تمكن الزعيم الشيعي نوري المالكي من البقاء على قمة السلطة في العراق منذ عام 2006 بفضل مهاراته السياسية لكنه لم يتمكن بعد من معالجة جراح البلد الذي روعه الطغيان والاحتلال والصراع الداخلي.
ويقول منتقدوه أنه ساهم في تفاقم ذلك الوضع باكتسابه السيطرة دون موجب على قوات الجيش والشرطة وأجهزة الأمن واستخدامها بلا حساب ضد السنة وغيرهم من خصومه السياسيين مع السماح بوقوع انتهاكات جسيمة في السجون ومراكز الاحتجاز.
ومع تزايد نشاط القاعدة من جديد وصل العنف الى أعلى مستوياته في خمس سنوات ويشعر أبناء الأقلية السنية بالمرارة والأكراد بالقلق. وبرغم الدخل الكبير من صادرات النفط فما زالت فرص العمل والخدمات الأساسية شحيحة بعد مرور عشر سنوات على الإطاحة بصدام حسين على أيدي قوات الغزو بقيادة الولايات المتحدة.
ومع ذلك قد يمنح الناخبون في إبريل نيسان فترة ولاية ثالثة للمالكي وهو سياسي محنك عركته التجارب لم يكن معروفا على نطاق واسع قبل أن يصبح رئيسا للوزراء قبل ما يقرب من ثمانية أعوام أو قد يتيحون له على الأقل الأفضلية فيما قد يعقب الانتخابات من تشاحن وتنافس على المنصب.
وتلقى تجربة المالكي الشخصية من تعرض للقمع والترهيب في عهد صدام صدى بين أبناء الأغلبية الشيعية التي تمثل ثلثي السكان.
وقد أمضى قسطا وافرا من حياته قبل غزو عام 2003 في المنفى في العراق وإيران يدبر للثورة ويتحسب للخيانة.
ولد المالكي عام 1950 في قرية جناجة التي تقع بين بساتين النخيل على ضفاف الفرات في جنوب البلاد لأسرة تشتغل بالسياسة إذ كان جده يكتب شعرا يحرض على الثورة على الاحتلال البريطاني وكان أبوه من غلاة القوميين العرب.
وانضم سرا وهو شاب إلى حزب الدعوة الاسلامي الشيعي ودرس في كلية الشريعة في جامعة بغداد ثم أصبح موظفا حكوميا في الحلة جنوبي العاصمة.
وفي عام 1979 احتجز لفترة وجيزة ثم هرب مفلتا من قبضة شرطة صدام التي كادت تطبق عليه. وعلى مدى السنوات العشر التالية صودرت أرض أسرته وقتل العشرات من أقاربه. ولم ير قريته ثانية الا بعد الغزو عام 2003.
ولعل هذا التاريخ الحافل بالاضطراب يلقي بظلاله على نظرته للأمور الآن.
وقال كريسبن هاوس المدير التنفيذي لمؤسسة تنيو إنتليجنس الذي تابع حياة المالكي العملية عن كثب لسنوات "لقد كشف عن قدرة فائقة على المناورة وصرامة لا تلين."
وأضاف "ومن بين الأسباب التي تفسر تلك الصرامة نظرته ذات الطابع العملي الصرف للحياة السياسية العراقية. فهدفه الوحيد هو النهوض بمصالح جمهوره (الشيعي)."
ويفتقر المالكي إلى الجاذبية لكنه صاحب عزيمة لا تلين وتصميم لا يحيد على التفوق على أعدائه وخصوصا بعد فوز كتلة العراقية التي يدعمها السنة ويقودها الشيعي العلماني إياد علاوي بفارق ضئيل في انتخابات عام 2025 البرلمانية وتمكنه بعدها من خلال المناورات من إخراج ساستها من دائرة التأثير.
وربما يكون قد فاز على علاوي وضمن مدة حكم جديدة بدعم من إيران والولايات المتحدة بعد أزمة سياسية استمرت ثمانية أشهر لكن صدمة الهزيمة الأولية جعلته يشدد فيما يبدو أسلوب حكمه.
ونقل خبير شؤون العراق في كلية لندن للاقتصاد توبي دودج عن مستشار كبير سابق للمالكي قوله ان رئيس الوزراء بدأ بعد تشكيل حكومته في 2025 يحتفظ لنفسه باتخاذ القرارات على نحو أوسع كثيرا من ذي قبل.
ونسب دودج الى المستشار قوله "لقد بلغ به الارتياب كل مبلغ ولم يعد ينصت لأي نصح."
وكانت الانتخابات أيضا محبطة للسنة فبعد أن قاطعوا الانتخابات السابقة التي دعمتها الولايات المتحدة وضعوا ثقتهم اخيرا في صندوق الاقتراع وأيدوا كتلة العراقية لكن بعد أن نجحت حيل بينها وبين صنع القرار. وقال دودج "في إطار هذه الخلفية تفشى العنف والعداء في الأنبار."
ويجابه المالكي الآن تحديا ضخما من جانب المقاتلين المرتبطين بالقاعدة الذين سيطروا على الفلوجة في محافظة الأنبار السنية المتاخمة لسوريا حيث يقاتل هؤلاء المسلحون أيضا.
وهو يطالب عشائر الفلوجة ومواطنيها بطرد المسلحين لكنه يقول إن الجيش لن يهاجم المدينة.
