الشعر .. والشعر الشعبي
لا شك أن لكلمة الأدب والشعر المنزلة العظمى بين العقلاء من الناس فالشعر هو لسان الناس المعبر عن شعورهم وأحاسيسهم , وكلمة الأدب هي الكلمة المؤثرة في الجيل المحركة للنفوس الملهبة للحماس .
إن الأدب يعصم صاحبه من زلة الجهل , وأنه يروض الأخلاق ويلين الطباع , وأنه يعين على المروءة وينهض بالهمم إلى طلب المعالي والأمور الشريفة .
وما الشعر إلا من الشعور بل هو الشعور بذاته تفيض به النفس فيتحد بنغم يوقعه الشاعر على أوتارقلبه , ويحمله على أجنحة مخيلته فيولد ما يدعونه القصيـــــــــدة .
الشــــعر كما عرفه الكثير من العلماء والأدباء هــو :
الكلام المقيد بالوزن والقافية الذي قصد به الجمال الفني ( المعبر غالبا عن الانفعال وصور الخيال البديع ) .
وقد تجاوز بعضهم حدود الشعر بالمعنى السابق وأطلقه على كل كلام تضمن خيالا ولو لم يكن موزونا ومقفى .
والشعر موهبة تصقله الثقافة والتجارب التي يمر بها الشاعر في حياته ويكون لها أثر كبير في شعوره وتحريك وجدانه , ولا يستطيع من منحه الله موهبة الشعر إلا أن يكون شاعرا شاء ذلك أم أبى لأن الشعر شيء يختلج به الصدر وتفيض به المشاعر قبل أن ينطق به اللسان .
هو زاد المسافر وملهاة السامر ومسلاة للمهموم وسلوة للمكظوم , وهو جمال القول وفتنة الكلام .
الشعر وسيلة تعبير عن ما يدور في خلجات النفس البشرية ...
000
وهذا يشمل الشعر بشقيه : الشعر العربي الفصيح والشعر الشعبي
فالشعر الشعبي شعر عربي فقط لغته عامية لكنه يحمل خصائص وفنون الشعر العربي , وتوجد فيه جميع عناصر ومميزات الشعر العربي الفصيح من بلاغة وإيجاز وسرعة خاطر ودقة وصف واتحاد موضوع .
وهو ابداع يحمل الكثير من الملامح الجمالية ويحمل نفس الصور الابداعية التي يحملها أي ابداع آخر .
والحق أن في الأدب الشعبي صورا إنسانية ولفتات فلسفية لا يستهان بها , وهو إلى جانب ذلك فيه تاريخ أخلاقي للجزيرة العربية , وفيه تاريخ أحداث ووقائع أيضا .
وإذا نظرنا إلى الشعر العربي الفصيح والشعر الشعبي نجدهما ثمرة من ثمار العقل والتجريب ونبع ينبع من إحساس وشعور الشاعر .
ومما لا شك فيه أن للشعر الشعبي المكانة المرموقة بين أفراد المجتمع على اختلاف الطبقات وله بصماته الخاصة والواضحة وتأثيره بالنفوس . وقد قيل : من لا تراث له لا حضارة له .
لذا نجد كل الشعوب تعتز بتراثها وتحافظ عليه, والشعر بشقيه الفصيح والشعبي كلاهما يعدان من تراث العرب وسجل أمجادهم ومفاخرهم الماضية .
ومما يميز الشعر الشعبي اليوم هو أنه يصدر عن طبع وسجية مرسلة والشاعر الشعبي أبعد ما يكون من التكلف في خواطره واجترار العبارات وهو أي الشعر الشعبي من أجمل وأقرب الألحان إلى النفوس .
تسميته :
اختلفت آراء الباحثين والمؤلفين والشعراء في تسميته فمنهم من يطلق عليه الشعرالنبطي نسبة إلى الأنباط , ومنهم من يطلق عليه الشعر البدوي وأسماه بعضهم الشعر العامي وآخرون يطلقون عليه الشعبي ولم تستقر المواضعه على تسميته بعد .
تاريخه ونشأته :
بداية لا بد أن نعرف أن الشعر الشعبي ما ظهر إلا بعد أن فسدت اللغة العربية ودخلها اللحن والتحريف , فانتشرت العامية انتشارا واسعا وابتعد الناس عن الفصحى .
