ثانياً: آثار عقد الزواج على الرجل خاصة قدمنا أن عقد الزواج من أعجب العقود في الأرض وذلك للعلاقات الخاصة والمتشابكة والآثار العظيمة التي يخلفها عقد الزواج فهذا العقد يترتب عليه مسائل مالية وعاطفية وخلقية ونفسية وأمور أخرى في غاية الحساسية والتعقيد ولا نستطيع أن نأتي بمسطرة وقلم ونخط خطاً ونقول هنا يقع حق الزوج وواجباته وها هي حقوق الزوجة وواجباتها، ومن ظن أنه يستطيع أن يفعل ذلك فهو واهم تماماً ولا يدرك على الحقيقة ماهية هذا العقد العجيبة وآثاره في النفس والحياة. وحتى في الأمور الظاهرية الحسية فإن تحديد مقدار الحق والواجب في غاية الصعوبة والحرج فمن يستطيع أن يقدر مقدار النفقة الواجبة للزوجة على زوجها تحديداً فاصلاً أيضاً وإذا كان هذا هو الشأن في هذه الأمور الظاهرة الحسية المادية فكيف في الأمور المعنوية وكيف أيضاً في الأمور السرية والخاصة بين الزوجين؟ ولذلك فنحن عندما نقول الحق والواجب في عقد الزواج فإنما نعني الخطوط العريضة فقط والعموميات فقط لعلاقات من أدق علاقات الأرض ولا نعني المدلول لهاتين الكلمتين (الحق والواجب).
ولذلك نجد أن الإسلام في توجيهه لهذا العقد قد أرشد إلى الإحسان والبر وهي منزلة متقدمة فوق الحقوق والواجبات ومعنى هذا أن الرجل والمرأة كليهما يجب أن ينظرا ويجتهدا نحو تحقيق الإحسان والفضل وأنهما لا ينبغي لهما أن يقفا فقط عند الحق والواجب، وباب الإحسان والفضل والبذل والتضحية والوفاء باب واسع جداً لا تحده الحدود ولا تقف أمامه السدود فكلما كان الرجل معطاء كريماً شجاعاً متسامحاً كان أحظى عند الزوجة وأعظم مكانة وأكثر استفادة بزواجه وكلما كانت المرأة وفية مخلصة متفانية في خدمة زوجها ملغية ذاتها في ذاته كانت سعيدة محبوبة مبجلة، وإذا وجد العكس وهو الشح ومطالبة كل منهما بما له أولاً عند الطرف الآخر وتأخير سداد ما عليه نحو الآخر كلما كان الزواج فاشلاً والحياة صعبة ثقيلة متكلفة.
وعلى ضوء من هذين الأمرين نناقش قضية الحق والواجب في عقد الزواج وهما:
أولاً: نحن لا نملك حداً فاصلاً بين ما للزوج وما عليه نحو زوجته وما للزوجة وما عليها نحو زوجها ولكننا نملك خطوطاً عريضة فقط.
ثانياً: لا يجوز بتاتاً أن يقام عقد الزواج على ما الذي لي وما الذي لك ولكن يجب أن يقوم على: ما المقدار الذي أستطيع أن أبذله لك وما المدى الذي يستطيع الطرف الآخر أن يقدمه لي وهذا هو باب الإحسان والفضل والحب والرحمة والوداد ومن هذا المنطق نستطيع تحديد واجبات الرجل نحو زوجته بما يلي:
1- النفقة:
وهذا يعني أن يقوم الزوج بالإنفاق على زوجته منذ عقد العقد وحتى الانفصال عنها بأي صورة (كما سيأتي هذا مفصلا إن شاء الله) وهذه النفقة تشمل كل لوازم الزوجة من طعام ومسكن وكسوة ونحو ذلك وأن لا يلزم المرأة شيئاً من هذا أصلاً سواء كانت مالكة وغنية أم لا. وأن العمل بقصد الكسب ليس واجباً على المرأة بحال وعلى ضوء القواعد السابقة فلا تحديد لحجم النفقة وكيفيتها وفي هذا يقول تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه لينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما أتاها}.
2- إحسان المعاشرة:
وهذه أيضاً قضية عامة لا نستطيع تحديدها في قوالب قانونية لأن قضية المعاشرة أمر أخلاقي والأخلاق كثيرة منها ما لا يستطيع أن يضبطه القانون فهل تطالب المرأة زوجها مثلاً أن يبتسم إذا رآها وأن يهش للقائها؟..
وهذا لا نشك أنه من حسن المعاشرة ولكن لا نستطيع أن نسن ذلك بقانون ولا أن يجبر إنسان على فعله. ولذلك فأمر إحسان المعاشرة أمر واسع خلاصته وجوب اتباع مكارم الأخلاق في المعاشرة وهذا يعني أن لا تقبيح للزوجة، ولا سباب ولا لعن، وإنما لين جانب، وبذل معروف.
3- القوامة:
ونعني بالقوامة كون الرجل مسؤولاً عن تقويم زوجته وأن له الكلمة الأخيرة في شئون الحياة الزوجية، وهذا الأمر قد ينظر أناس إليه أنه حق للرجل ولكن يحسن بنا أن نجعله واجباً لا حقاً، فالرجل مسئول عن زوجته لأنها رعية استرعاها الله إياها كما قال صلى الله عليه وسلم: [والرجل في بيته راع وهو مسئول عن رعيته].
والقوامة لا تعني التسلط والقهر ولا إنفاذ رأي الرجل صواباً كان أو خطأ وإنما تعني حسن السياسة وإدارة دفة الحياة الزوجية على وجه الشورى والإحسان والحرص الدائم على بذل النصح والخير، والوقوف الحازم أمام الانحراف والنشوز.
