رد: كوابيس واشباح 2
قضية شبح جرينبراير (Greenbrier Ghost )
إلفا زونا شو .. شبح جرينبراير
لم تكن زونا هيستر شو (Zona Heaster Shue ) تشكو خطبا في صحتها، كانت شابة في مقتبل من العمر لا تعاني من أي مرض أو ضعف، لذا أصبح خبر موتها المفاجئ مثار استغراب أغلب سكان بلدة جرينبراير الريفية الأمريكية، ففي يوم 23 كانون الثاني / يناير عام 1897 عثر على جثتها صبي صغير كان زوجها قد أرسله إلى المنزل في حاجة له، زونا أو السيدة شو كانت ممددة من دون حراك بالقرب من سلم المنزل المؤدي إلى الطابق العلوي، ظنها الصبي فاقدة الوعي فأطلق ساقيه للريح مهرولا نحو منزله ليخبر أمه التي سارعت بدورها في أخبار طبيب البلدة السيد ناب لكي يتبين الأمر.
وصول الطبيب ناب إلى منزل السيدة شو أستغرق قرابة الساعة، وفي هذه الأثناء كان زوجها السيد شو، أو ادوارد كما يسمونه في البلدة، قد قام بحمل جثتها إلى الطابق العلوي فمددها على سرير حجرة النوم ثم قام بتغيير ثيابها فألبسها فستانا أنيقا ذو ياقة طويلة تغطي العنق كله وصولا إلى أسفل الذقن، وقد بدا عمله هذا خارجا عن المألوف، إذ جرت العادة والعرف في ذلك الزمان على أن تترك مهمة تغسيل جثث النساء وتغيير ثيابهن للنساء البالغات من الأقارب والجيران.
الطبيب ناب عاين جثة السيدة شو بوجود زوجها الذي ظل جالسا عند رأسها يبكي بحرقة. وقد تعجل الطبيب في فحص الجثة مراعاة لمشاعر الزوج الذي أبدى حزنا وجزعا كبيرا، كما أن الجثة بدت سليمة وخالية من أي جروح، باستثناء بعض البقع الداكنة التي لمحها الطبيب بصورة خاطفة على الجلد أسفل الذقن لكنه لم يستطع تبين ماهيتها، لأن محاولته أبعاد ياقة الفستان الطويلة لتفحص عنق الجثة أثارت غضب واستياء ادوارد إلى درجة أرعبت الطبيب ناب ودفعته إلى إنهاء عمله ومغادرة المنزل على عجل.
أخبار موت زونا وصلت سريعا إلى مسامع والديها اللذان كانا يقطنان منزلا كبيرا في مزرعة تبعد عدة أميال خارج البلدة، والدتها السيدة ماري جين هيستر، علقت على خبر موتها قائلة : "لقد قام الشيطان بقتلها"، تقصد بذلك زوج أبنتها ادوارد، فالعلاقة بين الزوج وحماته لم تكن على ما يرام منذ اللحظة التي أخبرت فيها زونا والدتها بأنها ستتزوج من هذا الشاب الغريب القادم إلى البلدة مؤخرا والذي أعتاد الناس تسميته ادوارد. لم يكن احد في البلدة يعلم شيئا عن حياته السابقة، لكنه كان شابا لبقا ودمث الأخلاق وطد علاقته مع السكان بسرعة بعد أن وجد لنفسه عملا في محل الحدادة الوحيد في البلدة، وقد تعرفت زونا عليه خلال إحدى المناسبات فأعجبت به أيما أعجاب، وسرعان ما تزوج الاثنان خلال أسابيع قليلة فقط، وهو أمر لم يثر استغراب أحد، فزونا كانت تواقة للزواج من أي رجل، إذ كانت أما عزباء، أنجبت طفلة من علاقة غير شرعية، وهو أمر لم يكن مقبولا ولا مستساغا في ذلك الزمان، وكان سببا في غضب وحنق والدتها منها، فالسيدة هيستر كانت دائمة التشكيك في سلامة قرارات أبنتها، خصوصا قرارها الأخير بالزواج من رجل لا يعرفون عنه أي شيء.
