كيف حُفظ القرآن
تكفل الله تعالى بحفظ القرآن الكريم وهذا الحفظ كان مخصوص للقرآن دون الكتب السابقة لسبب وجيه هو أن القرآن هو الرسالة الخاتمة للبشرية جمعاء أي أنه لن ينزل كتاب بعد القرآن حتى لا تكون للناس عند الله حجة إلى أن تقوم القيامة .
والمستشرقين ورجال الكنيسة يرون أن طريقة حفظ القرآن كانت طريقة بدائية تحول دون إتمام عملية الحفظ وذلك لأنهم تصوروا أن حفظ القرآن تم عن طريق الكتابة على الأحجار والجريد والرقاع ولم يتعداه إلى وسائل أخرى للحفظ ولكن الله تعالى وفر للقرآن ظروفا و وسائل كثيرة ساعدت على حفظ القرآن بل على استحالة تحريفه أو تزويره ومنها الآتي :
ـ أن الله يسر القرآن للذكر والحفظ في الصدور والذاكرة حتى أن طفل صغير ذو سبع سنوات أو أكثر ومن بلد لا تعرف العربية في أندونيسا أو ألمانيا يستطيع أن يحفظ القرآن كاملا بدون حتى أن يفهم معنى ما يحفظ وهي خاصية تتوافر في القرآن فقط ولا تتوافر في الكتاب المقدس حتى أن البابا شنودة أو بابا الفاتيكان لا يستطيع أن يحفظ الكتاب المقدس ولا أعظم كاردينال مسيحي أو حتى صفحة كاملة منه بل أن البابا شنودة استطاع أن يستشهد في بعض خطبه بعدة آيات من القرآن حفظا بدون قراءة من المصحف . و كذلك الأمي الذي لا يقرأ يستطيع حفظه بسهولة ويسر وبدون تعلم القراءة والكتابة .
ـ أن الإسلام حس المؤمنين على التلاوة والحفظ في الذاكرة وجعل لمن يحفظ ويتلوا القرآن الجزاء العظيم في الدنيا والآخرة فتسابق الناس في الحفظ والتلاوة حديثا وقديما وهذا جعل كثير من الصحابة بالآلاف يحفظون القرآن وذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن فمه الشريف ويكفي أن أقول أن الإحصاءات تقول أن من حضر مع النبي حجة الوداع يصل إلى مائة ألف من المسلمين . وما زال الناس تتسابق على الحفظ بحيث لا يعدوا ولا يحصوا . بينما المسيحية لا تطلب من معتنقيها حفظ أو تلاوة الكتاب المقدس . فكان هذا مدعاة للنسيان والخطأ واستحالة التصحيح للمغير أو المبدل .
ـ يُقرأ القرآن خمس مرات يوميا خلال إقامة الصلاة حيث يقرأ جهرا ثلاث مرات وسرا مرتين غير الصلوات الأخرى المستحبة جعلت المسلمين الأوائل معتادين على سماعه وحفظه وهم يصلون خلف الأئمة بحيث إذا أخطأ الإمام في القراءة صحح المصلين له في الحال أي أن جمهور المسلمين مراجعين ومصححين لأخطاء القراء وهذه عملية مستمرة قبل جمع القرآن في كتاب واحد وبعد ذلك و حتى الآن ولو كان حدث تغيير بعد الجمع لصححوه أو لهاجت نفوسهم على من غير أو بدل في القرآن ولكن هذا لم يحصل بل كانوا واثقين ومطمئنين لصحة القرآن . وهذا أيضا غير متوافر في المسيحية فلا قراءة الإنجيل ولا دخول الكنيسة متكرر لهذا الحد فينطبع الإنجيل في نفوسهم كما أنطبع القرآن في نفوس المسلمين الأوائل والمعاصرين .
