حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا ، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا
هل تذكرنا الموت وسكراته الموت؟ تلك الساعة الحاسمة تلك الساعة الفاصلة التي يقف فيها البشر عاجزين مقهورين أمام الموت الذي يشرب من كأسه جميع الخلق، العصاة منهم والمطيعون، الطغاة والعاملون، الفقراء والميسورون، الضعفاء والمتسلطون، الموت الذي لا يهاب شيخا كبيرا، ولا يترك طفلا صغيرا اقرب مثال لذلك اطفال حادث اسيوط
تزود من التقوى فإنك لا تدري إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجـر
فكـم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا وقد نسجت أكفانه وهو لا يـدري
وكم من صغار يرتجى طول عمرهم وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبـر
وكـم من عروس زينوها لعرسـها وقد قبضت أرواحهم ليلـة القـدر
وكـم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
فمــن عـاش ألفـا وألفيـن إنـه لابـد من يـوم يسـير إلى القبر
هل تذكرنا تلك الساعة التي سيأتينا فيها ملك الموت ومعه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب فيقف عند رأسك ثم يبدأ في نزع روحك من جسدك فيبدأ الرأس يرتعد، والأطراف تبرد، والعين تشخص، واللسان يغرغر
فماذا أعد كل منا أيها المسلمون لتلك الساعة الرهيبة والنازلة العظيمة، والله إن كثيرا من الناس عن الموت لغافلون، وفي الشهوات غارقون، وللمعاصي مرتكبون، وللصلاة تاركون وللزكاة مانعون، وللحرمات ناظرون، وللسحت والرشاوي آكلون، وللفواحش منتهكون، وللقرآن هاجرون، وللسنة تاركون، وبالحرام يتكلمون، وبالظلم يتعاملون، ومن المواعظ لا يبكون، ويبنون القبور ويدفنون الموتى ثم لا يتعظون، ولا هم يتوبون، ترى الفاجر يدفن الميت بيده ثم يمضي إلى فجوره، والعاصي يصر على معصيته، قست القلوب، وجفت العيون، وانشغل الناس بذكر الدنيا عن ذكر الآخرة قال تعالى: ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر
قول العلماء إن سكرات الموت أشد من نشر بالمناشير وضرب بالسيوف، وما لنا نذهب بعيدا وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابه الإعياء الشديد وأخذ عليه بها ماء، فجعل يمسح وجهه به ليخفف من وطأة الموت وشدته ويقول: ((لا إله إلا الله إن للموت لسكرات، اللهم بالرفيق الأعلى)) ثم شخص بصره ومالت يده وشغلت رأسه وقبض صلى الله عليه وسلم.
فإذا كان هذا هو حال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الموت، وهو الذي رفع الله ذكره وأعلى في العالمين قدره، فكيف سنواجه نحن الموت وقد كثرت ذنوبنا وطفحت عيوبنا وانتشرت معاصينا، كيف سنكون في تلك اللحظات ونحن بهذه الذنوب والسيئات.
فالواحد منا يبقى طوال حياته غافلا ساهيا ينتهك الحرمات يمينا وشمالا لا يبالي حتى إذا فاجأه الموت عرف وقتها أن الله حق وأن الحلال بيّن وأن الحرام بيِّن، فتتولد عنده حسرة شديدة وندم عظيم على ما فاته في حياته، ويتمنى لو يعود فيصلح من شأنه ويكثر من الطاعات، ولكن للأسف الشديد فبرغم شدة حسرته وندمه إلا أنها حسرة لا تنفع، وندم لا يقبل، قال تعالى: إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً
أن الموت خاتمة الحياة والأعمال، به يتحدد مصيرك، وعلى أساسه تبعث يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالخواتيم)) وقال عليه الصلاة والسلام: ((يبعث العبد على ما مات عليه)) وأحدنا لا يدري متى سيأتيه الموت؟! أيأتيه على إيمان أم على كفر؟! أيأتيه على عمل صالح أم على عمل طالح؟! أيأتيه على خير وعبادة أم على شر ومعصية؟
ألا تستلزم خطورة هذه الساعة منا أن نكون في توبة دائمة حتى إذا فاجئنا الموت كنا في أحسن أحوالنا وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أن من عقوبات الذنوب والمعاصي أن قلب الإنسان ولسانه يخونانه أشد ما يخونانه عند الاحتضار، فربما تعذر على المرء النطق بالشهادة كما حدث لبعض الناس، وكان منشغلا بتجارته عن ذكر الله عز وجل وطاعته، فلما احتضر وقيل له: قل لا إله إلا الله كان يقول: هذا مشتري جيد وهذه بضاعة رخيصة. وظل هكذا حتى قبض.
يقول ابن القيم معلقا: سبحان الله كم شاهد الناس من هذا عبرا، وكيف يوفق لحسن الخاتمة من أغفل الله قلبه عن ذكره وكان أمره فرطا.
إن خطورة الموت تكمن في أنه فاصل بين حياتين وحاجز بين دارين: دار الحياة الدنيا ودار الحياة الآخرة، دار العمل ودار الجزاء، دار الاختبار ودار الحساب، فالإنسان منا إذا مات استقبل حياة جديدة وبدأ حسابه وقامت قيامته حتى إذا أذن الله تبارك وتعالى لإسرافيل بالنفخ في الصور وبدأ النشور وحقت الحاقة ووقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت الأرض رجاً وبست الجبال بساً فكانت هباءً منبثاً يومئذ ينشق القبر من فوقك ويزحزح التراب عنك وتخرج عاريا تنفض عن رأسك الغبار وتقوم بين أفواج من البشر وأمواج من الخلائق من لدن آدم عليه السلام.
وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون .
يوم ندعو كل إناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرأون كتابهم ولا يظلمون فتيلاً ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً .
فماذا ستفعل أيها العبد المسكين أمام تلك الأهوال؟ وما الذي سينفعك وقتها؟ والله لن ينفعك وقتها مال ولا بنون؟ لن ينفعك إلا قلب سليم وركعة ركعتها في جوف الليل أو آية قرأتها من كتاب الله ترجو ثوابها أو صدقة وضعتها في يد يتيم أو دمعة نزلت من عينيك خوفا من الله جل
وعلا.!
" إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ "[ لقمان:34] .
عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنْزِلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ . رواه البخاري (4261) .
فما تزود مما كان يجمعه ***- ** سوى حنوط غداة البين مع خرق
وغير نفحة أعواد تشب له ***- ** وقل ذلك من زاد لمنطلق
لا تأسين على شيء فكل فتى ***- ** إلى منيته سيار في عنق
وكل من ظن أن الموت يخطئه ***- ** معلل بأعاليل من الحمق
بأيما بلدة تقـدر منيته ***- ** إن لا يسير إليها طائعا يبق
فلنأخذ العظة والعبرة من هذه الآيات والأحاديث ، وليحرص المسلم على تقديم ما ينفعه يوم القيامة وليستعد كل منا للموت .