تسابق العديد من الإعلاميين والسياسيين المحسوبين علي تيارات معروفة بتوجهاتها المعاكسة لرغبة الجانب الأكبر من الشعب الذي ينشد الأمان والهدوء والاستقرار، وكذلك بعض الحركات الثورية وجمعيات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني في مهاجمة قانون تنظيم الحق في التظاهر الذي أقره مجلس الوزراء بعد المقولة الشهيرة لوزير الداخلية ‘نحن نحارب علي جبهة قتال من أجل استقرار هذا الوطن’، حيث يري هؤلاء أن صدور القانون بهذا الشكل سوف يؤدي إلي تقييد هذا الحق بالشكل الذي يجعل من الصعب ممارسته بالشكل الذي يجب أن يحقق الغرض منه، وبالتالي فهو يعتبر انتقاصاً لحق من الحقوق التي كفلها الدستور والقانون وهو الحق في التعبير عن الرأي، كما أنه يعتبر ردة في المكتسبات التي حققتها ثورتا يناير 2025 ويونيو 2025، والعودة إلي الدولة البوليسية، متجاهلين الأشكال والأساليب التي يمارس بها هذا الحق حالياً وما يصاحبه من أعمال تخريب وتدمير وترويع وتعطيل مصالح البلاد والعباد، وتأثيراتها السلبية علي كل جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والتعليمية.. بل والسياسية أيضاً وليس ما يحدث حالياً في جميع الجامعات المصرية بما فيها جامعة الأزهر من أعمال تخريب وإرهاب من طلبة جماعة الإخوان المسلمين لباقي الطلبة من زملائهم الراغبين في العلم، ومن أعضاء هيئات التدريس في تلك الجامعات إلا تجسيداً حقيقياً لما سبقت الإشارة إليه.
ونحن اليوم لن نناقش هذا القانون، حيث إن ذلك قتل بحثاً ونقداً برغم قناعتنا بأهمية تطبيقه علي الأقل في المرحلة الانتقالية الحالية التي تمر بها البلاد من حيث سلبياته أو إيجابياته، بل سوف نتناول هذا الحق، ونعني به الحق في التظاهر باعتباره أحد الحقوق الأساسية للإنسان بالشكل الذي يجب أن يُمارس به للتعبير عن الأهداف والمطالب التي ينادي بها القائمون بتلك التظاهرات، ومقارنة ذلك بما يحدث الآن علي أرض الواقع لعلنا نصل إلي إقناع المتربصين بهذا القانون إلي إعادة النظر في موقفهم مع إيماننا الكامل بإمكانية إعادة النظر في بعض مواد هذا القانون التي تبلغ خمسا وعشرين مادة، وهو ما سوف نشير إليه لاحقاً.
مبدئياً يمكن تعريف التظاهرات في معناها المبسط بأنها تعبير عن مواقف معينة إزاء قضايا أو إصلاحات يشهدها المجتمع تتم إما بصورة تلقائية وإما باتفاق مسبق بين قوي المعارضة للاعتراض علي بعض الأوضاع السياسية الداخلية أو الدولية أو ذات الطابع الديني والتي من المفترض ألا يترتب عليها تعطيل للمرافق العامة أو مصالح البلاد والعباد إلا عرضاً ولفترة محدودة.. والسؤال هنا: هل ما يحدث الآن في مصر يمثل تطبيقاً لهذا المفهوم؟