جثة السيدة شو دفنت في مقبرة البلدة، وخلال جنازتها أبدى زوجها تصرفات غريبة عدها البعض في غاية الرعونة، فيما بررها آخرون بحبه المفرط لزوجته الراحلة، فقد أصر على دفن زوجته بالثوب ذو الياقة الطويلة بدعوى كونه ثوبها المفضل، كما قام بتغطية وجهها ورقبتها بخمار أسود طويل ووضع وسادة تحت رأسها معللا تصرفه هذا بالحرص على راحة زوجته الميتة !. وكذلك أظهر حرصا بالغا على ملازمة الكفن خلال الجنازة مانعا أي شخص من الاقتراب من الجثة ومحاولة لمسها.
بعد انتهاء الجنازة بأيام قليلة، أخرجت السيدة هيستر الملاءة التي كانت مفروشة تحت جثة أبنتها في التابوت وأرسلتها إلى ادوارد، لكنه لم يرغب فيها وأعادها إليها، ففكرت السيدة هيستر بالتبرع بها للفقراء، ولهذا الغرض ارتأت غسلها أولا، وقد حدث شيء غريب خلال الغسل، إذ تحول ماء الحوض إلى اللون الأحمر القاني بلون الدم لبرهة قصيرة قبل أن ينكشف ويعود إلى لونه الأصلي، وقد عدت السيدة هيستر هذا الأمر أشارة من العالم الآخر ودليلا قاطعا على أن ابنتها لم تمت بصورة طبيعية وإنما ماتت مقتولة.
السيدة ماري هيستر .. والدة زونا
لمدة أربعة أسابيع، ظلت السيدة هيستر تبتهل إلى الله في كل ليلة لكي يعيد أبنتها أليها للحظات قليلة فقط علها تخبرها عن حقيقة موتها، وفي الليلة التي تلت تلك الأسابيع الأربعة مباشرة، أوت السيدة هيستر إلى حجرة نومها باكرا، أغمضت عينيها واستغرقت في النوم والأحلام سريعا، وخلال الحلم شاهدت نورا باهرا يضيء سقف الحجرة، ثم أنجلى ذلك النور ورأت السيدة هيستر أبنتها زونا تقف عند حافة السرير. حاولت السيدة هيستر أن تنهض لتحتضن أبنتها، لكنها فقدت قدرتها تماما على الحركة والكلام، ظلت مسمرة في سريرها تبكي بحرقة وهي تنظر إلى أبنتها الحبيبة. زونا اقتربت من أمها وجلست عند رأسها في السرير، قبلتها على جبينها ثم مدت يدها الشاحبة لتكفكف دموعها بكل رقة وحنان، ثم راحت تحدثها عن مأساتها، أخبرتها بأن شخصية زوجها ادوارد تبدلت جذريا بعد زواجهما بأسابيع قليلة، اختفى ذلك الشاب المرح المؤدب بالتدريج وحل محله رجل قاس عديم الرحمة أخذ يضربها ويؤذيها لأتفه الأسباب، وفي ليلة مقتلها عاد ادوارد إلى البيت باكرا فقدمت له العشاء، وما أن تناول لقمة أو لقمتين حتى أنفجر غاضبا كالمجنون متهما إياها بأنها لم تضع له لحما كافيا في طبقه، هاجمها كالثور الهائج فأطبق يديه القويتين على رقبتها النحيلة وأعتصرها بكل قوته حتى سحقها تماما، وبعد أن تركها جثة هامدة عاد إلى المائدة مرة أخرى ليكمل عشاءه كأن شيئا لم يكن!.
ولكي تثبت زونا لأمها بأن عنقها مكسورة فعلا، أدارت رأسها دورة كاملة حتى أصبح قفاها محل وجهها، ثم ظهر ذلك النور الباهر مجددا في السقف فأجبر وهجه السيدة هيستر على إغلاق عينها، وحين اختفى النور كانت زونا قد اختفت أيضا.
