ربما يلاحظ البعض أن كلمة {قريب} جاءت هنا بصفة المذكر وليس المؤنث،، وذلك تبعاً لكلمة {رحمت} رحمة قريبة..
لماذا جاءت هنا بصفة التذكير وليس التأنيث؟؟
يقول ابن القيم ، رحمه الله
إن الرحمة صفة من صفات الله تبارك وتعالى.. والصفة قائمة بالموصوف لا تفارقه؛
لأن الصفة لا تفارق موصوفها..
فإذا كانت رحمته سبحانه قريبة من المحسنين، فالموصوف تبارك وتعالى أولى بالقرب منها، بل قرب رحمته تعالى تَبَعٌ لقربه هو من المحسنين...
وقد تقدم في أول الآية، إن الله تعالى قريب من أهل الإحسان بإثابته، ومن أهل السؤال بإجابته...
وإن الإحسان يقتضي قرب الرب من عبده، كما أن العبد قريب من ربه بالإحسان، وإن من تقرب منه شبرًا، تقرب الله منه ذراعًا، ومن تقرب منه ذراعًا، تقرب منه باعًا...
فالله تبارك وتعالى قريب من المحسنين، ورحمته قريبة منهم، وقربه يستلزم قرب رحمته...
ففي حذف التاء ههنا تنبيه على هذه الفائدة العظيمة الجليلة، إن الله تعالى قريب من المحسنين..
وذلك يستلزم القربين: قربه و قرب رحمته؛..
ولو قال: إن رحمة الله قريبة من المحسنين، لم يدل على قربه تعالى منهم؛ لأن قربه تعالى أخص من قرب رحمته.. والأعم لا يستلزم الأخص..
بخلاف قربه، فإنه لما كان أخص استلزم الأعم، وهو قرب رحمته ..
ثم قال - رحمه الله - بعد أن ذكر هذا التوجيه للآية:
"...فلا تستهن بهذا المسلك، فإن له شأنًا، وهو متضمن لسر بديع من أسرار الكتاب... وهو من أليق ما قيل فيها. وإن شئت قلت: قربه تبارك وتعالى من المحسنين..
وقرب رحمته منهم متلازمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر، فإذا كانت رحمته قريبة منهم، فهو أيضًا قريب منهم، وإذا كان المعنيان متلازمين، صح إرادة كل واحد منهما،
فكان في بيان قربه سبحانه من المحسنين، من التحريض على الإحسان، واستدعائه من النفوس، وترغيبها فيه غاية حظ لها، وأشرفه وأجلُّه على الإطلاق، وهو أفضل إعطاء أُعطيه العبد، وهو قربه تبارك وتعالى من عبده، الذي هو غاية الأماني، ونهاية الآمال، وقرة العيون، وحياة القلوب، وسعادة العبد كلها...
فكان في العدول عن ( قريبة ) إلى ( قريب ) من استدعاء الإحسان، وترغيب النفوس فيه، ما لا يختلف بعده إلا من غلبت عليه شقاوته، ولا قوة إلا بالله "