(أم الدويس) هي أسطورة رعب إماراتية تتحدث عن امرأة جميلة – كالعادة – متطيبة بأفضل الأطايب من العطور الجذابة التي تعجب أي إنسان وتسير بهذه الهيئة في الطرقات في الأوقات والأماكن التي تستطيع فيها الانفراد بضحية أو ضحيتين، وتقوم بإغواء الضحية – التي غالباً ما تكون من الرجال – لتتبعها ثم تقتله.
الأسطورة منتشرة بشدة في مناطق الخليج العربي، ولا سيما الإمارات، و(الدويس) هو تصغير (داس) والداس هو آلة قتل تشبه منجل الحصاد.
وحسب الأسطورة فإن (أم الدويس) امرأة شديدة الجمال، متعطرة بعطورة خلابة آخاذة، وقدميها قدميّ حمار، يديها عبارة عن زوج من الدويس (المناجل)، وعينيها عينيّ قط.
ولا يوجد مكان محدد لظهور (أم الدويس) فهي تظهر في الأماكن المأهولة بالسكان، والأماكن المقفرة، وفي المدن الكبيرة، والقرى الصغيرة، وفي الواحات البعيدة، والمدن المزدحمة .. أي أنه لا يوجد تصنيف معين للأماكن التي تظهر بها. كما أنها تظهر للجميع لتغويهم وتؤثر عليهم، فمن الممكن أن تظهر لشاب أو عجوز أو فتاة أو امرأة أو طفل .. ولكن المشاع في الأمر هو أنها تظهر للشباب تحديداً، بغرض إغوائهم، فتأثيرها بجمالها الآخاذ ورائحتها العطرية سيكون شديد التأثير على الشباب أكثر من غيرهم.
قصص أم الدويس في التراث الشعبي
يذخر التراث الشعبي الإماراتي بالعديد من القصص الرهيبة عن (أم الدويس) بعضها حديث والآخر قديم، ولكن جميع القصص يتشابه في مقدار الرعب والإثارة الذي يحمله.
وعلى الرغم من كون القصص لا تحمل نفس الوصف الذي أوردناه سابقاً لـ (أم الدويس) فإن الناس لم تتنازل عن كون من تظهر لهم في هذه القصص هي هي نفسها (أم الدويس) المعروفة في التراث الشعبي.
فذات مرة كان هناك أحد الأشخاص قادماً من خورفكان إلى كلباء على حمار له وكان يسير في منطقة مقفرة، خالية من السكان، فإذ به يرى فتاة شديدة الجمال والعذوبة يفوح العطر من أردانها، بطلعتها بهاء وفتنة .. وما زادها فتنة في عينيه هو أنها كانت توميء إليه أن يتبعها.
وهم الشاب أن يتبعها ولكن فجأة استيقظ في عقله خاطر ما “ما الذي تفعله فتاة مثلها في مثل هذا الطريق المقفر وحدها في مثل هذا الوقت؟” وحينما تيقن داخله أن هذه ليست بآدمية، وأدرك أنها (أم الدويس) بدأ في التعوذ بالله، وقراءة الأدعية والقرآن الكريم، فلم تمض لحظات حتى اختفت الفتاة.
في قصة أخرى ترويها إحدى الفتيات قائلة:
” كنا في الماضي نذهب إلى أحد الآبار القريبة من منازلنا لجلب الماء في قرب، وكنا عادة نذهب سوياً – نحن الفتيات – في جماعات، وكنا نتفق كل يوم في أن نلتقي عند بيت إحدانا.
وذات يوم بينما أنا في داري استعد للخروج، إذ أسمع طرق على الباب، فذهبت لأفتح ووجدت خلف الباب فتاة صغيرة في السن، لا أعرفها تخبرني أن الفتيات اللاتي يذهبن إلى البئر سوياً ابتعثنها لاستعجالي للذهاب سوياً، فأخبرتها أن تنتظرني حتى أحضر قربتي.
وبينما أنا أحضر قربتي إذ ساورتني بعض الشكوك، فمن هذه الفتاة التي لا أعرفها في المنطقة، وأيضاً كانت رائحتها جذابة شديدة الطيبة، وملابسها أنيقة بشكل غير مألوف لدينا، وكانت عينيها كعيني القطط، ولفتاتها مريبة مخيفة.
فتأكد داخلي أنها (أم الدويس) وانتابني الخوف، ولكني تمالكت نفسي وأتيت بالقربة وأعطيتها إياها وطلبت منها أن تنتظرني ريثما أحضر شيئاً ما من الداخل .. ثم أغلقت الباب في وجهها وأحكمت إغلاقه، وصعدت إلى غرفتي وأحكمت إغلاقها وجلست وحدي وأنا أتمنى من الله أن تذهب.
