السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ذكّر نفسك بجنةٍ عرضُها السماواتُ والأرضُ
إنْ حزنت في هذه الدارِ أو افتقرتَ
أو مرضتَ أو بخستَ حقاً أو
ذقت ظلماً فذكِّر نفسك بالنعيمِ ،
إنك إن اعتقدت هذه العقيدة َ
وعملتَ لهذا المصيرِ ، تحولتْ خسائرُك
إلى أرباحِ ، وبلاياك إلى عطايا .
إن أعقلَ الناسِ هم ُ الذين يعملون
للآخرةِ لأنها خيرٌ وأبقى ، وإنَّ أحمق
هذه الخليقة هم الذين يرون أنَّ هذه الدنيا هي قرارُهم ودارُهم ومنتهى أمانيهم ، فتجدَهم
أجزعَ الناسِ عند المصائبِ ، وأندهم
عندَ الحوادثِ ، لأنهمْ لا يرون
إلاَّ حياتهمْ الزهيدة الحقيرة ، لا ينظرون إلاَّ إلى هذهِ الفانيةِ ، لا يتفكرون
في غيرِها ولا يعملون
لسواها ، فلا يريدون
أن يعكّر لهم سرورُهم
ولا يكدّر عليهم فرحُهم ، ولو أنهمْ
خلعوا حجاب الرانِ عن قلوبهِمْ ، وغطاء
الجهلِ عن عيونهِمْ لحدثوا
أنفسهم بدارِ الخلدِ ونعيمِها
ودورِها وقصورِها ، ولسمعوا
وأنصتوا لخطابِ الوحيِ في
وصفِها ، إنها واللهِ الدارُ التي تستحقُّ الاهتمام والكدَّ والجهْدَ .
هل تأملنا طويلاً وصف
أهلِ الجنة بأنهم لا يمرضون ولا يحزنون ولا يموتون ، ولا يفنى شبابُهم ، ولا
تبلى ثيابُهم ، في غرفٍ يُرى
ظاهرُها من باطنِها ، وباطِنُها
من ظاهرهِا ، فيها ما لا عينٌ رأتْ ، ولا أُذُنٌ سمعتْ ، ولا خَطَرَ على قلبِ بَشَرٍ ، يسيرُ
الراكبُ في شجرةٍ من أشجارهِا مائة عامٍ
لا يقطعُها ، طول الخيمَّةِ فيها
ستون ميلاً ، أنهارُها مُطَّرِدةٌ قصورُها منيفةٌ ، قطوفُها دانيةٌ ، عيونُها جاريةٌ ، سُرُرُها مرفوعةٌ ، أكوابُها موضوعةٌ ، نمارقُها
مصفوفَةٌ ، زرابيُّها مبثوثةٌ ، تمَّ
سروَرها ، عظُم حبورُها ، فاح
عرْفُها ، عظُم وصْفُها ، منتهى
الأماني فيها ، فأين عقولُنا لا تفكرْ ؟! ما لنا لا نتدبَّرْ ؟!
إذا كان المصيرُ إلى هذه الدارِ ؛ فلتخفَّ المصائبُ على المصابين ، ولتَقَرَّ عيونْ المنكوبين ، ولتفرح قلوبُ المعدمين .
فيها أيها المسحوقون بالفقرِ ، المنهكون
بالفاقةِ ، المبتلون بالمصائب ، اعملوا
صالحاً ؛ لتسكنوا جنة اللهِ
وتجاوروهُ تقدستْ أسماؤُه ﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