محاضرة ( الملعونات على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم )
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور
أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن
يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا
رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )
أمـا بعـد :.
فقد روى الإمام مسلم عن زيد بن أسلم أن عبد الملك بن مروان
بعث إلى أم الدرداء بأنجاد من عنده ، فلما أن كان ذات ليلة قام
عبد الملك من الليل فدعا خادمه فكأنه أبطأ عليه فلعنه ، فلما
أصبح قالت له أم الدرداء : سمعتك الليلة لعنت خادمك حين
دعوته سمعت أبا الدرداء يقول : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة .
والأنجاد : هو متاعُ البيت الذي يزيّنُه .
وروى مسلم عن أبي هريرة قال : قيل يا رسول الله ادع على
المشركين . قال : إني لم أبعث لعانا ، وإنما بعثت رحمة .
واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله .
ولما كان كذلك فقد حذّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من التعرض
لأسباب اللعن ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : اتقوا
اللعانَيْن . قالوا : وما اللعانان يا رسول الله ؟ قال : الذي يتخلَّى
في طريق الناس أو في ظلهم . رواه مسلم .
أي الذي يقضي حاجته في طريق الناس وفي ظلِّهم ، فيتعرّض
لِلَعنة الناس ، فتصيبه .
واشتكى رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ما يلقاه مِنْ جارِه
من الأذى ، فأمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يُخرِج متاعه
إلى الطريق ، فانْطَلَقَ فأخرج متاعه ، فاجتمع الناس عليه ،
فقالوا : ما شأنك ؟ قال : لي جار يؤذيني ، فذكرت للنبي صلى
الله عليه وسلم فقال : انطلق فأخرج متاعك إلى الطريق ،
فجعلوا يقولون : اللهم العنه . اللهم اخزه ، فبلغه فأتاه فقال :
ارجع إلى منـزلك فوالله لا أؤذيك .
رواه البخاري في الأدب المفرد .
والناس شهود الله في أرضه ، فلا يُعرّض الإنسان نفسه لِلعن الناس .
ويكثر اللعن في أوساط النساء ، ولذا لما خطب رسولُ الله صلى
الله عليه وسلم يوم العيد أتى النساء فقال : يا معشر النساء
تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار . فقلن : وبِـمَ ذلك يا رسول
الله ؟ قال : تكثرن اللعن ، وتكفرن العشير . رواه البخاري .
فهذا تحذير للمسلمات مِنْ كثرة اللعن والسب والشتم ، فيجب
على المسلمة تجنّب السب واللعن ؛ فإن كثرتَه سبب لدخول النار .
وقد لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عدداً من النساء ، لا
على سبيل التعيين بل بِذِكْرِ الصفات التي مِنْ كانت فيها استحقّت اللعن .
وأمر بلعن نساء اتّصفن ببعض الصفات المنهي عنها .
قال صلى الله عليه وسلم : سيكون في آخر أمتي رجال يَرْكَبون
على السُّروج كأشباه الرجال ينـزلون على أبواب المسجد .
نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف
العنوهن فإنـهن ملعونات » رواه أحمد والحاكم وصححه .
وأصله عند مسلم .
قال ابن عبد البر : وأما معنى قوله : كاسيات عاريات . فإنه أراد
اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يَصِف ولا
يَسْتُر ؛ فهن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة.
فالمرأة التي تلبس العاري – ولو امام النساء - قد عرّضت
نفسها أن تكون من هذا الصنف الذي لعنه النبي صلى الله عليه وسلم .
والمرأة التي تلبس الملابس الضيّقة - ولو امام النساء - هي في
حقيقتها كاسية ، وهي عارية من كمال الستر ، إذ يُشترط في
لباس الرجل والمرأة على حدٍّ سواء ألاّ يصف ولا يشِفّ ، فلا
يكون ضيقاً يُبدي حجم الجسم ، ولا شفافاً يصف لون البشرة .
قال النووي : معنى ( كاسيات ) أي من نعمة الله ،
و ( عاريات ) من شُكرها . وقيل معناه : تستر بعض بدنـها ،
وتكشف بعضه إظهاراً لجمالها ونحوه ، وقيل : تلبس ثوباً رقيقاً
يصف لون بدنـها .