لمدة أربعة ليالي شاهدت السيدة هيستر ذات الحلم، فأصبحت موقنة من موت أبنتها مقتولة، وعزمت على أن لا تدع القاتل يفلت من العقاب، توجهت إلى مكتب العمدة وأخبرته بحلمها، توسلته أن يقوم بفتح قضية أبنتها مجددا، وبغض النظر عن تصديق العمدة لقصة الحلم من عدمه، فقد وافق الرجل في النهاية على ذلك، خاصة وأن اغلب سكان البلدة كانت تروادهم شكوك قوية حول كيفية موت السيدة شو، كما أن الطبيب ناب أعترف للعمدة بأنه لم يجري فحصا كاملا للجثة، وهو الأمر الذي عده العمدة تقصيرا ونقصا فاضحا في سلامة الإجراءات القانونية المرتبطة بحالات الوفاة المشكوك فيها والتي تتطلب القيام بتشريح كامل. لذا تم تشكيل لجنة برئاسة الطبيب ناب لكي تستخرج جثة زونا من القبر ويتم فحصها وتشريحها مجددا بصورة كاملة.
في 22 شباط / فبراير استخرجت جثة السيدة شو من القبر ونقلت إلى مدرسة قريبة لغرض الفحص والتشريح، ولحسن الحظ ساهمت برودة الشتاء القارصة في الحفاظ على الجثة سليمة لم تمس.
التشريح لم يستغرق وقتا طويلا، إذ تكشفت أبعاد الجريمة المروعة بمجرد أن جردوا الجثة من ثيابها، فقد ظهرت بصمات الزوج مطبوعة بكل وضوح على الرقبة، وتبين بالتشريح بأن الحنجرة كانت مسحوقة تماما كما تعرضت الفقرات العنقية للكسر. وحال الانتهاء من التشريح القي القبض على السيد شو بتهمة قتل زوجته.
صورة نادرة لادوارد مع زوجته
تحقيقات الشرطة في ماضي السيد شو قادت للكشف عن بعض الأسرار الخطيرة التي حرص الرجل على إخفاءها، فزواجه مع زونا، والذي لم يدم سوى لثلاثة أشهر، لم يكن الأول في حياته، إذ سبق له الزواج مرتين قبل ذلك، زواجه الأول انتهى بالطلاق، وقد اتهمته زوجته الأولى بالقسوة المفرطة في تعامله معها، أما الزوجة الثانية فقد ماتت في ظروف غامضة بعد أقل من سنة على الزواج.
العجيب أن السيد شو كان في غاية الانشراح خلال فترة احتجازه، كان يقول لرفاقه في الزنزانة بأن الشرطة لن تستطيع أثبات التهمة عليه أبدا، كما كان يحدثهم عن طموحه بالزواج من سبعة نساء خلال حياته، قائلا بأنه ما يزال شابا صغيرا وبإمكانه تحقيق حلمه بسهولة.
في 22 حزيران / يونيو عام 1897 وقف السيد شو، وأسمه الحقيقي ايراسموس تروت شو، المشهور بادوارد، أمام المحكمة بتهمة قتل زوجته، وكانت حماته السيدة ماري جان هيستر هي الشاهدة الرئيسية في قضيته، وقد حاول محامي الدفاع استغلال قصة الحلم والشبح لإثبات عدم أهلية الشاهدة ولنقض القضية برمتها لأنها بنيت على حيثيات وأسس وهمية لا يمكن أثباتها، لكن السيدة شو لم تتراجع عن قصتها قيد أنملة، أصرت على أن ما شاهدته في الحلم هو حقيقة تدعمها الأدلة والبراهين ونتائج التشريح، ولم تلبث هذه الأم الثكلى أن كسبت تعاطف جميع الحضور، فانتهى قرار هيئة المحلفين إلى إعلان السيد شو مذنبا بتهمة القتل وحكم عليه القاضي بالسجن المؤبد. لكن هذه العقوبة لم تنل رضا سكان البلدة الناقمين، فحاول بعضهم تطبيق العدالة بنفسه، وتوجه جمع منهم نحو سجن البلدة وهم عازمون على أخراج السيد شو من زنزانته وشنقه وسط البلدة، لكن الشريف نجح في تهدئة الحشود الغاضبة وتم نقل السيد شو في اليوم التالي إلى احد السجون الكبيرة في ولاية فرجينيا الغربية حيث قضى هناك ثلاث سنوات قبل أن يموت فجأة جراء أصابته بمرض غامض، وقد تم دفنه في المقبرة اللصيقة لحائط السجن في قبر مجهول الهوية من دون شاهد.
