عندما ترك سيدنا إبراهيم السيدة هاجر وابنها فى الصحراء ومشى دار هذا الحوار ،
قالت له: يا إبراهيم لمن تتركنا هاهنا؟ فلم يجبها ، فكررت السؤال مرتين ولم يجبها
فقالت في الثالثة: أالله أمرك بهذا؟ قال : نعم ، قالت: إذن لا يضيعنا ، فلم تنازعه ولم
تحاكمه ولم تشاتمه ولم تقل له لائمة وهو حقها ، لم تتركنا في هذا المكان الذي لا
زرع فيه ولا ماء فيه ولا أنيس فيه؟
لكنه علمها أن الله لا يضيع أهل الإيمان بالله ، ولذلك عندما نفذ زادها ونفذ ماؤها
وجاع صبيها واحتارت في رضاعه ، أخذت تمشي مهرولة بين الصفا والمروة وهي
مسرعة تبحث له عن ماء ، وأخيراً وجدت الطيور فوقه فخشيت عليه فأسرعت إليه
فوجدت الماء قد نبع من تحت قدميه وجبريل أمين وحي السماء يقف بجواره يحرسه
من طغيان الماء ، لأن الماء فار ولو ترك الوليد لغرق في هذا الماء الذي خرج من
هذه الأرض
فأخذت تزمه وتقول زمى زمى وقال لها الأمين جبريل: يا أمة الله لا تخشي الضيعة
فإن الله قيض لهذا الوليد وأبيه أن يبنيا بيتاً لله في هذا المكان ، فاطمأنت إلى صنع الله
وعلمت أن الله لا يضيع من اعتمد عليه في أي شأن وفي أي أمر مهما انقطعت
الأسباب ، لكن باب مسبب الأسباب يحل كل المشاكل في الوقت والحين لأنه يرزق من يشاء بغير حساب
إن الغلام كان أول درس لقنه له أبوه هو الإيمان ، هل يوافق ولد على أن يقوم أبوه
بذبحه ويستسلم له ولا ينازعه؟ وهل يجرأ والد أن يشاور ولده في ذبحه؟ بل إنه إذا
أراد ذبحه يأخذه على غرة وفجأة ولا يشاوره لأنه يعلم مسبقاً أنه لن يرضى بهذا
الصنيع ، لكن الأستاذ العظيم في الإيمان في الله يعلم أن تلميذه النجيب في درس
الإيمان بالله سيستسلم معه لأمر الله فقال له كما قال كتاب الله {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي
لو قال له إن الله أمرني بذبحك لكان هذا سهلاً على الغلام أن يصدق به ويستسلم له
ولو قال إن وحي السماء وأمير الوحي نزل بكتاب من الله يأمرني بذبحك لكان عليه أن يصذدق ويستسلم لأمر الله لكن البلاء شديد ، قال {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} الصافات102
ماذا قال الغلام الذي تعلم درس الإيمان؟ {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء
اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} الصافات102
من الذي عرف الغلام أن ذلك أمر وأن رؤيا الأنبياء وحي وأنها أمر من الله؟ ثم انقلب
الولد وإذ به هو الذي يسدي النصيحة لأبيه ويخاف على أبيه من أن يتقاعس في
تنفيذ أمر الله ، الولد الذي سَيُذبح هو الذي يقول لأبيه يا أبت اشحذ المدية يعني حمي
السكين جيداً واربطني جيداً بالحبال وكبني على وجهي حتى لا تنظر إلى وجهي فتأخذك
الشفقة في تنفيذ أمر الله وانزع القميص عنى حتى لا يقع عليه الدم فتراه أمي فتحزن
، الولد الذي سَيُذبح هو الذي ينصح الأب؟ نعم لا عجب لأنه الإيمان بالله
الدرس الأول الذي علمه له أباه ، هو درس الإيمان بالله وفي الله ، ولما أوثقه وكتفه
بالحبال قال: يا أبت ماذا تقول عني الملائكة أتقول أنى خائف من تنفيذ أمر الله؟
فك الحبال عني ولن يتحرك مني عضو ولن يضطرب مني عضو لأني سأستسلم لأمر
الله ،