تقدم في الحديث الأول أنه يقال : ((يا محمّد أدخـل من أمّتـك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن، وهم شركاء النّـاس فيما سوى ذلك من الأبواب)).
وتقدم في الحديث الثاني أنّه صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يشفع، فيشفعه الله ويحد له حدًا فيدخلهم الجنة.
وفي الحديث السادس أنه يقرع باب الجنة فيقال: من أنت؟ فأقول: ((أنا محمّد)).
31- قال مسلم رحمه الله (ج1 ص188): حدثنا قتـيبة بن سعيد وإسحاق ابن إبراهيم، قال قتيبة: حدثنا جرير عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أنا أوّل النّاس يشفع في الجنّة وأنا أكثر الأنبياء تبعًا)).
- وحدثنا أبوكريب محمد بن العلاء حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن مختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليـه وعلى آله وسلّم: ((أنا أكثر الأنبياء تبعًا يوم القيامة وأنا أوّل من يقرع باب الجنّة)).
- وحدثنا أبوبكر بن أبي شـيبة حدثنـا حسين بن علي عن زائدة عن المختار بن فلفل قال: قال أنس بن مالك: قال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أنا أوّل شفيع في الجنّة، لم يصدّق نبيّ من الأنبياء ما صدّقت وإنّ من الأنبياء نبيًّا ما يصدّقه من أمّته إلاّ رجل واحد)).
وأخرجه ابن خزيـمة في "كتاب التوحيد" ص(255)، والدارمي (ج1 ص27) الجملة الأولى.
- وقال مسلم رحمه الله: وحدثني عمرو الناقد وزهير بن حرب قـالا: حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثـابت عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((آتي باب الجنّة يوم القيامة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمّد. فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك)).
الحديث أخرجه أحمد (ج3 ص36).
32- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص247): ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة ثنا ثـابت عن أنس أنّ رسـول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قـال: ((يطول يوم القيامة على النّـاس، فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر، فيشفع لنا إلى ربّنا عزّ وجلّ، فليقض بيننا. فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت الّذي خلقك الله بيده وأسكنك جنّته، فاشفع لنـا إلى ربّـك فليقض بيننا. فيقول: إنّي لست هنـاكم، ولكن ائتوا نوحًا رأس النّـبيّين. فيأتونه فيقولون: يا نوح اشفع لنا إلى ربّك فليقض بيننا. فيقول: إنّي لست هناكم، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الله عزّ وجلّ. فيأتونه فيقولون: يا إبراهيم اشفع لنا إلى ربّك فليقض بيننـا. فيقول: إنّي لست هنـاكم، ولكن ائتوا موسى الّذي اصطفاه الله عزّ وجلّ برسالاته وبكلامه: قال فيأتونه فيقولون: يا موسى اشفع لنا إلى ربّك عزّ وجلّ فليقض بيننـا. فيقـول: إنّي لست هنـاكم، ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى اشفع لنا إلى ربّك فليقض بيننـا. فيقول: إنّي لست هناكم، ولكن ائتوا محمّدًا صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فإنّه خاتم النّبيّين فإنّه قد حضر اليوم، وقد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. فيقول عيسى: أرأيتم لو كان متاع في وعاء قد ختم عليه، هل كان يقدر على ما في الوعـاء حتّى يفضّ الخاتم؟ فيقولون: لا. قال: فإنّ محمّدًا صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم خاتم النّـبيّين. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: فيـأتوني فيقولون: يا محمّد اشفع لنا إلى ربّك فليقض بيننا. قال: فأقول: نعم. فآتي باب الجنّة فآخذ بحلقة الباب فأستفتح، فيقـال: من أنت؟ فأقول: محمّد. فيفتح لي فأخرّ سـاجدًا، فأحمد ربّي عزّ وجلّ بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ولا يحمده بها أحد كـان بعدي، فيقول: ارفع رأسـك، وقل يسمع منك، وسلْ تعطه، واشفعْ تشفّعْ. فيقول: أي ربّ أمّتي أمّتي. فيقال: أخرج من كان في قلبه مثقـال شعيرة من إيمـان. قال: فأخرجهم ثمّ أخرّ ساجدًا، فأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ولا يحمده بها أحد كان بعدي، فيقال لي: ارفعْ رأسك، وسلْ تعطه، واشفعْ تشفّعْ. فأقول: أي ربّ أمّتي أمّتي. فيقال: أخرج من كان في قلبه مثقـال برّة من إيمان. قال: فأخرجهم، قال: ثمّ أخرّ ساجدًا فأقول مثل ذلك، فيقـال95: من كان في قلبه مثقال ذرّة من إيمان. قال: فأخرجهم)).