وقد كان عمر رضي الله عنه يقول : لا تلبسوا نساءكم القباطي ،
فإنه إن لا يشِف يَصِف . رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة .
والقباطي ثياب رقاق .
فلا خير في امرأة تُعرّض نفسها للّعن ، والواجب أن تبتعد
المسلمة عن أسباب اللعن فإن الأمر ليس بالأمر الهيّن ،
(وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) [النور:15].
كان أنس بن مالك رضي الله عنه يقول للتابعين : إنكم لتعملون
أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر ، إن كنا لنعدها على عهد
النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات . رواه البخاري .
إذا كان هذا يُقال لخير القرون بعد قرن الصحابة ، فماذا يُقال لنا
نحن الذين نرتكب الكبائر الصريحة الموبقات المهلِكات ؟
ثم نظنّ بأنفسنا خيراً ، وننتظر الفردوس الأعلى !
وممن لعنهنّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم :
الواشمات والمستوشمات
والنامصات والمتنمصات
والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله .
فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بنِ مسعود رضي الله عنه
أنه قال : لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات
والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله .
قال : فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب ، وكانت
تقرأ القرآن فأتته فقالت : ما حديث بلغني عنك ؛ أنك لعنت
الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن
المغيرات خلق الله ؟ فقال : عبد الله وما لي لا ألعن من لعن
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله ، فقالت
المرأة : لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته ،
فقال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه قال الله عز وجل :
(وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر:7]
فقالت المرأة : فإني أرى شيئا من هذا على امرأتك الآن ! قال :
اذهبي فانظري . قال : فَدَخَلَتْ على امرأة عبد الله فلم تر شيئا ،
فجاءت إليه فقالت : ما رأيت شيئا ، فقال : أما لو كان ذلك ما
جامعتنا .
أي لو كان ذلك منها ما ساكَنَتْنا .
وتفسير تلك الأصناف الملعونة :
الواشمات هي التي تفعل الوشم ، وهو ما يُرسم تحت الجلد
سواء في الوجه أو في غيره
والمستوشمات اللواتي يطلبن مَنْ يفعل بـهن الوشم .
والنامصات اللواتي ينمصن النساء ، والنّمص هو نتف شعر
الوجه وشعر الحاجبين على وجه الخصوص ، والمتنمصات
مَنْ يطلبن من غيرهن أن يفعلن بـهن ذلك .
والمتفلجات للحسن ، مَنْ يُباعدن بين أسنانـهن سواء كان ذلك
بعملية أو بغيرها إذا تحقق فيها تغيير خلق الله ، وذلك من
وحي الشيطان ، لقوله تعالى حكاية عن إبليس :
(وَلآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا) [النساء:119] .
ويدخل في هذا الحديث الوشْر ، وهو تحديد الأسنان وبردها ،
لتكون في مستوى واحد .
وقد تتساءل بعض النساء عن نمص الحاجب إذا كان عريضا ،
أو عن بَرْدِ الأسنان إذا كانت كباراً ، أو إذا كانت تتـزيّن بذلك
لزوجها ، فقد جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فسألته ، فقالت : يا رسول الله إن ابنتي أصابتها الحصبة
فتمعّط ، وفي رواية ( فتمزّق ) شعرها ، وإني زوجتها أفأصل
فيه ؟ فقال : لعن الله الواصلة والموصولة .
رواه البخاري ومسلم .
فإذا كان هذا فيمن تساقط شعرها ، وتُريد أن تُزيِّنَها لزوجها فلم
يُرخّص لها ، فكيف بمن تتخذه للزينة ، فتلبس ما يُسمّى
" الباروكة " بقصد التجمّل ؟
ومثله نتف الحواجب أو شعر الوجه أو تفليج الأسنان أو وصل
الشعر بشعر آخر فكلّ ذلك داخل تحت اللعن ، فليس هناك عذر
لفعل شيء من تلك المحرمات .
ولما حجّ معاوية بن أبي سفيان قال وهو على المنبر – وتناول
قَصّةً من شعر كانت بيد حرسي – : أين علماؤكم ؟ سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه ، ويقول :
إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم .
رواه البخاري .
وروى البخاري ومسلم عن سعيد بن المسيب قال : قدم معاوية
بن أبي سفيان المدينة آخر قدمة قدمها فخطبنا فأخرج كُبّةً من
شعر ، فقال : ما كنت أرى أحدا يفعل هذا غير اليهود ، وإن
النبي صلى الله عليه وسلم سماه الزور ، يعني الوصال في
الشعر .
