قصيدة (أبى الليل)
البحتري
أبَى اللّيلُ، إلاّ أنْ يَعُودَ بِطُولِهِ ....... عَلى عَاشِقٍ نَزْرِ المَنَامِ قَليلِهِ
لَعَلّ اقترَابَ الدّارِ يَثني دُمُوعَهُ، ....... فَيُقلِعَ، أو يُشفَى جَوًى من غَليلِهِ
وَما زَالَ تَوْحيدُ المَهَارِي، وَطَيُّهَا ....... بِنَا البُعْدَ من حَزْنِ الفَلاَ وَسُهُولِهِ
إلى أن بدا صَحنُ العِرَاقِ، وَكُشّفتْ ....... سُجُوفُ الدّجَى عَن مائِهِ وَنَخِيلِهِ
تَظَلُّ الحَمامُ الوُرْقُ، في جَنَبَاتِهِ، ....... تُذَكّرُنَا أحْبَابَنَا بِهَدِيلِهِ
فأحْيَتْ مُحِبّاً رُؤيَةٌ مِنْ حَبِيبِهِ، ....... وَسَرّتْ خَليلاً أوْبَةٌ مِنْ خَليلِهِ
بِنُعْمَى أميرِ المؤمِنِينَ وَفَضْلِهِ، ....... غدا العَيشُ غَضّاً بعدَ طولِ ذُبُولِهِ
إمَامٌ، يَرَاهُ اللهُ أوْلَى عِبَادِهِ ....... بحَقٍّ، وأهْدَاهُمْ لِقَصْدِ سَبِيلِهِ
خَليفَتُهُ في أرْضِهِ، وَوَلِيُّهُ ....... الرَضِيُّ لَدَيْهِ، وابنُ عَمّ رَسُولِهِ
وَبَحْرٌ يَمُدُّ الرّاغِبُونَ عُيُونَهُم ....... إلَى ظَاهِرِ المَعْرُوفِ فيهِمْ، جَزِيلهِ
تَرَى الأرْضَ تُسقَى غَيثَها بمُرُورِهِ ....... عَلَيْهَا، وتُكْسَى نَبْتَهَا بِنُزُولِهِ
أتَى مِنْ بِلاَدِ الغَرْبِ في عَدَدِ النّقَا، ....... نَقَا الرّملِ، مِنْ فُرْسَانِهِ وَخُيُولِهِ
فأسفَرَ وَجْهُ الشّرْقِ، حتى كأنّما ....... تَبَلَّجَ فيهِ البَدْرُ بَعدَ أُفُولِهِ
وَقَدْ لَبسَتْ بَغدادُ أحسَنَ زِيّهَا ....... لإقْبَالِهِ، واستَشْرَفَتْ لِعُدُولِهِ
وَيَثْنِيهِ عَنْهَا شَوْقُهُ وَنِزَاعُهُ، ....... إلى عَرْضِ صَحنِ الجَعفَرِيّ وَطُولِهِ
إلى مَنْزِلٍ، فيهِ أحِبّاؤهُ الأُولى ....... لِقَاؤهُمُ أقْصَى مُنَاهُ، وَسُولِهِ
مَحَلٌّ يُطِيبُ العيشَ رِقّةُ لَيْلِهِ ....... وَبَرْدُ ضُحَاهُ، وَاعتِدَالُ أصِيلِهِ
لَعَمْرِي، لَقَد آبَ الخَليفَةُ جَعْفَرٌ، ....... وَفي كلّ نَفسٍ حاجةٌ من قُفُولِهِ
دَعاهُ الهَوَى في سُرّ مَنْ رَاءَ فانكَفَا ....... إلَيها، انكِفَاءَ اللّيثِ تِلقَاءَ غِيلِهِ
على أنّها قَدْ كَانَ بُدّلَ طِيبُها، ....... وَرُحّلَ عَنْهَا أُنْسُهَا برَحِيلِهِ
وإفْرَاطُها في القُبحِ، عندَ خُرُوجِهِ، ....... كإفرَاطِهَا في الحُسنِ، عندَ دُخُولِهِ
ليَهْنَ ابنَهُ، خَيرَ البَنينَ، مُحَمّداً، ....... قُدُومُ أبٍ عَالي المَحَلّ، جَليلِهِ
غَدا، وَهوَ فَرْدٌ في الفَضَائِلِ كُلّها، ....... فهَلْ مُخبِرٌ عَن مِثلِهِ، أوْ عَدِيلِهِ
وإنّ وُلاةَ العَهدِ في الحِلمِ والتُّقَى، ....... وفي الفَضْلِ مِنْ أمثالِهِ وشُكُولِه
تاااااااابع
قصيدة (أُخْفي هَوًى لكِ )
البحتري
رائعة الغزل العربي
أُخْفي هَوًى لكِ في الضّلوعِ، وأُظهِرُ، ....... وأُلامُ في كَمَدٍ عَلَيْكِ، وأُعْذَرُ
وَأرَاكِ خُنتِ على النّوى مَنْ لَم يخُنْ ....... عَهدَ الهَوَى، وَهجَرْتِ مَن لا يَهجُرُ
وَطَلَبْتُ مِنْكِ مَوَدّةً لَمْ أُعْطَهَا، ....... إنّ المُعَنّى طالِبٌ لا يَظْفَرُ
هَلْ دَينُ عَلْوَةَ يُستَطَاعُ، فيُقتَضَى، ....... أوْ ظُلْمُ عَلْوَةَ يَستَفيقُ فَيُقْصَرُ
بَيْضَاءُ، يُعطيكَ القَضِيبَ قَوَامُهَا، ....... وَيُرِيكَ عَينَيها الغَزَالُ الأحْوَرُ