صورة قبر زونا واللوح التذكاري الذي يروي قصتها
قصة السيدة شو كانت من أعجب وأغرب القضايا في ذلك الزمان، ولتخليد هذه القضية فقد وضعت سلطات ولاية فرجينيا الغربية شاهدا تذكاريا بالقرب من المقبرة التي دفنت فيها السيدة شو كتب عليه الآتي :
"في المقبرة المجاورة دفنت زونا هيستر شو، وفاتها في عام 1897 سجلت على أنها طبيعية حتى ظهرت روحها لوالدتها لتصف لها كيف تعرضت للقتل على يد زوجها ادوارد. وقد أثبت التشريح حقيقة ما قالته. فوجد ادوارد مذنبا وتم الحكم عليه بالسجن. وهذه هي القضية الوحيدة المعروفة التي ساهمت فيها شهادة شبح في أثبات جريمة قتل".
هل هناك تفسير منطقي لهذه القصة ؟
كعادتنا في قصص من هذا النوع، نحاول أن نجد تفسيرا منطقيا للأحداث بدل الاعتماد كليا على التفسيرات الغيبية والماورائية، وأحداث قصتنا هذه، برغم كونها موثقة في سجلات حكومية رسمية، لم تنجو من التشكيك والانتقاد، فهناك من يرى بأن السيدة ماري هيستر كانت واثقة من أن أبنتها ماتت مقتولة منذ أول لحظة سمعت فيها خبر وفاتها، أي قبل قصة الحلم والشبح بقرابة الشهر، وجاءت قضية غسل الملاءة وتغير لون الماء لتجعلها أكثر يقينا حول النهاية المأساوية لأبنتها، وقضية الملاءة قابلة للتفسير، فادوارد كان حدادا، لذا لا عجب أن تكون الملاءة التي تغطي سرير نومه مشبعة بأكسيد الحديد، وهذا يفسر تغيير لون الماء وتكدره عند غسل الملاءة، لكن السيدة هيستر لم تفطن لهذه الحقيقة العلمية بالطبع، ولا يستبعد أن تكون لفقت عن قصد قصة الحلم بالكامل للإيقاع بزوج أبنتها بعد أن أيقنت بأنه القاتل، أو أن يكون الضغط النفسي الذي ولدته الشكوك والهواجس المتعلقة بطريقة موت أبنتها قد تراكم في عقلها الباطن إلى درجة الهذيان والوهم فجعلها تتخيل رؤية أبنتها والحديث معها.
يبقى هناك لغز واحد، فحتى لو افترضنا جدلا بأن السيدة هيستر لفقت قصة الحلم بالكامل، وهو أمر لا أستبعده أنا شخصيا، لكن المحير في قصتها هو كيف علمت بأن أبنتها ماتت خنقا وبأن رقبتها كانت مكسورة ؟!.
ما رأيك أنت عزيزي القارئ ؟ هل تصدق بحقيقة هذه القصة وهل تؤمن بأن الأموات ممكن فعلا أن يتصلوا بالأحياء عن طريق الأحلام ؟ هل مررت بتجربة مماثلة ؟ أم تراك تنكر إمكانية حدوث ذلك جملتا وتفصيلا ؟.
على العموم لا تتعجل الرد، أنتظر الجزء الثاني من هذا المقال قبل أن تحكم على الأمر، لأني عازم على مواصلة إدهاشك بقصص يصعب تصديقها، لكنها حقيقية وموثقة، انتظرني قريبا مع قصة الممرضة التي عادت من العالم الآخر لتوقع بقاتلها، وكذلك قصة الأم المقتولة التي أرشدت الشرطة إلى مكان جثتها المفقودة!.