القاهرة (رويترز) - توضح محاولات مصر الضغط على حماس لقبول هدنة تقدم للحركة تنازلات قليلة لإنهاء القتال مع إسرائيل عزم القاهرة على إنهاء المهمة التي بدأتها في الداخل وهي سحق الإسلاميين الذين تري أنهم يمثلون تهديدا.
اعتبرت مصر نفسها على الدوام أكثر الوسطاء فاعلية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
هذه المرة لم تتحرك القاهرة بسرعة لوقف الحرب في غزة وعندما تحركت كانت المبادرة التي طرحتها لوقف إطلاق النار على ما يبدو تهدف لعزل حماس التي تتبنى فكر جماعة الاخوان المسلمين المصرية أكثر من التوصل الى وقف إراقة الدماء فورا.
واشتكى قادة حماس من أنهم لم يكونوا طرفا في محادثات الهدنة المقترحة ولم يتم التشاور معهم بشأن المبادرة المصرية وقالوا إنها لم تتطرق لمطالبهم مثل رفع الحصار الذي تفرضه اسرائيل على غزة والذي يقوض اقتصاد القطاع.
وعزل الجيش المصري الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين قبل عام بعد مظاهرات حاشدة على حكمه ثم شنت مصر واحدة من أشرس الحملات على الإسلاميين فيها منذ عقود.
وقتل مئات من أعضاء ومؤيدي الجماعة في احتجاجات شوارع تحول الكثير منها إلى العنف وألقت السلطات القبض على ألوف من مؤيدي الجماعة واغلب قادتها منذ عزل مرسي.
وأعنت مصر الإخوان المسلمين جماعة إرهابية كما حكمت محكمة مصرية بأن حماس حماعة إرهابية ومنذ ذلك الوقت تركزت السياسة الخارجية لمصر بالمنطقة على أمنها القومي.
وقال مسؤول مصري كبير "في وجود تاريخ من عدم الثقة والارتياب كيف يمكن لأحد أن يتصور أن نفتح أبوابنا لحماس وأن نعاملهم كحكام شرعيين رغم أن كل ما رايناه منهم هو الإرهاب."
وأضاف "لكن مصر لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى القتل في غزة لذلك كنا في حاجة لاقتراح مبادرة... خطوة سياسية لإظهار أننا موجودون ومهتمون بوقف إراقة الدماء."
وبينما كانت إسرائيل تقصف غزة وكانت حماس تطلق الصواريخ على إسرائيل طرحت مصر يوم الاثنين مبادرة لوقف إطلاق النار تشبه تلك التي أنهت قتالا واسعا عام 2025 حين كان مرسي في الحكم. لكن المناورات الدبلوماسية المصرية هذه المرة جعلت حماس -التي رفضت المبادرة- تشعر بأنها ليست طرفا فيما يحدث بينما قبلت إسرائيل المبادرة.
وطبقا لمصادر مصرية ومصادر في جامعة الدول العربية لم تتحدث مصر مباشرة مع قادة حماس في غزة حول المبادرة لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية قال إن بلاده أجرت اتصالات مع مختلف الفصائل الفلسطينية حول المبادرة.
ووافقت مصر على التحاور مع موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وهو مقيم في القاهرة لكنه ليس جزءا من الدائرة الداخلية للحركة.
وتختلف تعاملات القاهرة مع حماس الآن بشدة عن تعاملاتها معها عام 2025 عندما قدم مرسي لقادة حماس معاملة رؤساء الدول.
وقال دبلوماسي مصري في الجامعة العربية إن قادة حماس "أرادوا من المصريين أن يعبروا الحدود إليهم في القطاع أو أن يدعوهم لمصر لعقد محادثات لكني أخشى أن هذا لن يحدث."
وحاليا يبدو أن مصر تنوي أن تحمل حماس المسؤولية عن تزايد أعداد القتلى الفلسطينيين في قطاع غزة صغير المساحة ذي الكثافة السكانية العالية وإن كانت مصر قالت إن هدفها هو وقف العدوان الإسرائيلي.
