تعتمد حركة النهضة الاسلامية الحاكمة في تونس وصاحبة اغلبية المقاعد في البرلمان استراتيجية "توافق" مع المعارضة العلمانية حول أبرز المسائل الخلافية في الدستور الجديد للبلاد، تمهيدا للخروج من الحكم الذي وصلت اليه نهاية 2025، وللتفرغ للاعداد للانتخابات القادمة، بحسب محللين.
والجمعة بدأ المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) بالمصادقة فصلا فصلا على دستور تونس الجديد الذي يشتمل على توطئة و146 فصلا.
ووعد علي العريض رئيس الحكومة والقيادي في حركة النهضة، بتقديم استقالة حكومته فور انتهاء المجلس التأسيسي من المصادقة على الدستور الجديد، وانتخاب الهيئة المستقلة لتنظيم الانتخابات.
ويرى سليم خراط المدير التنفيذي لشبكة "البوصلة" المتخصصة في رصد نشاط المجلس التأسيسي، ان حركة النهضة تريد من وراء اعتمادها استراتيجية توافقية مع المعارضة حول الدستور الجديد، الخروج من الحكم "مرفوعة الرأس".
وقال خراط لفرانس برس "قد تكون المصادقة على الدستور الإنجاز الوحيد الذي يمكن أن يحسب لحركة النهضة" نظرا لتردي الاوضاع الاقتصادية وتنامي مخاطر الجماعات السلفية المسلحة منذ أن تسلمت الحركة السلطة بعد فوزها في انتخابات 23 اكتوبر/تشرين الاول 2025.
وأضاف "التحدي بالنسبة إليهم (حركة النهضة) هو أن يُظهروا للعالم ان الاسلام السياسي لا يتعارض مع المعايير الديموقراطية الدولية، وخاصة إذا رأينا ما يحصل في بلدان عربية اسلامية أخرى".
ونجحت حركة النهضة حتى الان في احتواء عناصرها المتشددة، ودفعتهم الى القبول بتضمين الدستور التوافقات "الصعبة" التي تم التوصل اليها مع المعارضة العلمانية.
وفي الأول من حزيران/يونيو 2025 نشر المجلس التأسيسي على موقعه الالكتروني نسخة "نهائية" من مشروع الدستور.
وفي حينه رفضت المعارضة تلك النسخة واتهمت حركة النهضة بـ"تزوير" النسخة الاصلية من مشروع الدستور وتضمينها فصولا قالت انها تمهد لإقامة دولة "دينية".
وفي 18 حزيران/يونيو 2025 أنشأ المجلس التأسيسي "لجنة توافقات" مهمتها تحقيق توافق واسع بين المعارضة وحركة النهضة حول المسائل الخلافية الرئيسية في مشروع الدستور.
وصاغت اللجنة مؤخرا مسودة جديدة للدستور ضمّنتها العناصر "التوافقية" التي تم التوصل اليها.
والجمعة اضطرت حركة النهضة إلى قبول مطلب المعارضة إضافة بند الى الفصل السادس من الدستور يقول "يُجَرَّمُ التكفير والتحريض على العنف".
وقبلت النهضة هذا المطلب بعدما أدلى حبيب اللوز النائب والقيادي المحسوب على الجناح المتشدد في الحركة بتصريح لاذاعة خاصة قالت المعارضة انه تضمن "تكفيرا" للنائب العلماني في المجلس التأسيسي منجي الرحوي، الذي أعلن صدور فتوى بقتله على خلفية تصريحات اللوز.
وأعلنت وزارة الداخلية تعزيز الحراسة الامنية التي تخصصها لمنجي الرحوي خشية اغتياله.
وقال سليم خراط ان حركة النهضة "تبذل جهدا حقيقيا لاحترام التوافقات التي توصلت اليها مع المعارضة رغم ان نوابها في المجلس التاسيسي غير متجانسين".
ويرى مراد السلامي الصحافي في يومية "لوكوتيديان" التونسية الناطقة بالفرنسية أن حركة النهضة تريد اقامة الدليل على ان "الاسلام والديمقراطية لا يتعارضان".
ويعتبر السلامي أن النهضة شعرت بأن الرياح صارت تجري عكس ما تشتهيه سفنها منذ أن أطاح الجيش المصري بنظام الرئيس الاخواني محمد مرسي.
وقال "اعتقد ان النهضة أخذت العبرة من فشل الاخوان المسلمين في مصر، ولهذا قبلت التنصيص على +حرية الضمير+ في الدستور وقبلت بتنازلات تتعلق بالعلاقة بين الاسلام والدولة".
وأضاف ان تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية في تونس على تردي ظروف المعيشة وارتفاع البطالة، وعجز الحكومة الحالية التي تقودها الحركة عن الاستجابة للمطالب الاجتماعية المتنامية، جعل النهضة تبحث عن التخلص سريعا من الحكم حتى تتفرغ للاعداد للانتخابات القادمة.
وأثار رفع الضرائب في ميزانية الدولة لسنة 2025 سخط المواطنين والعمال الذين تراجعت قدرتهم الشرائية بسبب غلاء الاسعار.
ومهما تكن التوافقات التي يتم التوصل اليها في الدستور، فإن التحدي الحقيقي سيكون تضمينها في قوانين البلاد وهي مهمة موكولة الى البرلمان القادم.
ويقول سليم الخراط "سواء ربحت النهضة او المعارضة (..) الانتخابات القادمة، لا شيء يضمن ان الدستور سيتم تطبيقه كما ينبغي".