هذه هي أهم واجبات الرجل نحو زوجته ولا شك أن رجلاً يستطيع أن يقوم بهذه الواجبات على الوجه الأكمل إلا أن يكون زوجاً صالحاً.
ثالثاً: آثار عقد الزواج على المرأة خاصة
يفرض عقد النكاح حقوقاً للرجل نحو زوجته أو واجبات على الزوجة نحو زوجها، ونستطيع إيجاز هذه الواجبات في الأمور الثلاثة الآتية:
1- الطاعة:
بما أن القوامة على الأسرة واجب من الله سبحانه وتعالى يسأل عنه الرجل يوم القيامة ويسأل عنه الرجل في الدنيا أيضاً أمام المجتمع وولي الأمر فإن من مستلزمات القوامة للرجل أن يطاع من قبل من جعلهم الله سبحانه وتعالى في كفالته ورعايته، ولا نتصور أن يكون الرجل قواماً في بيته متكفلاً بشئون أسرته (زوجته وأولاده) ولا يكون مطاعاً من زوجته وأولاده، ولذلك فطاعة المرأة لزوجها حق يفرضه الله سبحانه وتعالى أولاً وتقتضيه مصالح الأسرة ونظامها ثانياً، وتفرضه الضرورة والواجب ثالثاً. ونعني بالضرورة الخلقة والجبلة والفطرة وهذا لا يماري فيه إلا مكابر، ونعني بالواجب الالتزام الأدبي والخلقي الذي يفرضه إنفاق الرجل على زوجته وكفالته لها فلا أقل من الطاعة والإذعان لأمره.
والطاعة بالضرورة لا تعني الاستعباد والتسلط والقهر وتبرير الخطأ لأنه صدر من الرجل. لا وإنما تعني الطاعة في نظام الإسلام الطاعة في المعروف إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والالتزام حيث يحسن الالتزام ولا نعني مطلقاً السير في الخطأ والاستبداد بالرأي، والإكراه، وميادين الطاعة الواجبة لا تحصرها غير أنها مقيدة كما قلنا بالمعروف والاستطاعة ومن ميادين الطاعة الواجبة الخدمة (وسنفرد لها فصلاً مستقلاً وإن كانت هي بذاتها فرداً من أفراد الطاعة) وكذلك الطاعة في الفراش وقد جاءت أحاديث بخصوص الطاعة في هذا الأمر كقوله صلى الله عليه وسلم: [إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح]. (متفق عليه)، وهذا زجر شديد من الرسول صلى الله عليه وسلم أن تمتنع المرأة عن فراش زوجها علواً أو نشوزاً ونفوراً. واللعن هذا لا يكون إلا في فعل حرام أو ترك واجب.
2- الخدمة:
الخدمة المنزلية من ميادين الطاعة وقد سبق أن هذا حق من حقوق الرجل، وواجب على المرأة، وليس هناك تحديد شرعي أيضاً لمواصفات الخدمة والذي يحدد هذا أيضاً هو العرف والمعروف، وقد أبعد جداً من ظن أن الخدمة المنزلية ليست واجباً على المرأة نحو زوجها إلا طاعة الفراش فقط، وهذا الفهم إساءة بالغة لمعنى عقد النكاح في الإسلام، وقد كانت الصحابيات بما فيهن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخدمن أزواجهن، ويلقين العنت والتعب في هذه الخدمة ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أن لا يجب على امرأة أن تخدم زوجها بل على العكس من ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء بطاعة أزواجهن كما أمر الأزواج بالإحسان إلى النساء. والخدمة أيضاً قضية فطرية جبلية من المرأة نحو زوجها وموافقة الفطرة هي السعادة الحقيقة ولا شك أن أسعد النساء حظاً في الحياة الزوجية أكملهن طاعة وخدمة لأزواجهن وأشقاهن في حياتهن الزوجية من يتخلين عن هذه المهمة الفطرية التي جاء عقد الزواج ليوجبها ويحقها.
ومن فضلة القول أن هذه الخدمة واجبة على المرأة نحو زوجها فقط وليست واجبة نحو أهل الزوج إلا أن يكون هذا تطوعاً منها وإحساناً وإرضاءً للزوج وتحبباً إليه.
3- القنوت:
والقنوت يطلق في اللغة إطلاقات كثيرة ونعني به هنا حبس المرأة نفسها على زوجها فقط حيث لا يكون في قلبها ووقتها شغل بغيره.
فعقد الزواج ينقل طاعة المرأة من والديها إلى الزوج رأساً ليكون هو الولي المباشر وليكون برها وطاعتها بوالديها من بعد طاعتها لزوجها. وهكذا أيضاً في الآخرين فلا يجوز لامرأة أن تجعل من نفسها نصيباً في خدمة أو تطلع لغير زوجها إلا بإذنه. فالمرأة أسيرة عند الرجل محبوسة عليه وحده ولاءً وطاعة وخدمة، وهذا هو الموقف الشرعي والموقف الفطري والأخلاقي الكامل. ومن هذا الباب كان الرجل مطالباً في الإسلام برعاية زوجته رعاية كاملة لهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: [اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم] والعاني هو الأسير أي أسيرات.
فيجب أن تعلم المرأة المسلمة أن عقد الزواج يفرض عليها هذا الأسر الاختياري وهو أسر محبب ولا شك عند المرأة. والزوجة التي تستطيع أن تراعي حقوق وواجبات هذا الأسر هي المرأة المثالية ولا شك أن الرجل والمرأة إذا بذل كل منهما ما أسند إليه من مهمات وتفاني كل منهما في إسعاد الآخر وإدخال السرور على نفسه فإنهما سيحققان السلام الحق والسعادة المنزلية الكاملة.
[IMG]https://i.share.***- /cb655eeb_o.gif[/IMG]