وقال مصدر أمني مصري "إذا لم يكونوا يريدون الموافقة على اقتراح الهدنة الذي قدمناه فإنني أدعوكم لتروا الإدانات التي ستنهال عليهم من العالم العربي والعالم كله لوقوفهم دون تحرك أمام سقوط قتلى من شعبهم بالعشرات يوميا."
وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري يوم الخميس إن حماس كان بإمكانها إنقاذ حياة 40 فلسطينيا على الأقل لو أنها قبلت المبادرة المصرية.
وأدانت مصر الهجوم البري الإسرائيلي لكنها قبل ذلك اتهمت حماس وقطر وتركيا بالتآمر لتقويض جهودها للتوصل الى تهدئة.
وفي نفس الوقت اجتمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم الخميس في القاهرة لبحث سبل وقف القتال الذي أودى بحياة 260 فلسطينيا معظمهم من المدنيين منذ بدء القتال في الثامن من يوليو تموز.
ودعا عباس لقبول المبادرة المصرية. وكان عباس قد عقد اتفاقا مع حماس في ابريل نيسان لتشكيل حكومة توافق وطني بعد سبع سنوات من انتزاع حماس السيطرة على غزة من حركة فتح التي يتزعمها عباس.
ومع استمرار القتال فإن مصر على الأرجح ستواصل حث جميع الأطراف لقبول مبادرتها من أجل الحفاظ على دورها التقليدي كوسيط في الشرق الأوسط.
واتهم المحلل السياسي الفلسطيني الذي يقيم في غزة عدنان أبو عامر مصر بمحاولة إبعاد حماس عن المحادثات ثم إلقاء اللوم عليها بشان الخسائر في الأراوح الفلسطينية.
وقال إن هذا يمثل صبا لمزيد من الزيت على النار كما يزيد التوتر بين حماس ومصر.
ومن الممكن أن يكون من شأن إعطاء حماس دورا بارزا في أي مفاوضات المساعدة في إنهاء القتال. لكن ليس مرجحا حدوث ذلك لأن الحركة ليست في موقف قوة فقد فقدت تحالفها القوي مع سوريا وإيران بعد أن رفضت عام 2025 دعم الرئيس السوري بشار الأسد المدعوم من طهران في مواجهة جماعات المعارضة السورية.
واقتصاد غزة في حالة يرثى لها كما أن حماس تعاني من أزمة مالية تعجزها عن دفع رواتب موظفيها في القطاع منذ شهور.
لكن السيسي الذي كان وزيرا للدفاع وقائدا للجيش عند عزل مرسي أوضح أن إحدى أولوياته ضرب الإخوان المسلمين وتحييد حلفائها مثل حماس.
وتتهم السلطات المصرية حماس بدعم إسلاميين متشددين في سيناء تقول الحكومة إنهم يحاولون الإطاحة بها لكن الحركة تنفي ذلك.
ومنذ عزل مرسي ألحق الجيش المصري ضررا باقتصاد غزة عبر تدمير معظم الأنفاق الموجودة تحت خط الحدود وعددها 1200 تقريبا والتي تستخدم في تهريب البضائع والسيارات والسلاح للقطاع.
وقال أستاذ العلوم السياسية المصري مصطفى السيد "الواضح أن السلطات المصرية لا تشعر بارتياح في التعامل مع حماس التي لا تثق بدورها بالحكومة المصرية ويمكنها أن تجعل القتال يمتد لفترة أطول."
وأضاف "على ضوء العلاقة السيئة بين حماس ومصر الآن لن تكون حماس مستعدة لمساعدة مصر على تحقيق مكسب سياسي بأن تقبل مبادرتها لوقف إطلاق النار التي لا تقدم شيئا لحماس بل تحرمها من الوضع الذي كانت تتمتع به في عهد مرسي."
وتريد حماس أن ترفع إسرائيل الحصار عن القطاع بعد أن كان سببا في ضرب الاقتصاد وفي المعاناة التي يعيشها سكان غزة وعددهم 1.8 مليون نسمة.
(شارك في التغطية مصطفى هاشم من القاهرة ونضال المغربي من غزة - إعداد محمد عبد اللاه للنشرة العربية - تحرير دينا عادل)
رويترز