والشعر
الشعبي وافد إلى البادية ودخيل عليها كما أنه دخيل على الحاضرة , واسم هذا النوع من
الشعر عند أهل نجد يدل على أنه قد أتاهم من العراق أو من مشارف الشام فهم يدعونه بالنبطي وكانو يطلقون اسم الأنباط على فلاحي سواد العراق , وبدو مشارف الشام , لأن التحريف لحق اللغة العربية هناك قبل الجزيرة , لكونها أعجمية الأصل وقربها من الأعاجم .
... لا أحد يعرف متى بدأ ونشأهذا
الشعر الشعبي ولكنه قديم النشأة, ولو غابت النصوص القديمة فإن هذا
الشعر الشعبي المعاصر ما هو إلا امتدادا لذلك
الشعر القديم .
والشعر الشعبي القديم لا نشك في أنه لم يأتي دفعة واحدة .
... ولكن أقدم من تحدث عن
الشعر البدوي هو المؤرخ العربي المسلم ابن خلدون المتوفي عام 808 هـ فقد أورد عدة نصوص شعرية في مقدمتة نسب بعضها إلى شعراء بني هلال وكان ذلك خلال القرن الثامن الهجري .
وأقدم نص يروونه من
الشعر النبطي على لسان عليا حبيبة أبي زيد الهلالي في القرن السابع الهجري , أرسلته إليه وهو في بلاد المغرب يقاتل البربر ومنه :
....... تقول فتاة الحي عليا مثايل***- *ولا قايل مثلها في الحي قايل
....... يالله أن تهيي لي طروش لجلهم***- *يسيرون ما بين الصخر والقوايل
كذلك من أقدم القصائد والمشابهه لشعر بني هلال , قصائد تنسب للشاعر جعيثن اليزيدي في القرن التاسع .
هذه الأشعار والقصائد التي وردت في مقدمة ابن خلدون لا تختلف عما هي عليه أشعار عمالقة
الشعر الشعبي المعروفيين .
.... وقد أصيب
الشعر الشعبي القديم بما أصيب سلفه
الشعر الجاهلي الفصيح من انتشار الأمية بين الناس واعتمادهم على الرواية والحفظ والذاكرة , كما أن أدباء الحاضرة كانوا يستهجنونه فضاع منه الشيء الكثير بل الأكثر . ولولا ما دون منه في السنوات الأخيرة لضاع كله .
ولم يصل إلينا من أشعار القرون الوسطى إلا النزر اليسير
وأقدم من دونت أشعارهم راشد الخلاوي , وابو حمزة العامري من اهل الأحساء وقطن بن قطن من عمان, ورميزان , وجبر بن سيار من أهل سدير , وقد عاش هولاء في القرنين العاشر والحادي عشر الهجري .
وكانوا ينظمون
الشعر الشعبي على أوزان
الشعر العربي الفصيح وتفاعيله وبحوره ولا يقيمون الإعراب لفساد اللغة .
إلى أن جاء الشاعر المشهور محسن الهزاني من أمراء الحريق , فجدد في
الشعر الشعبي وأدخل الأوزان المسماة ( السامري ) ذات القافيتين , لكل شطر قافية حتى آخر القصيدة .
ثم تلاه بعد ذلك ابن لعبون فنسخ على منواله وكان أكثر اطلاعا على الأدب الفصيح .
ثم نبغ شعراء كثر من أمثال عبدالله الفرج وابن ربيعة ومحمد القاضي ونمر بن عدوان ومشعان بن هذال وحمود البدر ومحمد العوني وركان بن حثلين وابن سبيل وابن جعيثن وغيرهم ...
ثم تطور
الشعر الشعبي وانتشر انتشارا واسعا واقبل عليه الناس , وكثر الشعراء , وتعددت أسالب أشعارهم , وأدخلوا على
الشعر الكثير من التجديد والابتكارات , والبديع والمحسنات , والتزويقات والتي لا اكون مبالغا إذا قلت أنها أفقدت
الشعر النبطي بساطته وسلاسته وانسجامه والأمثلة كثيرة في ما ينشر اليوم من شعر شعبي