تعتبر إصابة أحد أفراد الأسرة بالذهان(Psychosis)بكافة أشكاله: فصام Schizophrenia , اضطراب زوراني Delusional Disorder,اضطرابات الوجدان(المزاج) الذهانية Psychotic Affective(Mood) Disorders ........إلخ صدمة قوية قد تؤثر على كل أفرادها وليس على المريض لوحده فقط. وفي كثير من الحالات يكون المريض أقل أفراد الأسرة معاناةً حيث يكون مفتقدا للاستبصار(Insight) ولا يدرك أنه مريض من الأساس ولا يمتلك التفاعل العاطفي والوجداني الطبيعي عند حدوث خسارة الطريقة الطبيعية في التفكير وعند تدهور وضعه المهني والأسري والاجتماعي.
تبدأ معاناة الأسرة بمجرد ظهور العلامات الأولى للمرض العقلي وبدء السلوك الغريب لدى المريض حيث تبدأ رحلة البحث عن الأسباب والعلاج والتنقل من طبيب إلى آخر طمعا في التحسن الكامل والعودة إلى حالة المريض الطبيعية قبل المرض وهذا ما لا يحصل دائما. وتكون الأسرة في حالة ترقب وخوف من أي سلوك عدواني للمريض سواء كان هذا السلوك موجها لأحد أفراد الأسرة أو الجيران أو تجاه المريض نفسه.
تلاقي الأسرة صعوبة بالغة في إقناع المريض بزيارة الطبيب النفسي ويقاوم هذه الفكرة بقوة بحكم اعتقاده الراسخ أنه ليس مريضا وأن طرح هذه الفكرة من قبل الأسرة هو من باب اضطهادهم وكراهيتهم له وليس من باب الخوف عليه ولعلاجه.
تزداد الأمور تعقيدا عند وجود خلاف في الأسرة في كيفية حل المشكلة وفي كيفية التعامل مع المريض فالبعض يرى استخدام أسلوب الإقناع والتفاهم معه بهدوء والبعض الآخر يرى ضرورة اللجوء للقوة وإجبار المريض على الذهاب للمستشفى وتنويمه والخلاص منه ومن مشاكله وعدوانيته.
لا يوجد أسلوب واحد يمكن أن يتبع مع كل المرضى ولا على تشخيص مرض معين فلا يوجد مريضان متشابهان في كل شيء إطلاقا ومن الصعوبة إيجاد وسيلة موحدة للتعامل مع كل المرضى ولكن توجد بعض النقاط المشتركة التي لا تلغي المشاكل المصاحبة للمرض العقلي ولكن تخفف منها ومن آثارها وتقلل من تفتت العلاقة بين المريض وباقي أفراد الأسرة وتزيد من تعاون المريض معهم إلى حد ما. ومن هذه الإرشادات أضع هنا بعض الخطوط العريضة:
1) تبدأ عناية الأسرة بالمريض الذهاني قبل الحصول على الخدمة الطبية أي مع بداية الأعراض وذلك بتفهم باقي أفراد الأسرة أن هذه التصرفات التي تبدر من المريض غير متعمدة مهما بدت كذلك كالعدوانية المترصدة أو الكلام البذيء ونحو ذلك وإنما هي نتيجة وجود اضطراب في عقله. وبذلك تنتفي الحاجة لاستخدام العنف مع المريض مهما كانت شدة هذه التصرفات وعدم الرد على المريض بكلام أو إشارة تدل على الاضطهاد.
2) إذا لزم الأمر استخدام القوة في بعض الأحيان فيجب أن يتم ذلك على يد المدربين الذين بإمكانهم تعطيل أو تقييد حركة المريض دون حصول إصابات له كخدمة الهلال الأحمر أو الشرطة أو الخدمات الطبية النفسية المتخصصة في هذا المجال.
3) غالبا ما يتطلب العلاج في حالة الذهان الجديدة التنويم في المستشفى بهدف إجراء الفحوص الطبية لتأكيد التشخيص والوصول إلى العلاج المناسب لحالة المريض ورفض التنويم في بداية المرض بحجة الشفقة على المريض قد يفاقم المشكلة ويزيد من مضاعفاتها ويؤخر الحصول على الخدمة الطبية ويزيد من معاناة الأسرة. لذا ننصح بإتباع إرشادات الطبيب بهذا الخصوص.
