حان وقت إصدار قانون أممي لتجريم الإساءة للأديان (
تمضي الأيام وتنطوي وجذوة الغضب تخبو والمظاهرات في البلدان العربية والإسلامية تنقطع وصفحات الجرائد كادت أو تقترب من الإيقاف عن كتابة ما يتعلق بالإساءة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وكل هذا طبيعي إذ أن لكل شيء بداية ونهاية، والنهاية التي أعنيها هنا هي نهاية مؤقتة لأن آثار ما جرّته الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تبقى دفينة في القلوب والعقول لأنها ليست الإساءة التي يُغتفر لصاحبها والمسبّب لها لأن الإساءة مسّت بني البشرية قاطبة وبالأخص الأمة الإسلامية التي لا يُؤمن أحدها إلا إذا كان محمد صلى الله عليه وسلم أحبّ إليه من نفسه وأمّه وأبيه وأولاده وأمواله.
فدين كالإسلام لا يكون معتنقه ليكتمل دينه إلا إذا أحبّ نبيّه أكثر من نفسه وأمّه وأبيه وأولاده وأمواله كيف يطلب منه ألاّ يُحرّك ساكنًا ولا طرفًا ولا يشتاط غضبًا، ويسكت ولا يُبدي حراكًا إزاء فيلم منتجه ومخرجه – أترك تسميته للقرّاء بالكيفيّة واللغة التي هم يفهمونها كل حسب ردّة فعله لما سمعه وشاهده، – إن كان شاهده- وقد أفتى العلماء بعدم مشاهدة الفيلم – ليحكم على هذا الفيلم الذي يتطاول على خاتم النبيين والمرسلين وأفضل من خُلق من البشر الذي سيرته شهد بها الكافر قبل المسلم بالكمال، ليس بعد نبوّته وإنّما منذ ولادته ورضاعته وطفولته وقبل بعثته وبعد بعثته، في سلمه وفي حربه، في ضعفه وفي قوّته، قبل زواجه وبعد زواجه ما كان إلا كما قال عنه رب العالمين: “وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين”.
لقد تطاولوا على أفضل الخلق والبشر محمد عليه الصلاة والسلام ونعتوه بما هو ليس فيه، ومهما ابتغوا النيْل منه ومن أي جانب فلا يضرّه لأنه المعصوم من العليّ القدير، وسيرته مضيئة منذ نشأته إلى مماته، ومهما افترى عليه المفترون فيُسخِّر الله من أتباعه من يردّ إليهم كيدهم ويُبيّن ضلالتهم وتكون النتيجة الذلّ والهوان والخذلان لمن كاد له.
لقد أرادوا تشويه سيرته العطرة بالشهواني ظلمًا وجورًا تارة بالكتابة وتارة باستخدام الصور الكاريكاتيرية وتارة أخرى بنشر الأفلام عبر الوسائل الفضائيّة الحديثة وغرضهم في ذلك نشر الفتنة والفساد ونشوب القلاقل والحروب والنزاعات للوصول إلى تحقيق أهدافهم الخبيثة المعلومة منها والمجهولة وإشباعًا لنزواتهم الحقودة.
لقد نعتوا محمدًا – صلى الله عليه وسلم - وشبّهوه وصوّروه بأن الشهوة هي مبتغاه والمرأة هي وسيلته في إشباع هذه الشهوة والرسول محمد صلى الله عليه وسلم بعيد عن هذه الخصلة، إذ لو كان كذلك لتطاول عليه أعداؤه وخصومه في حياته من العرب والمشركين ومن أعدائه غير العرب اليهود والنصارى الذين عايشوه وصاحبوه وعاملوه قبل بعثته وبعد بعثته.
هل من الإنصاف أن يُتّهم محمد صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة وسيرته تدلّ على غير ذلك؟، فهو العفيف الطاهر منذ طفولته وعند شبابه وكهولته وفي آخر عمره، فالذي يتزوّج وعمره خمس وعشرون سنة بامرأة ثيِّب وهي خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وعمرها أربعون سنة في سن الكهولة.
