رد: البدعه تعريف البدعه واقوال العلماء فيها
وبغض النظر عن صحة ما تدعيه كل جماعة فإنّ المهم هو الأسلوب وطريقة الإقناع التي يجب على كل جماعة اتباعها ، هل تذكرون في عقد الثمانينات كان جميع الناس في بلادنا لا يقبضون في الصلاة ولا يرفعون أيديهم قبل الركوع وبعد الرفع منه رغم الأدلة الصحيحة الواردة في ذلك ، وبعد أنْ قام بعض الإخوة بالقبض والرفع أنكر الناس عليهم ذلك واتهموهم بالبدعة واستهجنوا فعلهم ، لكن مع الوقت ومضي السنوات أصبح معظم الناس يعملون بهذه السنة ، نعمْ ، لأنَ تغيير الأحكام والعقائد الدينية من أصعب ما يكون ، والخلافات الناتجة عن ذلك من أشد ما يكون ، فاتقوا الله عباد الله وعاملوا بعضكم بالحسنى ولا تدابروا ولا تنابزوا بالألقاب ، أنت كإمام أو خطيب أو واعظ أليس الأفضل أنْ تخاطب الناس بالحسنى لعلهم يتغيرون مع الوقت وفق منهجك ، أو أن تتهمهم بالضلالة فلن يسمعوا لك بعد ذلك أبدا ، لأنَ التعصب في الرأي والمعاملة لا يولد إلا تعصبا مضادا .
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم أسوة حسنة ، فقد أخرج الشيخان رحمهما الله واللفظ للبخاري ، أنّ الله تعالى بعد أن نصر المسلمين في معركة الأحزاب ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ( لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة ) فأدرك بعض الصحابة وقت العصر في الطريق فصلوه ، وقال البعض الآخر : لا نصلي العصر إلا في بني قريظة .
فالذين لم يصلوا العصر إلا في بني قريظة رغم أن الليل قد أدركهم عملوا بظاهر قول الرسول ، والذين صلوه في الطريق قبل غروب الشمس فهموا من قول الرسول على أنه يحثهم للإسراع للذهاب لبني قريظة ، وعندما أخبروا النبي باختلافهم لم يعنفهم ولم ينكر على أحد منهم .
صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وبالرغم أنهم على منهج واحد وهو منهج الكتاب والسنة قد اختلفوا في تفسير نص لا يكاد يقبل اختلافا في الرأي ، ورغم اختلافهم لم يتهموا بعضهم بالضلالة ولم يتعصبوا لرأيهم ويقولوا بأنّ اجتهادنا هو الاجتهاد الصحيح .
نعم هذا هو منهج السلف الصالح ، فلماذا كل هذه الأوصاف غير اللائقة ؟
ولماذا نتباغض ونتعادى من أجل مسائل خلافية ، خاصة إذا كان النص يحتمل التفسير إلى أكثر من معنى ، فكل فريق يجتهد ويفسر النص على حسب منهجه وفهمه وإدراكه ، حقا إذا لم يقف أحد الفريقين على النص يمكن محاججججججججججججته بوجود النص ، لكن إذا كان النص معلوما لدى الفريقين فكل اجتهد حسب منهجه وإدراكه ، فلماذا نتعصب لرأينا ونقول بأنه الاجتهاد الصحيح ؟!
* موضوع البحث / البدعة وتقسيمها : :
قال صلى الله عليه وسلم : (( إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار )) رواه النسائي .ورواه مسلم وابن ماجة بألفاظ متقاربة .
هذا الحديث برواياته أصل من أصول الدين وقواعده المحكمة ولكن لابد في فهمه من مراعاة النصوص الأخرى الواردة في هذا الموضوع ومراعاة روح الشريعة الإسلامية وقواعدها العامة الأخرى.
وقد اجتهد بعض أهل العلم واستند على الحديث في ردّ كل جديد محدث من الأمور الفقهية والاجتماعية والعلمية في كيفيتها وصورها وهيئاتها الجديدة التي لم تكن في عهد النبوة أو عهد السلف من أهل القرون الثلاثة المفضلة قائلا أمام كل ذلك:
هذه القضايا محدثة وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، وهذا اللفظ صريح في العموم وصريح في وصف البدعة بالضلالة ومن هنا تراه يقول:
فهل يصح بعد قول المشرع صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم أن كل بدعة ضلالة ، هل يصح أن يأتي مجتهد أو فقيه مهما كانت رتبته فيقول: لا .. لا.. ليست كل بدعة ضلالة ، بل بعضها ضلالة وبعضها حسنة وبعضها سيئة ..؟
وبهذا المدخل يغترّ كثير من الناس فيصيح مع الصائحين ويُنكر مع المنكرين ، ثم لا يلبث إلا يسيرا حتى يضطر إلى إيجاد مخرج يحل له المشاكل التي تصادمه ويفسر له الواقع الذي يعيشه، فيضطر إلى اللجوء إلى اختراع وسيلة أخرى لولاها لم يستطع أن يأكل ولا يشرب ولا يسكن بل ولا يلبس ولا يتنفس ولا يتزوج ولا يتعامل مع نفسه ولا أهله ولا إخوانه ولا مجتمعه، هذه الوسيلة هي أن يقول باللفظ الصريح:
إن البدعة تنقسم إلى دينية ودنيوية.، رغم أنّ هذه التسمية لم تكن معروفة في عهد النبي وصحابته صلى الله عليه وعليهم .