4) عند تشخيص حالة المريض على يد الطبيب المختص, ينبغي على الأسرة أن تسأل عن ماهية المرض وأسبابه وأعراضه الأخرى المحتملة ومآل ومنحى المرض والنتائج المتوقعة وما هو الأسلوب الأمثل للتعامل مع أعراض المريض كالأوهام(الضلالات) أو الهلاوس(الاهلاسات) ونوبات الغضب.
5) يصدر من المريض تصرفات أو أقوال غريبة جدا ويجب ألا يكون محل سخرية الأسرة كما يجب عدم محاولة إقناع المريض بخطئه في حال تلفظ بكلام لا يمكن أن يكون صحيحا مثل أن الاستخبارات تلاحقه أو أن هناك أشعة تنطلق من عينيه وهكذا فإن نقاش مثل هذه الأمور معه لن يزيلها من تفكيره بل قد يكون النقاش معه منطلقا لأوهام (ضلالات) أخرى مثل أن يمثل هذا النقاش نوعا من الاضطهاد من جانب الأسرة له وليس حرصا عليه. مثلا عندما يقول شيئا لا يمكن أن يحدث فيكتفى أن يقال له (( هذا الشيء لا نعتقد نحن أنه صحيح)).
6) في حالة القبول بتنويم المريض فيجب عدم إهماله وتركه بالمستشفى دون السؤال عنه والاطمئنان عليه من وقت لآخر. إن عدم الاهتمام بالمريض المنوم يؤثر تأثيرا بالغا على نفسيته وتقبله للعلاج ويزرع في نفسه الإحساس باليأس وأنه مرفوض من قبل أسرته. عند عدم القدرة على زيارته, يتصل به أفراد الأسرة والأصدقاء بالهاتف.
7) الأمراض المزمنة(النفسية أو الجسمانية) تقتضي النقاش بين الطبيب والأسرة في طريقة علاجها وتدبيرها ولا ينفرد الطبيب أو الفريق المعالج بذلك ولذا ينبغي للأسرة الإسهام في هذا الأمر بالرأي وتنبيه الطبيب لأي ملحوظة قد تفيد في الخطة العلاجية.
8) في حال كان المريض المنوم مضطربا أو عدوانيا بدرجة كبيرة فقد يصدر من الطبيب المعالج رأي بمنع الزيارة في اليومين أو الثلاثة الأولى للتنويم وذلك يصب في مصلحة المريض والأسرة كذلك.
9) وقت الزيارة يجب أن يستغل في الاطمئنان على المريض بشكل بسيط مثلا عن نومه وطعامه وحاجاته الأساسية وتبادل الأحاديث بشكل ودي وبلطف بالغ وليس السؤال عن الأسباب التي جاء من أجلها حيث أن نقاش مثل هذه الأمور قد تستثير المريض وبسهولة سوف يساء فهمها من قبله.
10) قد يتخلل التنويم زيارات منزلية لمدة وجيزة وتعاون الأسرة في هذا الأمر يزرع في نفس المريض الطمأنينة والشعور بالأمن وأنه غير مرفوض من قبل الأسرة.
11) بعد خروج المريض وبصحة جيدة, فهذا لا يعني قطع المتابعة مع الطبيب بل يتبع ذلك عناية طبية في العيادات الخارجية. قطع العلاج بعد الخروج تعني وضع المريض في خطورة حدوث انتكاسة وتراجع حالة المريض.
12) إن تعامل الأهل مع المريض النفسي بعد الخروج يعد من أهم عوامل تواصل شفاء المريض ومنع الانتكاسات فمثلا المشاعر الموجهة للمريض(High Expressed Emotions) كنقد أفعاله ووصمها بالجنون وتوجيه كلمة قاسية له كعبارة(أنت مجنون) والتعامل معه بجفوة من أهم أسباب الانتكاسات. وكذلك تقديم الرعاية والعناية بشكل مبالغ فيه والدلال الزائد قد يؤدي لنفس المشكلة وأيضا تعتبر من المشاعر الموجهة للمريض بشكل غير صحي. كما أن تدليل المريض الزائد يؤدي بالمريض إلى أن يستخدم مرضه كحجة للتراخي والكسل والاعتماد على الآخرين وهذا يجعل المريض غير راغب في الشفاء.