وممن لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من
النساء بالرجال ، والمتشبهين من الرجال بالنساء .
كما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس .
ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة
، والمرأة تلبس لبسة الرجل
ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء .
رواه أبو داود .
وقد أفتى العلماء أن وضع العباءة على الكتف تشبّـهٌ بالرجال .
وأن لبس النعال الكبيرة المفتوحة والتي تُشبه نعال الرجال مِن
التّشبّه بالرجال .
قيل لعائشة رضي الله عنها إن امرأة تلبس النعل ، فقالت : لعن
رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء .
رواه أبو داود وهو حديث صحيح .
وأن لابسة البنطال " البنطلون " تدخل تحت حديث :
صنفان من أهل النار .
والتّبرج من أسباب الطرد من رحمة الله والبعد عن الجنة ،
لقوله صلى الله عليه وسلم : خير نسائكم الودود الولود المواتية
المواسية ، إذا اتقين الله ، وشر نسائكم المتبرِّجات المتخيِّلات ،
وهن المنافقات ، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم .
رواه البيهقي ، وهو صحيح .
والأعصم الذي في يديه بياض ، أو في إحدى يديه .
وممن لعنهن النبيُّ صلى الله عليه وسلم : الخامشةَ وجهها ،
والشاقةَ جيبها ، والداعيةَ بالويل والثبور .
رواه ابن ماجه وابن حبان ، وهو حديث حسن .
أي التي تفعل هذه الأفعال عند المصيبة .
فإما أن تخمش وجهها بأظفارها إظهاراً للجزع ، وإما أن تشقّ
جيبها تسخُّطاً على القَدَر ، وإما أن تدعوا بالويل والثبور .
فتقول : يا ويلي . أو يا هلاكي ، أو يا خسارتي ، أو يا
مُصيبتي ! إذا مات الميت أو وقعت المصيبة .
وهذا بالإضافة إلى أنه من أفعال الجاهلية فهو يؤذي الميت .
وكل هذا مما يُعرّض المسلمة لأمر خطير بل هو في غاية
الخطورة ، وهو اللعن والطرد والإبعاد عن رحمة الله التي
وسعت كلّ شيء و
(رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف:56].
ورحمة الله للمتقين ، لقوله تعالى :
(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف:156] .
فالواجب على المسلمة أن تبتعد عن أسباب العن ، وألا تُعرّض
نفسها أن يُشَكّ في أمرها بعد موتـها : هل يُترحّم عليها أو لا ؟
فإنه لا أحد يتوقّف أو يتردد في الترحّم على عامة أموات
السلمين ، لكن هناك توقّف أو تردد فيمن مات على كبيرة ،
وكثيراً ما يُسأل عن حُكم الترحّم على أهل الكبائر .
ولا شك أن ما تُوعِّد فاعلُه بلعنةٍ أو بنارٍ أو ترتّب على فعله حدٌّ
في الدنيا أو الآخِرة أنه من الكبائر ، وأهل الكبائر تحت المشيئة
، إن شاء الله غفر لهم وإن شاء عذّبـهم .
والكبائر لا يُكفِّرها إلا التوبة النصوح ، بخلاف الصغائر ، فإنـها
تُكفِّر بالصلاة والصيام والعمرة ، واجتناب الكبائر ،
لقوله تعالى :
(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا) [النساء:31] .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : الصلوات الخمس والجمعة إلى
الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت
الكبائر . رواه مسلم .
وفي رواية له : ما لم تُغْشَ الكبائر .
فاجتنبي الكبائر ، وخذي على نفسك العهد من هذه اللحظة ومن
هذا اليوم أن تُقلعي عما اقترفتيه من كبائر ، مما ورد ذِكره
أو مما لم يَرِد مما تلبّستي به .
فإن التوبة تجبّ ما قبلها ، ولا تقولي : ( سوف ) و ( إذا )
و ( لعل ) فإن هذه من جنود إبليس
وإن هَوى بك إبليسُ لمعصيةٍ ***- فأهلكيه بالاستغفار يَنْتَحِبِ
منقول للفائدة
لا تنسونا من صالح دعائكم في ظهر الغيب