تتوجه قلوب المسلمين وأنظارهم في هذه الأيـــام المبــاركـــات إلى بلد الله الحرام ..حيث مواطن أقدام الأنبيــاء ومواطن أقدام الصحـــابة رضوان الله عليهم ...
فما من مسلمٍ بحق إلا وفي قلبه حنيــنٌ إلى مكة المكرمة ..
إلى الكعبة المُشرفة ..
التي جعلها الله {.. مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً ..}[البقرة: 125]
وما من مسلمٍ يزورها إلا ويتمنى أن يثــوب إليها مرةً ومرة ..
وما من شكٍ في أن الذي قدَّر الله له الحج هذا العام، لا يكاد يوصف فرحه وسروره ..
كيف لا وقد اصطفاه الله تعالى على ملايين من المسلمين؟!
أما الذي لم يزُر بلد الله الحرام حاجًا أو معتمرًا، يذوب كمدًا وحسرةً على أنه لم يكن من وفد الله من حجيج بيت الله الحرام ..
ولعله حُجِبَ بذنــــوبــــه أو كابتلاءٍ له،،
اشتيــــاق المسلمون إلى الحج
أمر الله عزَّ وجلَّ إبراهيم عليه السلام بعدما فرغ مع ولده إسماعيل من بناء الكعبة، أن يصعد على ربوةٍ عالية وينادي بكل ما يملك من قوة .. ليؤذن في الناس بالحج .. فرد عليه كل من قُدِرَ له الحج، حتى من هم في عالم الغيـــب ..
قال تعالى {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (*) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (*) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج: 27,29]
ومازال الناس من أذان إبراهيم عليه السلام وإلى اليوم، بل وإلى يوم القيامة يلبون نداء إبراهيم .. ويرفعون أصواتهم بالتلبية ..
لبيــــك اللهم لبيــــك .. لبيــــك لا شريك لك لبيــــك ..
إن الحمد والنعمة لك والمُلك .. لا شريـــك لك ..
يشدهم الحنين والشوق الدائم الذي لا ينقطعُ أبدًا إلى بيت الله الحرام الذي تعلقت به قلوبهم ..
استجابةً من الله لدعوة خليلهِ إبراهيم {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}[إبراهيم:37]
قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير: لو قال: "أفئدة الناس" لازدحم عليه فارس والروم واليهود والنصارى والناس كلهم، ولكن قال: {مِنَ النَّاسِ} فاختص به المسلمون.فليس أحد من أهل الإسلام إلا وهو يحن إلى رؤية الكعبة والطواف، فالناس يقصدونها من سائر الجهات والأقطار.[تفسير ابن كثير]
فما أن ينتهي الحاج من أداء مناسكه، حتى يشتعل قلبه شوقًا للعودة إلى بيت الله الحرام ويذرف الدموع على فراقه ..
فيا حسرة من انقطع وصوله عن البيت الحرام .. ويا حزن من لم يطُف في حياته بالبيت العتيق ..
ويا ألمه عندما يرى الحجاج والعُمَّار وهم منطلقون إلى بلد الله الحرام، وهو قاعدٌ محزون ولا يأمن على نفسه أن يكون تخلَّف لأن الله تعالى قد كَرِهَ انبعاثه ..
لئن سار القوم وقعدنا، وقربوا وبعدنا، فما يؤمننا أن نكون ممن {.. كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 46]
نعوذ بالله من الخذلان،،
أهميـــة التعجيـــــل بالحجِّ
إن الله عزَّ وجلَّ لم يأمرنا بالزيادة من شيءٍ إلا العلم، ولم يأمرنا بالعجلة في شيءٍ سوى الخيــر؛ قال تعالى{..فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ ..}[البقرة: 148]
ومن أهم أبواب الخير::الحـــجُّ ..
والدنيـــا دار للمنافسة على مرضات الله ..
قال الحسن: "إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا، فنافسه في الآخرة" .. وقال وهيب بن الورد: "إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل" .. وقال بعض السلف: "لو أن رجلاً سمع برجل أطوع لله منه فانصدع قلبه فمات لم يكن ذلك بعجب" [لطائف المعارف (1:244)]
ولو فاتتك الجنة، فاتك كل شيء،،
عَن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ "لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ؛ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا"[متفق عليه]
واعلم أن الذي لديه الاستطاعة ويؤخر الحجَّ، فإنه لن يحُج؛ لأن الفرص لا تتكرر ..
قال رسول الله "من أراد الحج فليتعجل؛ فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة"[رواه أحمد وحسنه الألباني، صحيح الجامع (6004)]
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ: أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: "مَنْ أَطَاقَ الْحَجَّ فَلَمْ يَحُجَّ, فَسَوَاءٌ عَلَيْهِ مَاتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا" [إسناده صحيح إلى عمر ، معارج القبول (2:640)]
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله "استمتعوا بهذا البيت فقد هدم مرتين ويرفع في الثالثة"[رواه البزار وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (1110)]
فاستكثروا من الطواف بالبيت يا معشر المسلمين، واستمتعوا به ..
فواللهِ إن الحج متعة
قال تعالى {جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }[المائدة: 97]
يقول ابن حجر: "كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى أَنَّ المُراد بِقَوله : "قِيامًا" أَي قِوامًا، وأَنَّها ما دامَت مَوجُودَة فالدِّين قائِم. وقَد رَوى ابن أَبِي حاتِم بِإِسنادٍ صَحِيح عَن الحَسَن البَصرِيّ أَنَّهُ تَلا هَذِهِ الآيَة فَقالَ: لا يَزال النّاس عَلَى دِينٍ ما حَجُّوا البَيت واستَقبَلُوا القِبلَة"[فتح الباري (3:454)]
فما دامت الكعبة في قلب المسلم، فدينه في قلبه قــائم،،