رغم تعالي الأصوات داخل اسرائيل وخارجها محذرة من المقاطعة الاقتصادية أو مطالبة بها بسبب استمرار احتلالها للاراضي الفلسطينية فلا يبدو أن هناك احتمالات تذكر أن تواجه اسرائيل تحركات جدية في هذا الصدد. وبعد أن سحب عدد من الشركات الأوروبية بعض الأموال حذر وزير المالية الاسرائيلي يائير لابيد من أن كل بيت في اسرائيل سيشعر بوطأة المقاطعة إذا انهارت محادثات السلام الجارية مع الفلسطينيين.
وحذر وزير الخارجية الامريكي جون كيري من ان اسرائيل تخاطر بالوقوع في براثن أزمة مالية إذا وقع عليها اللوم في انهيار المفاوضات لكن مستثمرين ودبلوماسيين يقولون إنهم غير مقتنعين بذلك.
وقد بدأت بالفعل بعض الشركات الاجنبية تتجنب بعض الشركات الاسرائيلية العاملة في القدس الشرقية والضفة الغربية وهي الاراضي التي استولت عليها اسرائيل في حرب 1967 كما أن غضب الاتحاد الاوروبي يتزايد من استمرار توسيع المستوطنات اليهودية.
لكن أغلب الأنشطة الاقتصادية الاسرائيلية يتركز في مناطق على ساحل البحر المتوسط بعيدا عن حواجز الطرق وأبراج المراقبة في الضفة الغربية وحتى القيادة الفلسطينية نفسها لا تطالب بمقاطعة اقتصادية كاملة.
وقال جوناثان ميدفيد الرئيس التنفيذي لمؤسسة أور كراود التي تسعى لتقديم التمويل للشركات الاسرائيلية من خلال التمويل الجماعي "المقاطعة تستخدم مثل بعبع أو قصة مخيفة تحكيها لطفل ليلا."
وأضاف في مكالمة هاتفية خلال زيارة لجنوب أفريقيا بحثا عن شركاء محتملين "الحقيقة أن اسرائيل قائدة عالمية في تكنولوجيا المياه والجيل التالي من الزراعة وأمن الانترنت والابتكار في الرعاية الصحية وفي مجال الشركات الجديدة. فمن هو العاقل الذي سيقاطع كل ذلك؟"
وساهمت قرارات الحظر والعقوبات والمقاطعة بالاضافة إلى المقاومة الداخلية في عزل جنوب افريقيا ثم وضع نهاية لسياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في الثمانينات.
ويأمل النشطاء المؤيدون للفلسطينيين أو المناهضون لاسرائيل استخدام الأساليب نفسها في ارغام رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو على توقيع اتفاق تقوم بمقتضاه دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967.
ويعتقد هؤلاء أن الخطوات الأخيرة التي اتخذها عدد من الشركات الاوروبية كي تنأى بنفسها عن اسرائيل قد تكون بداية لشيء أكبر.
وفي ديسمبر كانون الاول قالت شركة فيتنز الهولندية إنها لن تعمل مع شركة المرافق الاسرائيلية ميكوروت بسبب نشاطها في الضفة الغربية. وفي الشهر التالي أنهى صندوق معاشات استثماري هولندي كبير هو (بي.جي.جي.إم) استثماره في خمسة بنوك اسرائيلية بسبب تعاملاتها مع مستوطنات تعتبر مخالفة للقانون الدولي. وأدرج بنك دانسكي الدنمركي بنك هابوعليم الاسرائيلي في القائمة السوداء للسبب نفسه.
وهزت هذه التحركات الحكومة الاسرائيلية.
وقال لابيد في خطاب في وقت سابق هذا الشهر "إذا انهارت المفاوضات مع الفلسطينيين وبدأت المقاطعة الاوروبية حتى ولو جزئيا فإن الاقتصاد الاسرائيلي سيتراجع للوراء وسيتأثر دخل كل واحد مباشرة."
وعلى النقيض من بعض زملائه في مجلس الوزراء فإن وزير المالية يؤيد الانسحاب من أغلب الأراضي المحتلة سعيا لضمان التوصل إلى سلام.
وقال لابيد إن الفشل في ابرام اتفاق قد يؤدي إلى انخفاض بنسبة 20 في المئة في الصادرات للاتحاد الاوروبي ووقف الاستثمار الاوروبي المباشر وحذر من أن ذلك سيكلف الاقتصاد الاسرائيلي 11 مليار شيقل (3.1 مليار دولار) سنويا.
وأشار إلى قرار الاتحاد الاوروبي في الصيف الماضي حظر المساعدات المالية لأي مؤسسة اسرائيلية تعمل في الضفة الغربية وقال إن من الممكن توسيع نطاقه.
