رد: مكانة المرأة بين اليهودية والمسيحية والإسلام
- الميراث:
أولًا: الميراث لغةً: مصدر لفعل واحد هو: وَرِثَ، يَرِثُ، إِرْثًا، ومِيراثا. قال تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل: من الآية 16]. و”الوارث” اسم من أسماء الله الحسنى الذى يعنى الباقي بعد فناء خلقه.
ويأتي الميراث بمعاني أخرى هي
الإرث الفطري: وهو انتقال الخصائص والصفات البدنية والطابع النفسي والأحوال الصحيّة من الآباء إلى الأبناء، فهذا يرث من والديه تقاسيم الوجه أو القامة أو لون البشرة وغيرها، وهذا يرث الذكاء أو البلادة أو اللين أو الشدة… إلخ.
الإرث المعنوي: ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إنّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، إن الأنبياء لم يُوَرِّثوا دِينارًا ولا دِرْهمًا إنّما وَرَّثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظٍّ وافرٍ» (الترمذي: سننه. كتاب العلم. باب “ما جاء في فضل الفقه على العبادة”. رقم 2682. ص 604). أي يرثون عنهم العلم، يتعلمون شرائعهم ويقومون بالدعوة إلى الله نيابة عنهم.
الإرث المادي: وهو انتقال المال ويُسمّى المال المنتقل مِيراثًا، أي انتقال تركة الميت بوفاته إلى ورثته (ابن منظور -جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم ت 711هـ-: لسان العرب. المجلد الأول. جـ1. ص 57. مادة “أرث”. تحقيق عبد الله الكبير وآخرين. د. ت. دار المعارف – القاهرة).
ثانيًا: الميراث اصطلاحًا: الميراث عند الفقهاء اسم لما يستحقه الوارث من مُوَرِّثه بسبب من أسباب الإرث سواءً كان المتروك مَالًا أو عَقَارًا أو حقًّا من الحقوق الشرعية. أما علم المِيرَاث أو علم الفرائض فهو علم من العلوم الشرعية يَحْوِى مجموعة من القواعد الفقهية والحسابية التي يُعْرف بها حق أو نصيب كل وارث شرعي من التركة، ويُسمّى علم الفرائض، وذلك أن الفريضة مأخوذة من الفرض، أي التقدير وهو النصيب المقدر للوارث قال تعالى: {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: من الآية 237]. أي: ما قدرتم. ولذلك يُسمّى هذا العلم بعلم الفرائض أو علم الميراث (الراغب الأصفهاني: المفردات في غريب القرآن. تحقيق محمد سيد كيلاني. كتاب الواو. ص 518، 519. د. ت. دار المعرفة – بيروت).
وبعد أن تعرضنا للدلالة اللغوية والاصطلاحية للميراث، نتناوله بين اليهودية والمسيحية والإسلام.
1- في اليهودية:
إنّ اليهود يُقدّسون المال ويتمسّكُون به، ويمنعون تسربه إلى غير أسرته (الأصول، والفروع)؛ لذلك كانوا يَحْرِمُون البنت من الميراث إذا كان للميت ولد ذكر، كما يمنعون الأم والزوجة والأخت من الميراث. فإذا مات الأب وترك ذكورًا وإناثًا كانت التركة من حقّ الذكور، فإن لم يُوجد يجعلون للبنت حظًّا، على أن تتزوج من رجل من بين أفراد الأسرة؛ حتى لا يؤول الميراث إلى أجنبي. وللبنات حقّ النفقة حتى الزواج أو سنّ البلوغ (أ. نادي فرج درويش: الأحكام الشرعية في التوراة. ص 449. ط1. 2004م. مركز ابن العطار للتراث – القاهرة).
أما الزوجة فلا ترث زوجها، لكن لها الحقّ في أن تعيش من تركة زوجها. والمرأة التي يموت زوجها تُعتبر جزءًا من ميراث أخى الزوج يتزوجها وإن كانت كارهة. وبمعنى أدقّ لا يعتبر هذا الزواج زواجًا، بل هو ميراث، أو بالأحرى اغتصاب، فهؤلاء اليهود جعلوها مجرّد حيوان يرثه أهل المتوفى، ولهم مُطلق الحرية في التصرّف فيه. وقد وَرَدَ مثل هذا الكلام في سفر العدد: “أيّما رجل مات وليس له ابن تنقلون ملكه إلى ابنته” (27: 8).
2- في المسيحيّة:
لم يتعرض الإنجيل للميراث؛ لذلك اتبع النّصَارى النظام المعمول به في شريعة اليهود، وما ورد في الشرائع القديمة (Sarah Sheriff: Women’s Rights in Islam. P. 17. 1989. London)
3- في الإسلام:
وقد مَرّ تشريع الميراث بمراحل عديدة؛ مراعاة لسنة التدرج المألوفة في الإسلام، وكانت مراحل تشريعه كالآتي:
المرحلة الأولى: لَمَّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكّة إلى المدينة هو وصَحْبُهُ الكِرام تركوا أموالهم وأملاكهم في مكة فتلقاهم إخوانهم الأنصار من أهل المدينة فآووهم ونصروهم وقاسموهم أموالهم، فصار التوريث بالهجرة والتحالف والأخوة التي آخاها النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، قال الله تعـالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ في سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَىءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ في الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال:72].
المرحلة الثانية: شُرِعَ فيها الميراث بالوصية الواجبة للوالدين والباقي للأقربين من الولد وغيره، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة:180].
المرحلة الثالثة: وفيها تمّ نَسْخُ التوارث بالمؤاخاة والتحالف، بالقرابة والرحم، قال تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال: 75].
المرحلة الرابعة: وفيها شُرِع الميراث بالقرابة دون تفصيل، وجعل للنساء حُظوظًا في ذلك، قال تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] (أ. محمد أبو زيد: مكانة المرأة في الإسلام. ص 210. ط 1979م. دار النهضة العربية – القاهرة).
وإذا كانت الأشياء تتميز بأضدادها فإن هذه الأطروحة ستكون -إن شاء الله- دراسة تحليلية مقارنة بين المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام حتى ينجلي الغبار، وتستبين السبيل. وانطلاقًا من ذلك رأيت أن أساهم بجهدي المتواضع فأدلى بدلوي في هذا الباب لأُرْوى نفوسًا ظامئة إليه مستعين بالله، ثم بمن سبقني فيه على قدر ما يصل إلى علمي من اطّلاع. وذلك من خلال التعرض لمكانة المرأة والقضايا المتعلقة بها في التشريعات الثلاثة.
ياسر منير (باحث بالدكتوراه، مقارنة أديان – جامعة القاهرة)
منققققول