ـ أن البيئة العربية التي نزل فيها القرآن كانت معتادة على حفظ الشعر والنثر في الذاكرة بسهولة . وبالرغم أنهم كانوا يدونون ما يكتبون من مواثيق ورسائل إلا أن الحفظ في الذاكرة كان هو الأكثر اعتمادا و انتشارا بين العرب . وظلت دواوين الشعر الجاهلي محفوظة حتى بعد ظهور الإسلام .
ـ أن عملية جمع القرآن في كتاب واحد تمت على أيد الصحابة المقربين والمشهود لهم بالحفظ والأمانة وفي حضرة جميع من أمنوا بالإسلام من المهاجرين والأنصار ولم ينقل عنهم أنهم اعترضوا على كتابة أية واحدة أو أنهم وجدوا أخطاء فصححوها أو أن أحد قال نقصت أو زادت آية واحدة . لقد تم هذا في حضور عدد يعد بالآلاف من الصحابة المقربين الثقات الذين إن وجدوا الحاكم معوج قالوا له لنقومنك بسيوفنا وهذا ما حدث مع الخليفة الثاني عمر بن الخطاب لما طلب منهم تقويمه إذا اعوج. فلم يكن لأحد أن يمنعهم من قول الحق في كتاب الله وقد أمروا مراراً بالنصح و الأمر بالمعروف وقول الحق . بينما تمت كتابة الإنجيل حتى بدون حضور التلاميذ الاثنى عشر حتى يكونوا شهداء على صحته فهم كانوا حاضرين مع المسيح وشهدوا تنزيل الإنجيل والأحداث وقد أخذوه من فم المسيح عليه الصلاة والسلام ولكنهم لم يكونوا موجودين حين كتب الإنجيل فأين الشهود الذين شاهدوا الأحداث ليشهدوا على صحة النقل والكتابة .
ـ إن عملية جمع القرآن تمت في تجمع آمن وأخوي للمسلمين حيث كانت القوة والسلطة والغلبة للمسلمين الصحابة فلم يكونوا مضطهدين أو مطاردين تحت احتلال روماني أو فارسي أو أي عدو على غير دينهم أي أنهم كانوا مسيطرين على دولتهم وشئونهم الدينية تماما قادرين على حفظه وتطبيق وممارسة شعائرهم وشريعتهم في دولتهم متمكنين من نشر دينهم بحرية . فاجتماعهم في المدينة المنورة جعلهم شهداء متضامنون على عدم حدوث أي تغيير في القرآن . لم يتحكم فيهم سلطان وثني كما تحكم قسطنطين الوثني الذي لم يتعمد إلا على فراش الموت كما يقول تاريخ النصارى فجمع القساوسة فقرب من كانت عقيدته تقترب من عقيدته الوثنية واستبعد من صحت عقيدته وخالفت وثنيته . وهذا الذي توفر للمسلمين الأوائل لم يتوافر للمسيحية حيث رفع المسيح بسبب مطاردة الرومان واليهود وتفرق تلاميذ المسيح الأثنى عشر في الأقاليم مطاردين ومضطهدين في ظل سيطرة واضطهاد روماني وثني جعلهم مضطرين لإخفاء دينهم أحيانا أو مختفين عن الناس لم يستطيعوا إظهار شعائرهم ولم يستطيعوا أن يسيطروا على أو يصححوا الانحراف الذي حصل في العقيدة أو تفسيرات المبشرين ولم يراجعوا الذين كتبوا الأناجيل المختلفة وسقطاتهم وهم كثير وأنى لهم هذا وهم مطاردين في البلاد مختفين من أعدائهم . لم يجمعهم مكان واحد فيكونوا شهداء على بعضهم أو مصححون لمن أخطأ أو نسى منهم .