الحديث أخرجه ابن خزيـمة ص(253) من حديث الحسن بن محمد الزعفراني ثنا عفان بن مسلم به، و ص(300) من حديث حميد الطويل عن أنس نحوه، وسيأتي إن شاء الله رقم (104).
33- قال ابن خزيمة رحمـه الله ص(245): حدثنـا أبوزرعـة عبيدالله بن عبدالكريم قال: ثنا سعيد بن محمد الجرمي قال ثنا عبدالواحد بن واصـل، قال: ثنا محمد بن ثابت البناني عن عبدالله بن عبدالله بن الحـارث بن نوفل عن أبيه عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسـول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((للأنبياء منابر من ذهب فيجلسون عليها، قال: ويبقى منبري لا أجلس عليه ولا أقعد عليه، قائم بين يدي الله ربّي مخافة أنْ يبعث بي إلى الجنّة، وتبقى أمّتي بعدي، فأقول: يا ربّ أمّتي أمّتي. فيقول الله عزّ وجلّ: يا محمّـد ما تريـد أن نصنع بأمّتـك؟ فيقـول: يا ربّ عجّل حسابهم. فيدعى بهم فيحاسبون، فمنهم من يدخل الجنّة برحمة الله، ومنهم من يدخل الجنّة بشفاعتي، فما أزال أشفع حتّى أعطى صكاكًا برجـال قد بعث بهم إلى النّار، وحتّى أنّ مالكًا خازن النّار يقول: يا محمّـد ما تركت للنّار لغضب ربّك في أمّتك من نقمة)).
الحديث أخرجه الحاكم (ج1 ص65-66) وقال: صحيح الإسناد غير أن الشيخين لم يحتجا بمحمد بن ثابت البناني وهو قليل الحديث يجمع حديثه والحديث غريب في أخبار الشفاعة. فتعقبه الذهبي فقال: قلت: ضعفـه غير واحد، والحديث منكر.
وقال الهيثمي (ج10 ص380): رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وفيه محمد بن ثابت البناني وهو ضعيف.
قال أبوعبدالرحمن: الحديث منكر كما قال الذهبي، فقد قال البخاري: في محمد بن ثـابت نظر. وقـال ابن معين: ليس بشيء، وقال النّسـائي: ضعيف. اهـ من "الميزان".
34- قال الحميدي رحمه الله (ج2 ص206): ثنا سفيان قال ثنا ابن جدعان عن أنس بن مـالك أنّه ذكر عند النّبيّ صلّى الله عليـه وعلى آلـه وسلّم الشّفـاعة، فقال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((فآخـذ بحلقة الجنّة فأقعقعها)).
الحديث في سنده علي بن زيد بن جدعان لكنه في الشواهد، وقد تقدم.