وينفي المالكي (63 عاما) الذي كافح على مدى عشرات السنين ضمن حزب الدعوة الاسلامي الشيعي السري نظام صدام الذي كان السنة يهيمنون عليه أن نظرته طائفية.
وقال لرويترز هذا الاسبوع إنه لا يقاتل في الأنبار لأن أهلها سنة فقد سبق وقاتل ميليشيات شيعية مضيفا ان القاعدة والميشيليات شيء واحد فكل منهما يقتل الناس ويفجرهم.
وكان قد أرسل قوات الجيش عام 2008 للتصدي لميليشيات فصائل شيعية منافسة كانت تسيطر على البصرة في جنوب البلاد.
ويضع المالكي ضمن مبادئه الأساسية القضاء على الطائفية والميليشيات إلى جانب النهوض باستقرار العراق ووحدته وسيادته وبناء قوته دون تهديد لجيرانه.
وينبغي له أيضا الموازنة بين العلاقات مع الولايات المتحدة التي حمل غزوها الشيعة إلى سدة السلطة وبين العلاقات مع إيران التي لها نفوذ في العراق أكبر مما للقوة العظمى.
ويقول المالكي وهو وطني عراقي فخور بوطنيته إنه لا يدين بأي فضل لأي منهما ويريد علاقات طيبة مع كلتيهما ويضع مصالح العراق في المقام الأول: "مصلحة العراق هي التي تحدد التوازن. اين مصلحة العراق؟ وهذا ما يفهمه الجانبان."
وقال هاوس إن المالكي بذل جهدا خاصا للحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة "برغم صرخات الاحتجاج من إيران".
وتابع أن المالكي يبدي كذلك تعاونا كبيرا مع إيران عندما يناسبه ذلك مضيفا "لكنه ليس ذلك التابع الخاضع لايران كما يصفه معارضوه أو كما يرونه عادة."
وقد أرسلت الولايات المتحدة مساعدة عسكرية محدودة لتعين بغداد على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المرتبط بالقاعدة والذي يقاتل ايضا في الحرب الاهلية السورية.
لكن واشنطن حثت المالكي كذلك على الاستجابة للسنة الذين يشعرون بأنهم باتوا عرضة للتهميش بعد عهد صدام.
وقال المالكي لرويترز ان الحكومة ستسلح وتدفع راتبا لكل من يحارب القاعدة في إطار مجالس الصحوة العشائرية السنية التي ساعدت القوات الامريكية في طرد المسلحين من الانبار عامي 2006 و2007.
لكن هذا العرض قد لا يبشر بتنازلات سياسية للسنة او بخطوات نحو مصالحة حقيقية وهي امور يصعب عليه ان يقنع بها انصاره الشيعة الذين تستهدفهم تفجيرات القاعدة الانتحارية ضمن ما تستهدف.
وقال جيمس جيفري وهو سفير امريكي سابق في العراق "انه مثل كل الشيعة يشعر بقلق شديد فهم يكنون خوفا شديدا من نهوض السنة ليعيدوا الشيعة والأكراد إلى مكانهم."
واضاف مشيرا الى جهود المالكي لتقييد الجامحين في طائفته إن الميليشيات الشيعية لم ترد في الاونة الاخيرة بالانتقام من المدنيين السنة كما فعلت عندما بدأت القاعدة موجة العنف الطائفي في 2006 و2007. وقتل عشرات الآلاف من العراقيين في ذلك العنف.
وقال جيفري "ربما يستحق المالكي الى حد ما بعض الإشادة على ذلك إن كان يستحق بعض اللوم على تأجيج الموقف مع السنة."
ويستخدم المالكي لغة طائفية في بعض الاحيان فكثيرا ما يخلط بين المعارضة السياسية السنية وبين القاعدة والارهاب.
وقال دودج في كلية الاقتصاد في لندن "تسعده نتيجة ذلك وهي حشد أصوات الناخبين الشيعة وراءه."
وحث الرئيس الأمريكي باراك أوباما المالكي خلال لقائه به في واشنطن في نوفمبر تشرين الثاني على الإعلاء من شأن المصالحة الطائفية لكن النفوذ الامريكي ضعف منذ انسحاب القوات الامريكية قبل عامين.
وقال مسؤول امريكي كبير عندما سئل ان كانت واشنطن تعتبر المالكي زعيما يهتم بصدق بإقامة حكومة أكثر شمولا لكل الأطياف "الزعماء هم الزعماء الموجودون وعلينا أن نعمل معهم بأفضل شكل ممكن."
وقال جيفري ان المالكي ليس بالرجل الذي يسهل التأثير عليه.
واضاف "من واقع خبرتي اذا هددته وقلت له لن نعطيك مساعدة فلن يجبره ذلك على القيام بما لا يريد القيام به لانه بصراحة يستطيع اللجوء إلى الإيرانيين أو الروس. لكن عليه برغم ذلك أن يلجأ الينا حتى يحافظ على التوازن."
ويقول المالكي وهو متزوج وله اربعة أبناء إن عمله لا يتيح له وقتا لأي شيء خارج مجال العمل السياسي وحياته العملية التي يقول انها تسترشد دائما بالمبادئ نفسها.
وقال لرويترز انه كان دائما وسيظل ما هو عليه وليس له شخصية معلنة وأخرى خفية.
من أليستر ليون ويارا بيومي
(ساهم في التغطية سؤدد الصالحي في بغداد ومات سبيتالنك في واشنطن - اعداد عمر خليل للنشرة العربية - تحرير أحمد حسن)