ـ كان الصحابة خير الناس حفظا وحبا وإخلاصا لدين الله وهم الذين تم على أيديهم جمع القرآن في كتاب واحد وكلهم معروف بحسن خلقه وحقيقة دينه ونسبه وقصة حياته تفصيلا ,منهم من ظل ملازما للرسول لمدة ثلاث وعشرين عاما, يتلقى منه ويتعلم منه ويمارس كافة تعاليم دينه, كانوا متحابين متعاونين وقد نقلت لنا كتب السير كل ما يثبت ذلك وعلى سبيل المثال الخليفة الأول أبو بكر الذي حارب مانعي الزكاة قائلا " أينقص الدين وأنا حي والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه " فهو لم يرض من الناس عدم تطبيق فريضة واحدة من شرائع الإسلام . وعند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أخرج جيش أسامة الذي قد جهزه الرسول للجهاد فنصحه بعض الناس بألا يخرج الجيش في مثل هذه الظروف فقال " أنفذوا بعث رسول الله " فهذا من حرصه تنفيذ ما أراده النبي حتى بعد مماته فلم يبدل ولم يغير . وهذا الخليفة الثاني عمر بن الخطاب يقول" قوموني إن رأيتم في اعوجاجا فيرد عليه أحد المسلمين والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك بالسيف " وهذا يدل على شجاعة الصحابة في قول الحق وحقهم في تقويم المعوج فمثل هؤلاء لو رأوا في كتاب الله تغيير أو تبديل لصححوه وقوموه وما منعتهم هيبة الخليفة . وحدث أن عمر قد رأى ارتفاع قيمة المهور فأراد أن يحددها .فوقفت له امرأة من المسلمين فقالت له " تريد أن تحرمنا ما رزقنا الله" فقال قولته التي تدل على أنه ليس مستبدا كملوك الرومان " أصابت امرأة وأخطأ عمر ".وفي مرة رأى أن المسلمين يحبون زيارة الشجرة التي ذكرت في القرآن فقطعها خوفا من أن يتبرك الناس بها على عادة الوثنية وحرصا على نقاء وصفاء دين الإسلام . هل توافر مثل هذا للمسيحية . انظر عن من أخذت النصرانية . بطرس الرسول كما يقولون أخبر عنه المسيح أنه سيتنكر للمسيح ثلاث مرات حين يصيح الديك وبالفعل بعد رفع المسيح وزوال الخطر عنه . سئل بطرس ثلاث مرات فينكر معرفته بالمسيح وتذكر مصادر المسيحية أن بطرس كان قد ضل وظن أن المسيح بشر فحسب تعبيرهم أن بطرس لم يكن يفهم عقيدة المسيح وقد كان من تلاميذه . فكيف يثقون فيمن لم يفهم عقيدة المسيح خلال سنوات صحبته ثم تنكر له.
وبولس الرسول كما يقولون قبض عليه الرومان فادعى أنه روماني الجنسية وقبض عليه اليهود فادعى أنه من الفريسيين يعني أسلوب مراوغة ومن يأمن للمراوغ . ونصح المبشرين أتباعه أن يتعلموا اللغات والسحر أو الحيل حسب تعبير الكتاب المقدس ما حاجة المبشرين لتعلم الحيل إلا لخداع الناس وإثبات أنهم يعملون المعجزات . ثم مِن مَن تلقى الدين المسيحي ؟ من بطرس الذي لم يستوعب عقيدة المسيح طوال سنوات صحبته وما المدة التي تعلم فيها الدين المسيحي ؟ خمسة عشر يوما في صحبة بطرس ثم تصاحب مع برنابه ثم تخاصم معه وطرده برنابه لماذا ؟ لفساد عقيدته وقد كان برنابه أسبق منه في المسيحية . من هم كتاب الإنجيل هل يعرف نسبهم أو سيرتهم أو حقيقة أيمانهم ؟ وعلى يد من أمنوا وتعلموا الدين ؟ لا تعرفون حقيقة كُتاب الإنجيل ومع ذلك سلمتم بصحة ما يقولون ولم تعرفوا حقيقتهم .