35- قال ابن خزيمة رحمه الله ص(294): حدثنا يوسف بن موسى قال: ثنا أبومعاوية قال: ثنا عـاصم الأحول عن أبي عثمـان النهدي عن سلمـان الفارسي قال: يأتون النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فيقولـون: يا نبيّ الله أنت الّذي فتح الله بك وختم بك، وغفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر، فاشفع لنا إلى ربّك، فيقول: ((نعم، أنا صـاحبكم)) فيخرج يحوش النّار96 حتّى ينتهي إلى باب الجنّة، فيأخذ بحلقة في الباب من ذهب، فيقرع الباب، فيقال: من هذا؟ فيقـال: محمد. قال: فيفتح له. قال: فيجيء حتى يقوم بين يدي الله فيستأذن في السّجـود فيؤذن له، قال: فيفتح الله له من الثّناء والتّحميد والتّمجيد ما لم يفتحْه لأحد من الخلائق، فينادى: يا محمّد ارفعْ رأسك، وسلْ تعطه، وادع يجبْ. قال: فيرفع رأسه، فيقـول: ((ربّ أمّتي أمّتي ))ثمّ يستأذن في السّجود فيؤذن له، فيفتح له من الثّناء والتّحميـد والتّمجيد ما لم يفتحْ لأحد من الخلائق، فينـادى: يا محمّد، ارفعْ رأسك، سلْ تعطه، واشفعْ تشفّعْ، وادع تجب، قال: يفعل ذلك مرتين أو ثلاثـًا، فيشفع لمن كان في قلبه حبّة من حنطة، أو مثقال شعيرة، أو مثقال حبّة من خرذل من إيمان. قال سلمان: فذاك المقام المحمود.
تقدم رقم (26) أنه أخرجه ابن أبي شيبة وابن جريـر، وقال الهيـثمي (ج10 ص372): رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وقال الحافظ في "المطالب العالية" (ج4 ص388): صحيح موقوف. وقال الحـافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" (ج4 ص43): رواه الطبراني بإسناد صحيح.
36- قال ابن خزيمة رحمـه الله ص(296): أخـبرني محمد بن عبدالله بن عبدالحكم أن أباه وشعيب بن الليـث أخـبراه قالا: أخبرنا الليث عن ابن الهاد97 عن عمرو وهو ابن أبي عمرو عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((إنّي لأوّل النّـاس تنشقّ الأرض عن جمجمته يوم القيامة ولا فخر، وأعطى لواء الحمد ولا فخر، وأنا سيّد النّبيين يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل من يدخل الجنّة يوم القيامة ولا فخر، سآتي باب الجنّة فيفتحون لي، فأسجد لله تعالى فيقول: ارفع رأسك يا محمّد وتكلّمْ يسمعْ لك، وقلْ يقبلْ منك، واشفعْ تشفّعْ. فأرفع فأقول: أمّتي أمّتي يا ربّ، فيقول: اذهب إلى أمّتك فمن وجدْت في قلبه مثقال حبة من شعيرة من إيمان فأدخله الجنّة، فأقبل بمن وجدْت في قلبـه ذلك فأدخلهم الجنّة، وآتي الجبّار فأسجد له فيقول: ارفع رأسك يا محمّد، وتكلّم يسـمعْ منك وقلْ يقبلْ قولك، واشفعْ تشفّعْ. فأقول: أمّتي أمّتي. فيقول: اذهبْ إلى أمّتك فمن وجدْت في قلبه مثقال نصف حبّة من شعير من الإيمـان فأدخلْه الجنّة. فأذهب فمن وجدْت في قلبه مثقال ذلك فأدخله الجنّة، قـال: فآتي الجبّار فأسجد له، فيقـول: ارفعْ رأسـك يا محمّد، وتكلّم يسمعْ منك، واشفعْ تشفّعْ، فأرفع رأسي، فأقـول: أمّتي أمّتي أي ربّ. فيقـول: اذهبْ فمن وجدْت في قلبه مثقال حبّة من خرذل من إيمان، فأدخلْه الجنّة. فأذهب فمن وجدت في قلبه مثقال ذلك فأدخلهم، وفرغ من الحساب، حساب النّاس)). وذكر الحديث.
تمام الحديث كما في "مسند أحمـد" (ج3 ص144): ((وأدخل من بقي من أمّتي النّار مع أهل النّار، فيقول أهل النّـار: ما أغنى عنكم أنّكم كنتم تعبدون الله عزّ وجلّ لا تشركون به شيئًا، فيقول الجبّار عزّ وجلّ: فبعزّتي لأعتقنّهم من النّار. فيرسل إليهم فيخرجون وقد امتحشوا فيدخلون في نهر الحياة فينبتون فيه كما تنبت الحبّـة في غثاء السّيـل، ويكتب بين أعينهم: هؤلاء عتقاء الله عزّ وجلّ، فيذهب بهم فيدخلون الجنّة، فيقـول لهم أهل الجنّة: هؤلاء الجهنّميون. فيقول الجبّار: بل هؤلاء عتقاء الجبّار عزّ وجلّ)).
