وحده الإنسان يبتسم
البعض منّا نجده دائم البحث عما يحفز قلبه ومشاعره،
ويزيد من دافعيته في الحياة، ولكل منّا طريقته وفلسفته
في ذلك، فمنا مَنْ يحفز مشاعره بسماع الموسيقى، والآخر
باقتناء القطع الأثرية، أو الاطلاع، أو شراء النفائس من
متاع الحياة، وهناك مَنْ يبحث عن هذا التحفيز في
علاقات غرامية مؤقتة، أو في التجوال حول العالم،
أو في تقديم الخير هنا وهناك.
لكن أيا كان سعيك قارئي الفاضل لتحقيق تلك الغاية،
التي باتت كالسراب في حياة البعض فإنّها قريبة ويسيرة
ولا تحتاج إلى أن تعرض حقيقتها ومفتاحها الأوّل الذي
يفتح لك هذا الباب، وأرجو منك أن تستكمل القراءة قبل
أن تحكم على هذا المفتاح بعدم جدواه.
فإن كنت تريد تحفيز قلبك، وتحفيز مشاعرك..
إن كنت تريد وتبغي
الاتّجاه نحو الحياة فما عليك إلا أن تبتسم.
نعم، أن تبتسم.. قد يبدو الأمر الأوّل ليس ذا جدوى،
ما عليك إلا أن تتابع القراءة، فقد تتغير مفاهيمك
نحو هذا الفعل الإنساني الجميل.
أوّل ما يستوجب أن تعرفه هو أنّ الابتسامة
تخص الإنسان فقط، فكل المخلوقات الحية لا قدرة لديها
على الابتسام، إذن فهي من الأمور
التي ميز الله بها هذا المخلوق (الإنسان).
فالابتسامة والعقل من الأمور التي تميّز الإنسان
عن سائر المخلوقات، فلنفكر معا. لمَ خص
الله تعالى الإنسان بالقدرة على الابتسام؟،
ولمَ قال فيها سيد البشرية
"تبسمك في وجه أخيك صدقة"؟!
إنّ الابتسامة انفعال إيجابي
هادئ، يهدر من القلب في لحظات الصفو
والرضا، في لحظات الحب والصدق، الابتسامة
عطاء، ورسالة واضحة فحواها "أنا إنسان
عاقل أحمل قلباً حانياً، وقلبي يملؤه الإيمان والعطاء".
فإن كنت عبوساً، ويفر منك القريب قبل البعيد فعليك
باتخاذ هذه التقنية.. كرر في حديثك الداخلي مع
ذاتك كلمات تلك الرسالة، كررها لمدة لا تقل عن
21 يوماً، ولكن انتبه فلهذه التقنية شروط، وهي:
1- أن تعقد نية العطاء أوّلاً، وأقصد بذلك عطاء خير.
2- أن تتفكر في فحوى الرسالة، وتستشعر
كلماتها، وتدرك معانيها بقلبك لا بعقلك.
3- كررها بتأن، فلا تمارس هذه التقنية
كما تمارس بقية برامجك اليومية،
أي لا تعدو ولا تتسارع في تكرارها.
4- كرِّرها في ساعات صباحك الأولى،
وأثناء النهار قبيل نومك بنصف ساعة.
5- خص أهلك بها أوّلاً فالأقربون أولى بالمعروف.
6- قص أثرها بكتابة النتائج في مفكرتك الخاصة.
7- علمها لأصدقائك، فبالعطاء تترقى.
8- لا تبخل بها أبداً وإن كان الطرف الآخر
عبوساً قمطريرا.
- فإنّك إن التزمت الشروط بدقة وإدراك وتعهدت
تدريب نفسك عليها، ووطنتها في ثنايا قلبك فإنك ستجني التالي:
1- من الصفات الجاذبة في الإنسان هي الابتسامة، لأنّها تخلق
الارتياح في نفوس الآخرين، والارتياح مطلب كل البشر.
2- الابتسامة تحفز هرمونات الاسترخاء في الجسم.
3- الابتسامة لمدة دقيقة تسكن الآلام الجسدية في حين
تحتاج العقاقير الكيميائية لخمس وأربعين دقيقة لتحدث ذات الأثر.