تَمشِي فَتَحكُمُ في القُلُوبِ بِدَلّها، ....... وَتَمِيسُ في ظِلّ الشّبابِ وَتَخطُرُ
وَتَميلُ مِنْ لِينِ الصّبَى، فَيُقيمُها ....... قَدٌّ يُؤنَّثُ تَارَةً، ويُذَكَّرُ
إنّي، وإنْ جانَبْتُ بَعضَ بَطَالَتي، ....... وَتَوَهَّمَ الوَاشُونَ أنّيَ مُقْصِرُ
لَيَشُوقُني سِحْرُ العُيُونِ المُجتَلَى، ....... وَيَرُوقُني وَرْدُ الخُدُودِ الأحْمَرُ
أللهُ مَكّنَ، للخَليفَةِ جَعْفَرٍ، ....... مِلْكاً يُحَسّنُهُ الخَليفَةُ جَعفَرُ
نُعْمَى مِنَ الله اصْطَفَاهُ بِفَضْلِها، ....... واللهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَيَقْدُرُ
فَاسْلَمْ، أميرَ المُؤمِنِينَ، وَلاَ تَزَلْ ....... تُعْطَى الزّيادَةَ في البَقَاءِ وَتُشكَرُ
عَمّتْ فَوَاضِلُكَ البَرِيّةَ، فالتَقَى ....... فيها المُقِلُّ عَلى الغِنَى والمُكثِرُ
بِالبِرّ صُمْتَ، وأنتَ أفضَلُ صَائِمٌ، ....... وَبسُنّةِ الله الرّضِيّةِ تُفْطِرُ
فَانْعَمْ بِيَوْمِ الفِطْرِ عَيْناً، إنّهُ ....... يَوْمٌ أغَرُّ مِنَ الزّمَانِ مُشَهَّرُ
أظهَرْتَ عِزّ المِلْكِ فيهِ بجَحْفَلٍ ....... لَجِبٍ، يُحَاطُ الدّينُ فيهِ ويُنصَرُ
خِلْنَا الجِبَالَ تَسِيرُ فيهِ، وقد غدتْ ....... عُدَداً يَسِيرُ بها العَديدُ الأكْثَرُ
فالخَيْلُ تَصْهَلُ، والفَوَارِسُ تدَّعي، ....... والبِيضُ تَلمَعُ، والأسِنّةُ تَزْهَرُ
والأرْضُ خَاشِعَةٌ تَمِيدُ بِثِقْلِهَا، ....... والجَوُّ مُعتَكِرُ الجَوَانِبِ، أغْبَرُ
والشّمسُ مَاتِعَةٌ، تَوَقَّدُ بالضّحَى ....... طَوْراً، ويُطفِئُها العَجاجُ الأكدرُ
حتّى طَلَعتَ بضَوْءِ وَجهِكَ فانجلتْ ....... تِلكَ الدّجَى وانجابَ ذاكَ العِثْيَرُ
وَرَنَا إلَيْكَ النّاظِرُونَ، فَإصْبَعٌ ....... يُومَا إلَيكَ بِهَا،وعيْنٌ تَنظُرُ
يَجِدونَ رُؤيَتَكَ،التي فَازوا بها ....... مِنْ أنْعُمِ اللهِ التي لا تُكْفَرُ
ذَكَرُوا بطَلْعَتِكَ النّبيَّ ، فهَلّلُوا ....... لَمّا طَلَعتَ من الصّفوفِ،وَكَبّرُوا
حتّى انتَهَيْتَ إلى المُصَلّى،لابِسًا ....... نُورَ الهدى،يَبدو عَلَيكَ وَيَظهَرُ
ومَشَيتَ مِشيَةَ خاشعٍ مُتَوَاضِعٍ ....... لله لا يُزْهَى، وَلا يَتَكَبّرُ
فَلَوَ أنّ مُشتَاقَاً تَكَلّفَ غَيرَ مَا ....... في وُسْعِهِ لَسَعَى إلَيكَ المِنْبَرُ
أُيّدْتَ مِنْ فَصْلِ الخِطَابِ بِحِكْمَةٍ ....... تُنبي عَنِ الحَقّ المُبينِ وَتُخْبِرُ
وَوَقَفْتَ في بُرْدِ النّبيّ، مَذَكِّراً ....... بالله، تُنْذِرُ تَارَةً، وَتُبَشِّرُ
وَمَوَاعِظٌ شَفَتِ الصّدُورَ مِنَ الذي ....... يَعْتَادُها، وَشِفَاؤها مُتَعَذِّرُ
حتّى لقَد عَلِمَ الجَهُولُ، وأخلَصَتْ ....... نَفسُ المُرَوّى، واهتَدَى المُتَحَيّرُ
صَلَّوْا وَرَاءَكَ، آخِذِينَ بعِصْمَةٍ ....... مِنْ رَبّهِمْ وَبِذِمّةٍ لا تُخْفَرُ
فَاسْلَمْ بِمَغْفِرَةِ الإلَهِ، فلَمْ يَزَلْ يَهَبُ ....... الذُّنُوبَ لمَنْ يَشَاءُ، ويَغفِرُ
أللهُ أعْطَاكَ المَحَبّةَ في الوَرَى، ....... وَحَبَاكَ بالفَضْلِ الذي لا يُنْكَرُ
وَلأنْتَ أمْلأُ للعُيُونِ لَدَيْهِمِ، ....... وأجَلُّ قَدْراً، في الصّدُورِ، وأكبَرُ
تااااااااابع