الحديث رجاله رجال الصحيح، وأخرجه الدارمي (ج1 ص27-28).
37- قال أبونعيم في "دلائل النبوة" (ج1 ص13): حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا أحمد بن محمد بن سليمان98 قال: ثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف قال: حدثنا بدل بن المحبر قال: حدثنا عبدالسلام بن عجلان قال: سمعت أبا يزيد المدني يحدث عن أبي هريـرة رضي الله عنه عن رسـول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((أنا أوّل من يدخل الجنّة ولا فخر، وأنا أوّل شـافع وأوّل مشفّع، وأنا بيدي لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأوّل شخص يـدخل عليّ الجنّة فـاطمة بنت محمد صلّى الله عليـه وعلى آله وسلّم، ومثـلها في هذه الأمّة مثل مريم في بني إسرائيل)).
الحديـث في سنـده عبدالسلام بن عجلان، قال الحـافظ الذهبي في "الميزان": وقال أبوحاتم: يكتب حديثه. وتوقف غيره في الاحتجاج به عن بدل بن المحبر عن عبدالسلام بن عجلان عن أبي يزيد المدني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أوّل شخص يدخل الجنّة فاطمة99)). أخرجه أبوصالح المؤذن في "مناقب فاطمة". اهـ
زاد الحافظ في "اللسان": وذكره ابن حبان في "الثقات" فقال: يروي عن أبي عثمان وعبيدة الهجيمي، ثم قال: يخطئ ويخالف. اهـ
قال أبوعبدالرحمن: هذه الزيادة منكرة وهي من قوله: ((أوّل شخص... الخ)) لتفرد عبدالسلام بها، ويؤيد بطـلان هذه الزيـادة أن مسلمـًا قد أخرجه (ج4 ص1782)، وأبا داود (ج5 ص45)، وأحمد (ج2 ص540) من حديث أبي هريرة100، وليست فيه هذه الزيادة. والله أعلم.
38- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص393): ثنا حسن ثنا ابن لهيعـة ثنا ابن هبيرة101 أنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول: أخبرني سعيـد أنه سمع حذيفة ابن اليمان يقول: غاب عنّا رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يومًا، فلم يخرج حتّى ظننّا أنّه لن يخرج، فلمّـا خرج سجد سجدة فظننّـا أنّ نفسه قد قبضـت فيهـا، فلمّا رفع رأسه قال: ((إنّ ربّي تبـارك وتعـالى استشـارني في أمّتي ماذا أفعل بهم، فقلت: ما شئت أي ربّ هم خـلقك وعبادك. فاستشارني الثّانية فقلت له كذلك، فقال: لا أحزنك102 في أمّتك يا محمّد. وبشّرني أنّ أوّل من يدخل الجنّـة من أمّتي سبعون ألفًا، مع كلّ ألف سبعون ألفًا ليس عليهم حسـاب، ثمّ أرسل إليّ فقـال: ادع تجب، وسلْ تعط. فقلت لرسوله: أو معطيّ ربّي سؤلي؟ فقال: ما أرسلني إليك إلاّ ليعطيك. ولقد أعطاني ربّي عزّ وجلّ ولا فخر، وغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر وأنا أمشي حيًّا صحيحًا، وأعطاني أن لا تجوع أمّتي ولا تغلب، وأعطاني الكوثر فهو نهر من الجنّة يسيل في حوضي، وأعطاني العزّ والنّصر والرّعب يسعى بين يدي أمّتي شهرًا، وأعطاني أنّي أوّل الأنبياء أدخل الجنّة، وطيّب لي ولأمّتي الغنيمة، وأحلّ لنا كثيرًا ممّا شدّد على من قبلنـا، ولم يجعل علينا من حرج)).