وبنظرة تاريخية سريعة لأول مظاهرة تمت في العصر الإسلامي نجد أنها وقعت في عهد ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه، والتي قام بها اليهودي عبد الله بن سبأ، حيث قام المذكور ومعه بعض تابعيه من اليهود بإثارة الفتنة بين المسلمين للوقيعة بينهم وبين أمرائهم وعلمائهم، وبالرغم من أن عهد الخليفة عثمان بن عفان كان من العهود التي شهدت رواجاً وخيراً وفيراً بين المسلمين، وهو الأمر الذي أثار حفيظة اليهود آنذاك إلا أنه ‘رضي الله عنه’ قام بتنصيب العديد من أقاربه وأنصاره للإشراف علي أمور البلاد، وهو ما ساعد اليهودي المذكور علي إثارة الوقيعة والفتنة بين صفوف المسلمين، حيث قام بالطعن في أمرائهم ليفسد علي المسلمين أمور دنياهم والطعن علي علمائهم ليفسد عليهم أمور دينهم ودعا أتباعه إلي ضرورة العمل لتأجيج المشاعر والمطالبة بالمساواة والإصلاح ونجح هذا المخطط في التأثير علي خليفة رسول الله ‘صلي الله عليه وسلم’ وإسقاطه وحصاره في مسكنه لمدة ثلاثين يوماً مُنع عنه فيها الطعام والشراب إلي أن تم قتله بتسع طعنات في كتفه وصدره بسبب تحريض دعاة الفتنة والثورة عليه. وكان اليهودي عبد الله بن سبأ يتنقل من قرية إلي أخري لإثارتها ودفعها إلي التظاهر والثورة علي الخليفة وهو راكب علي بغلته واليوم يتم التنقل من موقع إلي موقع، بل من دولة إلي دولة أخري علي أجهزة الإنترنت والفيس بوك لإثارة الفتنة والتحريض علي التظاهر بمعرفة من يريدون إضعاف بلادهم، بل إسقاطها أو إحراجها أمام المجتمع الدولي، لأنهم لا يؤمنون بمفهوم ومعني الوطن، بمعني آخر ‘طظ في مصر’.. أرجو أن يكون المعني قد وصل لحضراتكم.
وتمر الأعوام والقرون علي تلك الواقعة لتعود المظاهرات في ثوبها الجديد خاصة بعد ثورة يونيو 2025 بكل ما تحمله من معطيات الترهيب والتخريب للضغط علي النظام الجديد لإعادة حكم الإخوان المسلمين والذي استمر عاماً واحداً شهدت فيه البلاد ما شهدت من ترويع للآمنين وإطلاق التهم جزافاً ومحاولات السيطرة علي مفاصل الدولة وأخونتها، وذلك في مظاهرات شبه يومية شملت معظم محافظات المحروسة، وتعاملت معها أجهزة الأمن بحرفية كبيرة وبضبط نفس تُحسد عليه، برغم كل الخسائر التي منيت بها تلك الأجهزة من شهداء ومصابين، إلي أن جاءت الطامة الكبري المتمثلة في مظاهرات الطلبة المعتنقين لفكر الإخوان المسلمين أو الموالين لهم من التنظيمات الإسلامية الأخري أو المنتفعين من وراء ذلك، حيث اقتحمت الجامعات واعتدي علي منشآتها وطلابها وأساتذتها، وعطلت الدراسة في العديد من الكليات نتيجة احتلال هؤلاء لمدرجات تلك الكليات ويعلم الله ماذا سوف يحدث عند محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي من أحداث واضطرابات ومظاهرات، حيث إنني قمت بإعداد هذه الدراسة قبل موعد هذه المحاكمة.. كل هذا الذي حدث ويحدث وسوف يحدث، فهناك أصوات مازالت تعترض علي صدور قانون يهدف إلي تنظيم هذا الحق وليس إلغاؤه.. وتنادي بإلغاء معظم ما جاء فيه من مواد كان الهدف منها هو الحد من هذا الخراب والدمار والتهور الذي ينتاب مجموعات من الشباب مازالوا تحت تأثير وسيطرة فكر قيادات تلك الجماعة.. والسؤال الذي أطرحه علي هؤلاء وأنا أثق في حبهم لهذا الوطن أو علي الأقل عدم كراهيته حتي لو كانوا يحاولون إرضاء توجهات أخري قد تكون مصلحة الوطن بالنسبة لهم تأتي في مرحلة تالية لمصالح أخري لا يعلمها إلا الله.. ما هو البديل المطروح؟ ماذا عندكم من مقترحات وأفكار تنقذون بها هذا الوطن الذي أصبح يئن من التعب والإرهاق ونكران الجميل لكل ما قدمه لهؤلاء من حياة وأمان، كلنا استفدنا من مصر حتي الإخوان المسلمون الذين وصلوا إلي حد السيطرة علي معظم مقاليد الحياة بها، فالدعيد منهم أصبح من كبار أساتذة الجامعات، ومنهم من أصبحت ثرواته تضاهي ثروات كبار رجال الأعمال في بعض الدول العربية والأجنبية، بل لقد وصل من بينهم من يحكم البلاد، فماذا استفادت مصر من هؤلاء سوي ما نراه اليوم من أعمال عنف وتخريب وإرهاب، كأنهم ينتقمون منها؟
ماذا عندكم لتنقذوا إخوانكم من رجال الشرطة الذين يتساقطون يومياً شهداًء فداءً لوطننا، ماذا عندكم وقد حاولوا اغتيال وزير داخلية البلاد؟ ماذا عندكم لتنقذوا شركاءكم في الوطن من الإخوة الأقباط؟ لابد من مواجهة هذا الطوفان من أعمال العنف والشغب، والتي لا نعرف متي سوف تنتهي إذا لم نتكاتف جميعاً لمواجهتها.
المظاهرات ياسادة أحد أشكال التعبير عن آراء الشارع ومطالبه وقد تكون معبرة عن جزء أو فصيل من هذا الشعب -لا بأس من ذلك- شريطة أن يكون ذلك بالطرق السلمية وبدون أسلحة بيضاء أو سوداء أو أي لون آخر.
هل رأيتم الآثار السلبية الأخري الناتجة عن تلك المظاهرات بخلاف ما احتوته من أحداث عنف وتخريب، فعلي الصعيد الاقتصادي قد هربت الاستثمارات وأغلقت المصانع وتقلصت السياحة وزادت البطالة وانتشرت حوادث السرقات وقطع الطرق وأعمال البلطجة.. وعلي الصعيد الاجتماعي فقد حدثت تحولات سلوكية واجتماعية غريبة علي المجتمع المصري وأصبح هناك حالة من الشراسة والعنف والعدوانية وعدم تقبل للآخر بسهولة، واختفت روح التسامح والمحبة التي كانت مصر تفاخر بها بين جيرانها وظهرت العديد من الظواهر الاجتماعية التي تمس كيان الأسرة المصرية كزيادة ظاهرة التحرش الجنسي للفتيات في الشوارع والميادين، وظاهرة العنف الجسدي واللفظي في الطرق العامة وزيادة ظاهرة أطفال الشوارع واستخدامهم في أعمال البلطجة والترويع وزيادة جرائم الإتجار في المخدرات، ثم جاءت أحدث انتهاكات لحقوق براءة الأطفال وعذابات الأيتام بأساليب وأشكال لم تحدث في أي دولة في العالم المتحضر أو المتخلف.. هل رأيتم الأيتام وهم يرتدون أكفاناً بيضاء ويسيرون في شوارع القاهرة في مظاهرات الإخوان، الذين لا أعتقد وهم يقومون بذلك أنهم مسلمون؟ هل رأيتم تلك الزهور وهم يحكم عليهم بالموت، وهم لم يعرفوا طعم الحياة بعد؟؟ أي إسلام هذا لقد تفوقتم علي اليهودي عبد الله بن سبأ بامتياز.. إلي الباحثين عن حقوق الإنسان، أين حقوق هؤلاء الأيتام الذين حض الله في كتابه العزيز علي إكرامهم ورعايتهم والحفاظ عليهم وعلي حقوقهم؟
وبرغم كل ذلك دعونا نسترجع معاً بعض مواد القانون الذي نتنافش حوله لعلنا نصل معاً إلي رؤية وسيطة بيننا جميعاً، وأنا أمثل في هذا التحليل رؤيتي الشخصية فقط وهي مستمدة من سنوات طويلة تشرفت فيها بالعمل الأمني وتعاملت فيها مع العديد من أطياف المجتمع بكافة توجهاته وانتماءاته الأيدلوجية والفكرية والعقائدية.