4- الابتسامة الشفافة الصادقة تجبر انكسار
القلوب وكشف جراحات الأيّام.
5- الابتسامة تجذب الرضا والحب والأمان.
6- الابتسامة الحانية تقنع الآخرين بأفكارك
وتثبت صدق مشاعرك.
7- الابتسامة المتسامحة تذيب الخلافات
وتقرب المسافات.
8- الابتسامة الراضية تجلب رضا الله تعالى.
أظنك انتبهت أنّ الابتسامة لها أنواع كما أسلفت،
نعم، فالابتسامة حياة متكاملة، فيها الكثير من المعاني،
وهناك مَنْ يعرف كيف يميِّز المشاعر المخبوءة وراء الابتسامة.
فإن كنت تريد الإبحار في غور حياة الابتسام وتتعرف
على معانيها ما عليك أن تربط الابتسامة بنظرة
العين، فالعين وبريقها وعمقها وصفاؤها تعكس
معنى الابتسامة، وهناك نوع عميق جدّاً من
أنواع الابتسام، وهو ابتسام العين فقط دون
الشفتين، وهي تعتبر أعمق الأنواع وأرقاها،
وهي من المؤشرات التي لا يلحظها إلا أصحاب القلوب النقية،
وهي لا تصل إلا لمثلها من القلوب.
ما ذكرته من نتائج يقتصر فقط على ما تستطيع
أن تلحظه من تأثير الابتسامة على الآخرين،
أمّا تأثيرها عليك، وأقصد بذلك تأثيرها المعنوي
عليك، فهو أكثر مما تستطيع أن تحويه هذه
الأسطر، فالابتسامة فلسفة العقلاء، وهي
سلوك الأسوياء، ومنهج الناجحين والصالحين،
فلا خير في عقل يسوده العبوس والتسلط
والتشنج الفكري، ولا خير في مسلك فظ
غليظ، ولا خير في نجاح لا يصل لقلوب الآخرين
ولا ينتفع منه صاحبه، فالابتسامة في
كل الحالات هذه إنما هي انعكاس لإدراك
الإنسان العاقل يتفرده بهذا الانفعال من بين سائر المخلوقات.
أقول، أثبتت الدراسات
النفسية بعد سنوات من البحث في مجال
علاقة المرأة بالرجل، أنّ أكثر النساء
يعتقدن خطأ أنّ الرجل تأسره المرأة
الممشوقة القوام أو التي تتفنن في خطوط الماكياج
وتعريجاتها، وتعتقد خطأ أنّ الميوعة واستخدام
الدهاء هما من وسائل أسر قلب الرجل، فالحقيقة
العلمية أثبتت أن أغلب الرجال تأسرهم المرأة البشوشة
المرحة، ذات الروح المتسامحة. الواثقة من نفسها
لا المثالية المتغطرسة، وإن كنتِ عزيزتي في
شك من هذا فاسألي أقرباءك من الرجال، فأنا
على يقين أنّ المرأة النكدية أو التي حاربت
الابتسام ينفر الرجل منها نفورا، ويتجنب
قربها، ويضيق صدره من رؤيتها، وأكثر
النساء بقاء في قلب الرجل، هي المرأة ذات
الابتسامة الصادقة، والروح الصافية، كما أنّ
الابتسامة مع الأبناء لها مفعول مهدئ،
وتنمي شخصياتهم، وتجعلهم واثقين من
أنفسهم، وتشعرهم بالاكتفاء العاطفي
الذي يجنبهم الصدامات العاطفية وآثارها
المدمرة، فقد أجمعت الدراسات المختصة
في بحث أسباب إدمان الشباب والشابات،
أن من أهم الأسباب الداعية لدفعهم لهوة
الضياع هو الفقر العاطفي، والتصلب في
معاملتهم من قبل والديهم، وهم أكثر حسّاسية
واستشعارا لأهمية تلك الابتسامة الحانية،
ويبحثون عنها ويطلبونها بإصرار،
وإن أخفقوا في إيجادها يوغلون في الضياع.
وأخيراً، الجنة هي مكان الرضا والابتسام
والحب والأمان وفي ذلك فليتفكر المستبصرون،
وهي إشارة لمن تكفيه الإشارة.
ودي وحبي