462 عامًا والمصريون يحتفلون بالمولد النبوى.. سرادقات حلوى وألعاب بهلوانية ومنشدون أبرز ملامح الاحتفال.. الحصان والعروسة للأطفال.. وصلة الرحم للكبار.. ونصر فريد واصل: المولد النبوى جائزة للمسلمين
يدق كل عام بتاريخ يعتبر هو الأحلى عند المسلمين وهو يوم 12 ربيع الأول، يوم ميلاد صاحب المقام الرفيع محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذى عرف المصريون طرق الاحتفال به فى عهد الحليفة الفاطمى "المعز لدين الله" عام 973 هــ
ومع بداية شهر ربيع الأول من كل عام تقام سرادقات كبيرة حول أكبر المساجد المعروفة على مستوى مصر، تضم تلك السرادقات باعة للحلويات التى يطلق عليها "حلوى المولد النبوى"، رغم توافرها طوال العام فى بعض الأماكن إلا أنها تنتشر بصورة كبيرة فى هذا التوقيت من كل عام، بالإضافة إلى أصحاب الألعاب البهلوانية، وعمل ركن خاص للمنشدين والمداحين المتخصصين فى مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يأتى الزوار من المحافظات والقرى إلى أشهر الجوامع المعروفة فى العاصمة القاهرة، من أمثال مسجد الإمام الحسين، والسيدة نفيسة والسيد زينب، لشراء حلويات المولد من جانبهم، والعروسة والحصان الحلوى.
وتعد حلوى المولد من المظاهر التى ينفرد بها المولد النبوى الشريف فى مصر، وهى متعددة الألوان والأشكال ويأتى على رأسها حلوى السمسمية، الحمصية، الجوزية، البسيمة، الفولية والملبن المحشو بالمكسرات، بالإضافة إلى صناعة لعب أطفال من حلوى السكر والتى يعشقها الأطفال، وتفضل الإناث حلوى العروسة، أما الذكور كان لهم الحصان، وقد ارتبط ذكرى المولد فى وجدان جميع الأطفال المصريين على مر العصور بهذه العرائس والألعاب، ويعد الفاطميين هم أول من بدأوا صنع العروس من الحلوى فى المولد.
أما موكب الحصان اختصت به بعض المناطق فى مصر مثل المناطق الشعبية وبعض القرى الثرية، ومن أشهرهم موكب الحصان الخاص بمنطقة الدراسة والذى كان يسير فى شارع الأزهر حتى يصل إلى مسجد الحسين، وكان الحصان مزينًا بملابس نقش عليها ذكر الله وأسماء الخلفاء الراشدين الأربعة والصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم.
واختلف قديما الاحتفال بالمولد النبوى وفقا لكل محافظة وعاداتها وتقاليدها، ورغم هذا الاختلاف تبقى مظاهر الفرحة هى السائدة على الجميع، فكان الاحتفال فى القرى الريفية يعتمد على خروج المنشدين والطرق الصوفية والمحمدية من أكبر وأقدم جامع بالقرية أو المركز والسير فى جميع أنحاء المركز على العربات الكبيرة التى يجرها الحصان وهم ينشدون حتى يستمع إليهم الجميع، ويقوم أهل القرية بإلقاء الحلوى عليهم، تعبيرا عن استمتاعهم بما يسمعون وفرحتهم بالمولد، وتجمع كل الأسر فى بيت "العيلة" لتناول أشهى الأطعمة والمعايدة على بعضهم البعض، ويعتبر هذا المولد إلزام على العريس إحضار عروسة المولد وعلبة الحلوى لخطيبته وأسرتها، وينطبق ذلك على بعض الأسر التى لها أصول ريفية وهى تسكن المدن الكبرى.
على الجانب الآخر يأتى احتفال أهل المدن الكبرى بالذهاب إلى الأماكن الأكثر شهرة لرؤية المظاهر التى تورد إليهم خصيصا فى المولد، مثل الألعاب البهلوانية وركن المنشدين، بالإضافة إلى شراء الحلويات للأطفال والأقارب، ويتم فى هذا اليوم تبادل الزيارات العائلية.
وبجوار جامع السيدة زينب، يقف عم حسين محمود، منذ أكثر من 35 سنة، لبيع حلوى المولد، ويتذكر زمن الاحتفال الجميل بالمولد النبوى، ويقول "لم يبق من الاحتفالات القديمة غير الحلوى وروح العيد الذى افتقد جماله عند الأجيال الجديدة، لأنهم لا يعرفون عن الماضى إلا حكايات، كانت الحلوى لها طعمًا مختلفًا وكانت بسيطة بعض الشىء عن الآن، وقد أخذت تتطور مع تطور الصناعات الأخرى، والشعب ذاته كان يحتفل دون التفكير فى الهموم التى أصبحنا نفكر فيها ليل نهار، أقيم شادر الحلويات هذا منذ أكثر من 35 سنة بجوار مسجد السيدة زينب، لم يكن هناك فى المولد النبوى قديما أحد يدخل للسرقة، حتى من كانوا يشتهرون بالسرقة كانوا يخجلون من السرقة فى هذه الأيام، ولكن منذ 15 سنة زاد فكرة الحضور إلى شوادر الذكر وتجمع المواطنين لسرقتهم فى مولد صاحب المقام الرفيع عليه أفضل الصلاة والسلام.
وينظر عم حسين إلى العرائس البلاستيكية ويقول: "منذ 20 سنة تغير الحال واستبدلوا العروسة القديمة التى كانت تصنع من الحلوى بأخرى بلاستيكية، وهذا قلل من قيمة الموروث الشعبى الذى تربينا عليه جميعا".
كانت العروسة تصنع من السكر على هيئة حلوى مجمعة بالأيدى، وتزين بالأوراق الملونة والمراوح الملتصقة بظهرها، مع زخرفتها بزخارف رائعة مثل الزهور، وبنفس الطريقة يصنع حلوى للذكور من الحصان أو الجمال، ولكن الآن العرائس بلاستيكية، ورغم ذلك هناك البعض لازال يصنع عرائس المولد والحصان ولكن بأحجام صغيرة.
ويضيف: "وتظل السنة المحمدية هى الباقية على الاحتفال بالطرق القديمة من حلقات ذكر وإنشاد دينى ومدح فى سيدنا النبى محمد صلى الله عليه وسلم، أما بالنسبة للعائلات أصبح كبار العائلة فقط هم من يتمسكون بإحضار علب الحلويات وإهدائها إلى أبنائهم".
ويعلق الدكتور نصر فريد واصل، مفتى الجمهورية الأسبق، على مظاهر الاحتفال الحديثة بالمولد ويقول: "مظاهر البهجة والاحتفال بالمولد النبوى جائزة ومستحبة طالما لا تخرج عن مبادئ الشريعة الإسلامية، وعادات وتقاليد المصريين فى المولد النبوى تحث على إعادة أواصر العلاقات بين الأسر والأفراد، فتذهب الأسر لزيارة بعضهم البعض وإهدائهم علب الحلويات وإدخال الفرحة على الأطفال، بالإضافة إلى إنشادهم فى حب سيدنا محمد رسول الله كثيرا".