لكن دبلوماسيي الاتحاد الاوروبي يقولون إن التعاملات مع الشركات العاملة في المستوطنات مثل شركة أهافا لمنتجات العناية بالبشرة تمثل أقل من واحد في المئة من حركة التجارة بين اسرائيل والاتحاد الاوروبي والتي بلغت العام الماضي 36.7 مليار دولار ارتفاعا من 20.9 مليار في السنة السابقة.
ويمثل الاتحاد الاوروبي أكبر شريك تجاري لاسرائيل وهو المصدر الوحيد حتى الان الذي ترددت منه همهمات عن العقوبات خارج العالم العربي. ومن بين الدول العربية لا تقيم علاقات رسمية مع اسرائيل سوى مصر والاردن.
إلا أن أوروبا ليست موحدة فيما يتعلق بكيفية التعامل مع اسرائيل ولم تتفق حتى على وضع ملصقات على السلع الاسرائيلية الواردة من المستوطنات توضح أصلها وذلك على نطاق الاتحاد الاوروبي بأكمله.
وقال مارتن شولتز رئيس البرلمان الاوروبي هذا الشهر خلال زيارة للقدس سئل خلالها عما إذا كان الاتحاد الاوروبي سيفرض عقوبات على اسرائيل إذا فشلت مفاوضات السلام "ما من مقاطعة أوروبية."
وتقول حكومات دول الاتحاد الاوروبي إن على كل شركة أن تحدد سياساتها الاستثمارية الخاصة.
ورغم أن بضع دول منها بريطانيا وألمانيا وهولندا تحث الشركات على فصل روابطها بالمستوطنات فلا توجد أي عواقب لمن يسير في اتجاه مخالف سوى ما قد ينال من سمعته وذلك على حد قول وكالة تابعة لوزارة الخارجية البريطانية على موقعها على الانترنت.
وقال شولتز إنه "غير مقتنع بالضغوط الاقتصادية" وشكك في ضرورة وضع ملصق واضح يبين مصدر السلع الواردة من المستوطنات بما يتيح للمستهلك حرية الاختيار.
وتسعى حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات وهي حركة دولية إلى نتيجة أكثر ايجابية بوصم كل الأسماء التجارية الاسرائيلية بما يجبر الحكومة على الانسحاب من المستوطنات وتوقيع اتفاق سلام شامل.
وقال عمر البرغوثي الذي شارك في تأسيس الحركة لرويترز إنه شعر بتغير المناخ الدولي وشجعته بصفة خاصة أنباء سحب استثمارات في بنوك اسرائيلية.
وأشار إلى أنه يتحدث عن شيء أكبر بكثير من مقاطعة المستوطنات وقال إن استهداف البنوك أفضل كثيرا لانها عماد الاقتصاد الاسرائيلي.
إلا أن قرارات سحب الاستثمارات مثل قرار بنك دانسكي الدنمركي هي الاستثناء لا القاعدة.
فقد نفى دويتشه بنك أكبر بنوك ألمانيا الاسبوع الماضي تقارير ذكرت أنه سيقاطع البنوك الاسرائيلية في حين أعلن صندوق المعاشات الهولندي العملاق إيه.بي.بي هذا الشهر أنه أجرى مراجعة ولا يرى ضرورة لقطع الصلات بالبنوك الاسرائيلية.
ومع كل هذا يتواصل اقبال الشركات الاجنبية على اسرائيل. وتظهر أحدث بيانات بنك اسرائيل المركزي أن الاستثمار المباشر بلغ 10.51 مليار دولار في الاشهر التسعة الأولى من العام الماضي ارتفاعا من 9.5 مليار في عام 2025 كله. وزادت الصادرات لاوروبا بنسبة 6.3 بالمئة العام الماضي.
ولشركات عالمية كبرى مثل جوجل وسيسكو ومايكروسوفت وتويتر وأبل وفيسبوك استثمارات في اسرائيل ولذلك فإن مستخدمي الكمبيوتر والهواتف الذكية وتطبيقاتها ربما كانوا يدعمون التكنولوجيا الاسرائيلية سواء شاءوا ذلك أم أبوا.
وقال أوريل لين رئيس غرفة التجارة الاسرائيلية لرويترز "كل الحديث عن المقاطعات لم يلحق حتى الآن أي ضرر باقتصادنا."
وأضاف "اسرائيل مرت بمقاطعات أشد وطأة في الماضي. فعلى سبيل المثال لم تربطنا علاقات تجارية بالصين لسنوات ولمدة طويلة لم نكن نستطيع أن نشتري النفط الخام سوى من المكسيك ومصر. ولذلك فمن المؤكد أننا نستطيع تحمل المقاطعات."
من كريسبيان بالمر
(إعداد منير البويطي - تحرير محمد هميمي)