عندما تاتين الى هنا.
حسنا دعوني على الاقل اتجهز للسفر، فلا بد من شراء كل ما يلزمني لذلك. و لكن اخبريني اين سأسكن؟ لقد اشترطت عليكم في طلبي الخطي توفير المأوى لي كوني من منطقة بعيدة.
- لا تقلقي لقد اتصلت بمدير المتوسطة - الاعدادية- التي ستعملين بها و قد وعدني بتوفير سكن لك.
سعدت كثيرا للمكالمة و لكنها اقلقتني في الوقت ذاته. فسفري الى مكان مجهول لا اعلم عنه شيئا لا بد له من التحضير النفسي و المادي الجيد؛ لا سيما انها اول مرة افارق فيها عائلتي للتوجه نحو مكان بعيد دون معيل و لا انيس.
بدات اتهرب و بدأ الخوف يتسلل الى قلبي، فعوضت ذلك بالفرار لملاقاة صديقاتي في الحي الجامعي لاتناسى الامر.
بعدها بايام قلائل و انا مستانسة بجلسة مع صديقاتي في عيادة الطبيبة، تلقيت مجددا اتصالا من العاملة بمديرية التربية لولاية غرداية تستعجلني فيه بالحضور و لما اكثرت عليها الاسئلة، اعطتني رقم هاتف مدير المتوسطة و طلبت مني توجيه استفساراتي له هو شخصيا لانه المعني بالامر.
عدت الى المنزل و اخبرت عائلتي بما جرى فاشار علي اخي المدرس باعطاء رقم هاتف المدير لاخي مفتش مصلحة البريد انذاك. نصحني بذلك لكي يعلم المدير باني من عائلة محترمة و باني ذاهبة اليه بموافقتهم و لكي يحفظ لي ايضا كل حقوقي المهنية.
و بالفعل كلم اخي الاكبر المدير و اوصاه علي جيدا و اول ما طلبه منه هو ان يضمن لي وسيلة نقل مريحة تقلني من وسط مدينته الى المنطقة النائية التي تتواجد بها المتوسطة.
شعرت بارتياح كبير بعد هذا الاتصال و بدات بتجهيز مستلزمات السفر. فكرت في كل ما قد يلزمني و اشتريته حتى اللحاف و البطانية و قد دعمني والدي و اخي المدرس ماديا بشكل كبير. اقتنيت حقيبة سفر كبيرة و ملأتها حتى كادت تنفجر: ملابسي مرآة و ساعة حائط، صحن، مقلاة، ملاعق، شوكة، سكين، فنجان كبير ، مذياع، غلاف مخدة، لحاف، بطانية، ملاءة، خيط و ابر خياطة، مقص، مشط، لوازم الاستحمام ، ... ، طست للوضوء بالاضافة الى ما جلبه لي ابي من صابون و عطور. اما امي فقد اشترت لي ابريقا صغيرا و طنجرة متوسطة الحجم لاطهو فيها اكلي.
لم يتبق اي مكان بالحقيبة و تضايقت عندما اكملت تجهيز حقيبتي ليلة سفري و أتاني ابي بكمية كبيرة من الفاكهة.
- لكن اين ساضعها؟
ارغمتني والدتي على فتح الحقيبة مجددا و وضعت حبات البرتقال في الابريق و الطنجرة. في حين اكتفيت باخذ بعض الموزات في حقيبة صغيرة وضعت فيها ما حضرته من مؤونة اكل من معلبات تونة و جبن و حلوى و كذلك ما اتغذى عليه اثناء ركوبي الحافلة...

حبيباتي السلام عليكم و رحمة الله و بركاته اليكن بالجزء الخامس من القصة

***-

كنت قد حجزت امسية ذلك اليوم مكانا لي بحافلة الركاب و كان علي ان اركب على متنها في بكرة من صباح الغد. و بما ان محطة نقل المسافرين كانت بعيدة عن منزلنا توجب علي ايجاد وسيلة نقل توصلني اليها.
و بسبب انعدام توفر وسائل نقل في وقت مبكر من الصباح ، كان علي لزاما اللجوء الى جارنا ليقلني بسيارته.
في حدود الرابعة او الخامسة صباحا ركبت معه و انطلقنا صوب المحطة. لم اشأ ايقاظ امي و انا اغادر. خفت ان تحبط رؤية لدموع فراقها لي من عزيمتي و تجعلني اتراجع عن قراري.
وصلنا المحطة و انتظر معي هواري الى ان ركبت الحافلة بعد ان قام العاملون بها على وضع حقيبتي في المكان المخصص بالامتعة.
كنت سعيدة و انا اركبها فلقد كانت جديدة و من طراز فاخر يضم كل وسائل الراحة بالاضافة الى وجود ركاب كثيرين على متنها و من بينهم نساء و هذا جعلني اطمئن و لا أشعر بالوحدة.
لا اذكر من قاسمني مقعد الجلوس ذلك اليوم - لان المقاعد مزدوجة- و لكن ما اذكره هو انه لم يغمض لي جفن طيلة ساعات الرحلة الاثنتي عشر!
ما رايته من زجاج النافذة من مناظر طبيعية خلابة و متنوعة جعلني اتذكر حلم يحي.
ثم ما لبث عدد المسافرين يتناقص مع كل موقف بمنطقة معينة. و مرت اواخر الساعات ثقالا مصحوبة بالملل و السآمة، اذ اختفت الارض الخضراء تاركة مكانها لمنظر متواصل لكثبان الرمال و نبات الحلفاء الذي كان يطل علينا بين الفينة و الاخرى.
سئمت من المشهد المتكرر الى ان بدات تتراءى لناظري مظاهر المدينة من طرق معبدة و عمران ثم بدات الحافلة تمشي بشكل حلزوني متجهة نحو الاسفل.
كان شكل الابنية الطوبية البيضاء مميزا عن ما الفت رؤيته في وهران. كان طرازا قديما غريبا و متكررا كلما زدنا توغلا في المدينة، الى درجة تعتقد فيها بانك لم تغادر المكان الاول بل عدت اليه و بانك في متاهة لا تستطيع الخروج منها!
لكن ما لفت انتباهي نظافة طرقها الى حد اللمعان و ابيضاض أبنيتها الذي يسر الخاطر و يريح البال . كانت فعلا مدينة سياحية جميلة جدا كما اخبرني علي عنها ذات يوم.
نزلت من على متن الحافلة عند وصولنا الى المحطة و بعد استلامي لحقيبتي الثقيلة تنحنيت جانبا. اتصلت بعائلتي لاخبرهم باني قد وصلت ثم شرعت بالاتصال بالبنات اللائي اوصاهن المدير باصطحابي في سيارتهن الى المنطقة النائية التي ساعمل فيها. لم يجبن احد، عاودت الاتصال مجددا مرتين لكن لا مجيب. شعرت بالاحباط و الارتباك الشديدين.
- يا الهي ما الذي دفع بي الى المجيء الى مدينة بعيدة جدا لا اعرفها و لا اعرف احدا بها. ليتها كانت قريبة لاعود سريعا ادراجي
جحظت عيناي و انكبست بهما الدموع و تسلل الى فؤادي اليأس و القنوط ...