ثلاث سنوات مرت كأنها ثلاثين، سنوات كبيسة، بدأت بالتنكيت والأمل، ووصلت إلى الاستقطاب والجدل، وربما لم يكن أى ممن خرجوا فى 25 يناير 2025، يعرفون أنها سوف تنتهى إلى هذا الحال من الاستقطاب والجدل والخوف والصراع.
فى الذكرى الثالثة لمظاهرات يناير تتضارب المشاعر وتختلف الرؤى، بين تهويل، وتهوين، وأمل وغضب، تقدمت أشياء، وتراجعت أشياء، لمعت وجوه وأفلت وجوه، وسقطت وجوه ثالثة، تكشف الانتهازى والثورى والسياسى الطامح والسياسى الطامع، دخلنا فى تجربة بدت تهدد الدولة، أو تهدد الأهداف، أدخلت البلاد فى استقطاب وصراع، خرجنا من تجربة مبارك والحزب الوطنى لتجربة مرسى والإخوان. التى دفعت البعض لإبداء الندم، والهجوم على الثورة، التى لم تكن مسؤولة عن كل هذا، لكنها بالطبع أخرجت أجمل ما فى الوطن، وأكثره سوءًا، مثل كل الأحداث الكبرى، والاستثنائية، ولا ننسى أن مصر دولة مركزية، كانت تخضع لنظام حكم معقد وقوى تتداخل فيه العناصر الأمنية مع البيروقراطية العتيدة، ولم تكن كلها شراً، لكنها ترهلت تحت ضغط الفساد والتسلط وتداخل المال بالسلطة.
وبعد ثلاث سنوات من الثورة، تغيرت أشياء كثيرة، لكن تبقى الفكرة والأهداف والنية، لكل من خرج يطالب بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة، كانت الأغلبية ترفض الظلم والفساد والتزوير، ولم تخرج من أجل مغانم شخصية ولا مطامع انتهازية، ولعل هؤلاء الذين نظفوا الميدان يوماً ما، يريدون مصر نظيفة وعادلة، حتى لو كانت هناك وجوه انتهازية، نصبت وسرقت باسم الثورة، فقد كنستهم الثورة فى طريقها، مثلما كنست وكشفت كل من تآمر لسرقة جهود الملايين.
وأهم ما فى الثورة هو الحلم، والأمل فى التغيير للأفضل، وبالتالى فإن هؤلاء الذين خرجوا من أجل المستقبل، عليهم أن ينتبهوا إلى خطواتهم، وأن يتوقفوا عن السير فى الطرق الخاطئة، التى يمكن أن تكرر الأخطاء السابقة، فهناك أصوات تعود لتدفع نحو الصدام المجانى، وتحرض على إشعال الحرائق، وهؤلاء هم أنفسهم من سبق وتساقطوا فى انتهازيتهم، أو جرجروا الثورة لصدامات مجانية، وأن يعرفوا أن المظاهرة غير الثورة، وأن التظاهر وسيلة وليس غاية.
وأن الثورة فى أهم ملامحها، فعل تغيير للأفضل، وليس فعلاً فوضوياً بلا أهداف، وأن إصلاح المؤسسات غير إحراقها، وأن مكافحة الفساد غير الاقتتال، وأن عودة الابتسامة والأمل والسخرية جزء من أدوات نجحت فى إزاحة الاستبداد، أكثر مما نجح السلاح.
ربما يحتاج المصريون لاستعادة روحهم ووحدتهم، بعد ثلاثة أعوام تفرقت بهم السبل وكاد بعضهم يكفر بالثورة، بينما كانوا فى يناير ويونيو يخرجون من أجل المستقبل، وليس من أجل الماضى، أو أن يصنعوا أبطالا من ورق.