ابى لبابه توبه ابى لبابه معلومات عن توبه ابى لبابه
وبرغم ما أشار إليه أبو لبابة لبني قريظة فقد قرروا النزول على حكم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولقد كان باستطاعتهم أن يتحملوا الحصار الطويل، لتوفر المواد الغذائية والمياه والآبار ومناعة الحصون، ولأن المسلمين كانوا يقاسون البرد والجوع الشديد وهم في العراء، مع شدة التعب الذي اعتراهم لمواصلة الأعمال الحربية من قبل بداية معركة الأحزاب، إلا أن الله قد قذف في قلوبهم الرعب، وأخذت معنوياتهم تنهار، حتى بادروا إلى النزول على حكم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..
فحَّكَّم فيهم سعد بن معاذ ـ رضي الله عنه ـ وهو من كبار الخزرج الذي كانوا حلفاء لبني قريظة، فأصدر حكمه بأن يقتل الرجال، وتسبى النساء، وتقسم الأموال، فقال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لقد حكمت فيهم بحكم الله )(البخاري) ..
قال ابن هشام في سيرته والبيهقي في سننه : " .. أقام أبو لبابة مرتبطا بالجذع ست ليال تأتيه امرأته في كل وقت صلاة فتحله للصلاة ثم يعود فيرتبط بالجذع ". وقد قال أبو لبابة : لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله عليَّ مما صنعت ..
قالت أم سلمة : فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من السَحَر وهو يضحك، فقلت: مم تضحك يا رسول الله ـ أضحك الله سنك ـ ؟، قال: ( تيب على أبي لبابة ، قالت: قلت : أفلا أبشره يا رسول الله؟ قال: بلى إن شئت )، فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب، فقالت: يا أبا لبابة ، أبشر فقد تاب الله عليك .. قالت : فثار الناس ليطلقوه، فقال: لا والله حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقني بيده .. فلما مر عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه ..
كان أبو لبابة يستطيع أن يخفي ما فعله عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث لم يطلع عليه أحد من المسلمين، وأن يستكتم اليهود أمره، ولكنه تذكر رقابة الله عليه، وعلمه بما يسر ويعلن، وتذكر حق رسول الله - صلى الله عليه وسلم – عليه، وهو الذي ائتمنه على ذلك السر، ففزع لهذه الزلة فزعا عظيما، وأقر بذنبه واعترف به، وبادر إلى الصدق والتوبة فكانت نجاته، إنها صورة تطبيقية لقوله تعالى:{ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }(النساء:17) ..
وقد أنزل الله تعالى في أبي لبابة ـ رضي الله عنه ـ قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }(الأنفال:27) .
قال ابن كثير : " .. قال عبد الله بن أبي قتادة والزهري: أنزلت في أبي لُبابة بن عبد المنذر ، حين بعثه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى بني قُرَيْظة لينزلوا على حكم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .." ..
ونزل في توبته قوله تعالى: { وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }(التوبة:102) ..
قال ابن كثير : " .. وهذه الآية - وإن كانت نزلت في أناس معينين - إلا أنها عامة في كل المذنبين الخاطئين المخلصين ..، وقد قال مجاهد: إنها نزلت في أبي لُبَابة لما قال لبني قريظة: إنه الذبح، وأشار بيده إلى حلقه ..".
وفي قصة أبي لبابة ظهر حب الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ لبعضهم، وعِظم مقام التوبة والفرح بها، إذ التوبة تعني عودة العبد إلى الدخول تحت رضوان الله تعالى، وهو أعلى هدف ينشده المسلم في حياته .. ومن ثم فقد فرح النبي - صلى الله عليه وسلم ـ والصحابة بتوبة الله على أبي لبابة ، وبادرت أم المؤمنين أم سلمة بتهنئته، فبشرته بقبول الله توبته ..