يقع القانون المشار إليه في خمس وعشرين مادة وبالطبع فإنه لا مجال هنا لطرح هذه المواد إلا أننا نري أن المواد السبع الأولي قد لا يكون هناك خلاف عليها.. وهناك بعض المواد يمكن إعادة النظر فيها علي النحو التالي:
1- المادة رقم 8: فهي تشير إلي أنه يجب إخطار قسم أو مركز الشرطة كتابة بمكان الاجتماع أو المظاهرة قبل موعدها بسبعة أيام.
ونري: إنه من الممكن تقليص تلك الفترة إلي يومين أو ثلاثة أيام حتي يمكن الاستعداد لتأمين تلك المظاهرات وخط سيرها، والعمل علي إيجاد خطوط سير بديلة لوسائل النقل المختلفة لعدم تعطيل مصالح المواطنين.
2- المادة رقم 11: تشير إلي إمكانية قيام وزير الداخلية أو مديري الأمن بفض تلك المظاهرات إذا وردت معلومات باحتمالية القيام بمخالفات يعاقب عليها، هذا القانون وللمتضرر اللجوء إلي قاضي الأمور الوقتية لإلغاء هذا القرار.
ونري: أنه من الممكن استدعاء منظمي تلك المظاهرات ومواجهتهم لهذه المعلومات وأخذ تعهدات كتابية بعدم حدوث تلك المخالفات حال قيام المظاهرة.
3- المادة رقم 16: تشير إلي قيام المحافظين بتحديد حرم أمن لبعض المواقع لا يقل عن مائة متر ولا يزيد عن ثلاثمائة متر يحذر المشاركون من تجاوزه وتم تحديد تلك المواقع.
ونري: أنه يمكن تقليص تلك المسافات حتي يكون للمظاهرة تأثيرها الإيجابي المنشود تحقيقه وأن تقتصر القطاعات المحظورة علي مقار القوات المسلحة والشرطة.
4- المادة رقم 19: وهي تتعلق بالعقوبة بالسجن المشدد لمدة لا تقل عن عشر سنوات وبغرامة لا تقل عن ثلاثمائة ألف جنيه ولا تتجاوز خمسمائة ألف جنيه لكل من حاز أو أحرز سلاحًا أو مفرقعات أو ذخائر أثناء مشاركته في المظاهرة.
ونري: إضافة كلمة ‘واستخدمه’ أثناء مشاركته في المظاهرة لتوقيع تلك العقوبة عليه، وتخفيفها في حال عدم استخدامه لهذا السلاح، كذلك تخفيف عقوبة التحريض طالما لم تقع الجريمة.
5- إعادة النظر في العقوبات الواردة في المواد رقم 20، 21، 22، 23 من القانون المشار إليه وتخفيفها بالشكل الذي يحقق الردع المطلوب، وفي ذات الوقت بشكل يكون مقبولاً للرأي العام.
كانت تلك رؤيتنا المتواضعة لهذا الموضوع وهي كما ذكرت تمثل اجتهاداً شخصيًا أتمني أن يحظي بالدراسة، وبين هذا وذاك فإنني أناشد الجميع إعلاميين ومفكرين ومثقفين، أساتذة ودارسين، مسلمين ومسيحيين، هذا البلد ملك لنا جميعاً، حافظوا عليه كما حافظ هو علينا، أما المسئولون عن شئون البلاد والعباد فأقول لهم أسرعوا في إعادة النظر في هذا القانون إذا رأيتم ذلك وسارعوا في إصداره عقب ذلك حماية ووقاية لنا جميعًا يرحكم الله.