والسيدة خديجة هي التي تخطبه لصدقه وأمانته في الوقت الذي كانت بنات قريش تتمنّاه لشبابه وشرفه وعفّته، ويعيش معها تسعًا وعشرين سنة، أي عمر شبابه وكهولته حتى وفاتها، وكان خلال هذا العمر نعم الزوج والأب وربّ الأسرة، وبعد وفاة السيدة خديجة تزوّج وعمره أربع وخمسون سنة من نسائه الأخريات ليس بينهن عذراء إلا عائشة وقد تزوّجهن لأجل إكمال الدين وسُنَّة إسلاميّة كي لا يبقى الرجل عازبًا وهو الهدف الأساسي لزواجه وانتشارًا وتقوية للدين من ناحية أخرى للزواج من بعضهن ومعونة ومساعدة ورفقًا لبعضهن الأخريات.
ولتفسير نفي الشهوة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم عند زواجه من النساء، فكرِّ معي مليًّا هل من المعقول أن تكون الشهوة هدفه وهو في سن الأربع والخمسين-أي سن الكهولة- عندما تزوّج نساءَه الأخريات من بعد خديجة حتى تُوفّي صلى الله عليه وسلم في سن الثالثة والستين من عمره، أي عاش مع النساء الآخريات عشر سنوات فقط؟.
لقد عاش محمد صلى الله عليه وسلم وما كان إلا بركة لمرضعته حليمة عند طفولته وصادقًا وأمينًا عند تجارته وأعماله، وحَكَمًا عادلاً وحكيمًا قبل بعثته، وزوجًا عفيفًا وشريفًا طوال حياته، ونبيًّا كريمًا تجمّعت فيه جميع خصال النبل والإنسانيّة والرحمة بشهادة من عاصروه وعايشوه وكتابة من كتبوا عنه في عهده وبعده سواءً من اعتنق دينه أو لم يعتنق، وأبرزهم الكاتب والفيلسوف الغربي الذي وصف محمّدًا بأنه الأول في الترتيب بين جميع الخلق من البشر وحتى بين الأنبياء والمرسلين بكل المعايير والمقاييس في الكمال والإنسانيّة وفي جميع أمور البشر قاطبة.
إن كان محمد شهوانيًّا لما جاء في شريعته الصوم الذي هو أحد أركان الإسلام، والصوم في الإسلام هو الامتناع عن الأكل والشرب واعتزال النساء من الفجر إلى مغيب الشمس عند الغروب لشهر واحد في السنة وهو شهر رمضان المبارك، وهو فترة طويلة وشاقّة قياسًا على الصيام وكيفيّته في الأديان الأخرى، هذا عدا صيام النوافل المتروكة لكل شخص حسب قدرته وإرادته، ولكن النبي محمد كان يصومها في بقية أيام السنة.
ومعلوم أن الصوم يُقلِّل من إثارة الشهوة حتى إنه صلى الله عليه وسلم أوصى الشباب الذين لا يستطيعون الزواج بالصوم ” يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج ومن لم يستطع فعليه بالصوم” الباءة معناها القدرة والاستطاعة.
وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يعتزل بيته ويعتكف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان في كل سنة.
لو كان محمد شهوانيًّا لما امتنع عن قبول من ضمن ما عرضته عليه قريش أن يُزوّجوه أجمل بناتهم كي يتخلّى عن رسالته وقال حينئذ قولته المشهورة “والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى أهلك دونه”.وقبل بعثته كان يعتكف في غار حراء وشباب مكة منغمسون في الشهوات والملذّات. إنسان هذا حاله أمِنَ الإنصاف أن يُوصف بحبّه الشديد للشهوة؟!
لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم أكثر حياءً من العذراء في خدرها هكذا كان ومن حديثه “الحياء شعبة من الإيمان”.