ولو سلمنا أنّ هذا المعنى كان موجودا منذ عهد النبوة لكن هذا التقسيم وهذه التسمية (دينية ودنيوية) لم تكن موجودة قطعا في عهد التشريع النبوي ، فمن أين جاء هذا التقسيم ؟ ومن أين جاءت هذه التسمية المبتدعة؟
فمن قال: إن تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة لم يأت من الشارع نقول له : وكذلك تقسيم البدعة إلى دينية وإلى دنيوية هو عين الابتداع والاختراع.
فالشارع يقول: ((كل بدعة ضلالة)) هكذا بالإطلاق وهذا يقول: لا... لا... ليس كل بدعة ضلالة بالإطلاق بل إن البدعة تنقسم إلى قسمين: دينية وهي الضلالة ،ودنيوية وهي التي لا شيء فيها.
فالعاقل المنصف يرى أن القول بأن تقسيم البدعة إلى حسنة وإلى سيئة تقسيم مبتدع مخترع أو باطل لا أصل له أو مرفوض أو مردود، يتناول أيضا بلا شك تقسيم البدعة إلى دينية ودنيوية ، فهما قضيتان تدوران في مركز واحد وتنطلقان من نقطة واحدة وتنبعثان من فهم مشترك لا بد منه ولا مخرج من الضيق إلا به ، وإلا وقعنا في الجمود ودخلنا في الأغلال والحرج الذي جاءت الشريعة الإسلامية بإخراجنا منه إلى اليسر والسعة والفرج.
ولذا لابد أن نوضح هنا مسألة مهمة وبها ينجلي كثير من الإشكال ويزول اللبس إن شاء الله ، وهو أن المتكلم هنا هو الشارع الحكيم ، فلسانه وهو لسان الشرع لسان واحد متسق متناسب لا يتناقض ولا يتعارض ، وعليه فلا بد من فهم كلامه على الميزان الشرعي الذي جاء به ، وإذا علمت أنّ البدعة في الأصل هي:
كل ما أحدث واخترع على غير مثال فلا يغب عن ذهنك أن الزيادة أو الإختراع المذموم هنا هو الزيادة في أمر الدين والزيادة في الشريعة ليأخذ الصبغة الشرعية فيصير شريعة متبعة منسوبة لصاحب الشريعة ، وهذا هو الذي حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) فالحد الفاصل في الموضوع هو قوله: ((في أمرنا هذا)). ولذلك فإن تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة في مفهومنا ليس إلا للبدعة اللغوية التي هي مجرد الاختراع والإحداث ، ولا نشك جميعا في أن البدعة بالمعنى الشرعي - الذي هو الزيادة في الدين والمنسوبة للشرع - ليست إلا ضلالة وفتنة مذمومة مردودة مبغوضة ، ولو فهم أولئك المنكرون هذا المعنى لظهر لهم أن محل الاجتماع قريب وموطن النزاع بعيد.
وزيادة في التقريب بين الأفهام ، أرى أن منكري التقسيم إنما ينكرون تقسيم البدعة الشرعية بهذا المعنى ، بدليل تقسيمهم البدعة إلى دينية ودنيوية واعتبارهم ذلك ضرورة ، وأن القائلين بالتقسيم إلى حسنة وسيئة يرون أنّ هذا إنما هو بالنسبة للبدعة اللغوية لا الشرعية ، لأنهم يقولون : إن الزيادة في الدين والشريعة ضلالة وسيئة كبيرة ، ولا شك في ذلك عندهم ، فالخلاف شكلي عند من يسعى إلى الوفاق ويبتعد عن الافتراق ، ويحب الائتلاف وينبذ الخلاف.
غير أني أرى برأيي المتواضع أنّ إخواننا المنكرين لتقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة والقائلين بتقسيمها إلى دينية ودنيوية لم يحالفهم الحظ في دقة التعبير ، ذلك لأنهم لما حكموا بأن البدعة الدينية ضلالة – وهذا حق – وحكموا بأن البدعة الدنيوية لا شيء فيها قد أساءوا الحكم ، لأنهم بهذا قد حكموا على كل بدعة دنيوية بالإباحة ، ومع أنهم في نظري لا يقصدون ذلك إلا أنّ في هذا خطر عظيم ، وتقع به فتنة ومصيبة كبيرة إن أطلقوا القول بذلك دون احتراز أو تقييد ، ولا يسلمون من الوقوع في هذا الفهم السيئ إلا إذا سلكوا مسلك التفصيل ليسلم ويُسَلّم لهم قولهم ، وهو تفصيل واجب وضروري للقضية ، وهو أن يقولوا: إن هذه البدعة الدنيوية منها ما هو خير ومنها ما هو شر ، كما هو الواقع المشاهد الذي لا ينكره أحد ، وهذه الزيادة لا بد منها ، وعليه فليلزم على القائلين بتقسيم البدعة إلى دينية ودنيوية الاحتياط في التعبير وعدم إطلاق القول هكذا بدون تقييد يحدد معنى البدعة الدنيوية ، وإلا أوقعوا الناس في مصيبة كبيرة وشر عظيم.
أقول: الواجب عليهم حينئذ تفادي هذا الغلط ودفع هذه المصيبة التي يقع بسببها الناس في شر كبير ، ويدخلون في تهلكة مهلكة ، اعتمادا على قولهم أنّ كل بدعة دنيوية لا تدخل في المنهي عنه ، وذلك بناء على مقتضى قولهم المطلق ويلزم منه أن كل بدعة دنيوية حلال لا شيء فيها ، وأن المنهي عنه هو البدعة الدينية ، مع أنّ البدعة الدنيوية تشتمل على ما فيه من خير كثير ، وعلى ما فيه من شر خطير.
لذلك فإن هذا التقسيم بهذا الإطلاق العام تقسيم فاسد وناقص يحتاج إلى تحرير وتحقيق للحفظ والسلامة والأمان من الوقوع في الشر والمصائب الدنيوية.