ـ المؤمنين من الصحابة يعدوا بالآلاف الذين عايشوا نزول الوحي وتلقوه من فم رسول صلى الله عليه وسلم ( فتح مكة تم بعشرة ألاف صحابي) فإن أخطأ منهم واحد أو عشرة أو اثني عشرة في القرآن صحح له بقية الآلاف وإن غير أو بدل واحد أو أثني عشر اجتمع عليه الآلاف يقوموه بالسيف . وهذا جعل عملية الثقة في عملية التواتر( نقل القرآن من جيل إلى جيل)أعلى وأكبر من أن يُشك في صحة النقل والتواتر . أي أن ألاف حفظوا القرآن من فم الرسول ثم لقنوه إلى عشرات الآلاف من الذين جاءوا بعدهم ثم لُقن وحُفظ بعد ذلك إلى مئات الآلاف من الذين جاءوا بعدهم وهكذا استمرت عملية التواتر وحفظت من الانقطاع , ومن المستحيل أن يجتمع الآلاف على كذب أو نسيان .
فكم عدد التلاميذ الذين عاصروا المسيح وأخذوا منه الإنجيل وتلقيتم أنتم منه الإنجيل ؟ واحد فقط هو بطرس الذي تنكر للمسيح ولم يفهم الرسالة حيث كان يظن المسيح بشر كما قال مؤرخي المسيحية . ثم من كان سيصحح لبطرس إن أخطأ وقد أفترق عن بقية التلاميذ . لقد أغفل كُتاب الإنجيل ذكر ماذا حدث لبقية التلاميذ الأثني عشر ومن علموه ولمن سلموا الرسالة أما بولس فلم ير المسيح ولم يتلقى عن التلاميذ إلا من بطرس . وكُتاب الإنجيل ممن نقلوه وكتبوه ومن هم الذين نقلوا منهم وكم عددهم وما حقيقة تدينهم ؟ لا يعرفون!!!
ـ لم يعرف الإسلام الكهانة ولا النظام الكنسي والذي كان يحتكر تفسيرات الدين ويفرضها على أتباعه ويمنح صكوك غفران للخاضعين لسلطانه والطرد لمن اعترض على شيء من معتقداته والذي كان يسوق الناس كالعميان ويحتكر فهم العقيدة .
ـ إن عدم ظهور نسخ أخرى للقرآن واحتجاج الناس بها لدليل على عدم التبديل أو التغيير في كتاب الله وما حدث أيام عثمان دليل على انتباه ووعي الصحابة وحرصهم على كتاب الله من التحريف , حيث ظهرت نسخ كتبت بلهجات محلية وبعد أن دخل كثير من الأعاجم في الإسلام وكانوا حديثي عهد بالإسلام والعربية فلم يحسنوا كتابة أو حفظ القرآن لعجمتهم فكان لابد من التصحيح حيث عين ألاف المسلمين متيقظة ومتحفزة لمن غير أو بدل وتم إخبار خليفة المسلمين الثالث ولم يكن يقل عن من سبقوه حفظا وأمانة لدين الله وكتابه فأمر بنسخ عدة نسخ من القرآن المحفوظ في المدينة المنورة وتحت عين المسلمين من الصحابة وكان يرسل النسخ المكتوبة ومعها قارئ حافظ ممن تربوا في مدينة القرآن يعني صوت وصورة لكل مصر من الأمصار ثم أمر بحرق النسخ التي كتبت ولم تكن موافقة للنسخة المحفوظة بالمدينة المنورة ,بموافقة الصحابة وبشهودهم ذلك, ولو لم يفعل ذلك لكانت فتنة وضلال كبير . ولنعم ما فعل ولولاه لظهر المؤلفون كما ظهروا في المسيحية , ولظهرت النسخ المتناقضة كما ظهرت في المسيحية ولكن هذا لم يحدث والحمد لله .
كل هذه العوامل حالت دون إضافة أي شيء للقرآن فاستحال تزويره أو الحذف منه أو تغييره , و إلى الآن لم يعترف المسلمون إلا بقرآن واحد وإله واحد ورسول واحد وقبلة واحدة وصلاة واحدة ."يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)"