وأدركت (أم الدويس) أنني كشفت أمرها، فأخذت تصرخ وتناديني لأخرج معها، وأنا ملتزمة الصمت، ثم أخذت تطرق الباب بعنف وقوة، وهددت بتمزيق القرب، ثم لم تلبث أن مزقت القربة وانصرفت .. ولك أن تتخيل .. قربة من الجلد شديدة القوة، قامت بتمزيقها بيديها العاريتين .. ولكن معروف عن (أم الدويس) أنها شديدة القوة .. والحمد لله أنني بخير حال اروي لكم قصتي الآن”
والقصة الأخيرة لدينا لشابين في سبعينات القرن المنصرم كان لهما موقف مع (أم الدويس) في الطريق الموصل بين الشارقة والباطنة في الخليج.
كان الشابين في سيارتهما اللاندروفر وقد ضلا الطريق، فأخذا يتمنيان أن تظهر إحدى السيارات ليقتديا بها، وفجأة ظهرت لهما مصابيح سيارة حمراء في اتجاه ما، فانطلقا خلفه يبغيان الوصول إليه والاستدلال به.
كان الوقت ليلاً والسماء ملبدة بالغيوم والظلمة حالكة، بشكل قطع عليهما أي أمل في الاستدلال بالنجوم، وكانت هذه السيارة التي يسيران خلفها هي الأمل الوحيد في الوصول إلى منطقة مأهولة، وقاما الشابين بتتبع السيارة وهما مبتهجان ولكن لاحظا أن المسافة بين السيارتين لا تنقص.
فمهما زادا من سرعة سيارتهما كانت المسافة تظل ثابتة كما هي، فلم يكترثا في البداية، وظل الأمر كما هو حتى لاحظا فجأة أن السيارة ذات المصابيح الحمراء هدأت من سرعتها، فابتهجا وأسرعا بالاقتراب منها لطلب المساعدة .. ولكن ما إن اقتربا منها حتى هالهما المفاجأة المفزعة.
فلم يكن ما يتبعانه سيارة، وإنما عبارة عن امرأتين يشع ثوبهما من الخلف ضوءاً أحمراً يشبه ضوء السيارة من الخلف.
ولك أن تتخيل حالة الرعب التي أصابت الشابين فانطلقا يسابقان الريح بسيارتهما متجاوزين الفتاتين المرعبتين، وحاول أحدهما أن ينظر إلى وجه إحدى المرأتين، ولكن الآخر نهره قائلاً: “لا تنظر إلى وجهها .. إنها (أم الدويس)”. ووصلا إلى إحدى الاستراحات ليخبرهما الناس أنهما ربما مرا بإحدى القرى المسكونة.
والقصة الأخيرة عجيبة بعض الشيء، فهي لا تحكي عن امرأة واحدة، بل اثنتين، وأيضاً هي لا تحكي عن إغواء أو إضلال، فمن الواضح أن المرأتين ساعدتا الشابين في العثور على الطريق السليم للخروج من متاهتهما. ولم تحاول إحداهما التعرض للشاب بالإغواء، ولم يدع أي من الشباب أن يديها تشبه المناجل أو أن قدميها تشبه أقدام الحمير، ولم ينظر أي منهما في وجهها، والمرأتين اكتفتا بدلهما على الطريق فحسب. فأنا أرى أن الأمر لا علاقة له بـ (أم الدويس) غير ما نطق به أحدهما وزرع في ذهن صاحبه أن هذه المرأة هي (أم الدويس).
المغزى من أم الدويس
كالعادة في القصص الشعبية التراثية، تأتي الأسطورة لتخبرك أن تحافظ على فعل شيء ما أو اجتناب فعل شيء ما لغرض حفظ أخلاقك أو سلامتك.
فأسطورة (أم الدويس) موجهة في الأساس إلى الشباب تحضهم على عدم الانقياد وراء الشهوات باتباع إغواء امرأة غريبة المظهر متطيبة جذابة، تودي بالشاب إلى التهلكة.
نستطيع أن نقول إنها محاولة رمزية من التراث الشعبي لحث الشباب على عدم الانقياد وراء شهواتهم، المتمثلة في الفتيات الجميلات، والجيل الجديد من الحكماء والمتدينون يرفضون تصديق وجود مثل هذه المرأة في الحياة الواقعية ويرون تشبيها رمزياً بأي فتاة أو امرأة تتزين وتتعطر لتنزل إلى الشارع فتغوي الرجال هي (أم دويس) أخرى يجب على المجتمع محاربتها أخلاقياً، وليس (أم دويس) الأسطورة.