حين تلقى إنساناً فيبتسم في وجهك ويتلطف في معاملتك فإنك لا شك تفرح وتأنس، أما إن كان يلقاك عابساً فإنك تنفر منه ولا تحب لقاءه حتى وإن كان في هذا اللقاء شيء من المنفعة.
ومن أجل ذلك ندب الشرع إلى البشر والبشاشة التي هي السرور الذي يظهر في الوجه بما يدل على حب اللقاء والفرح بالمقابلة.
وقد عد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقاء الإخوان بالبشاشة والفرح عده من المعروف: "كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق"... (الحديث رواه الترمذي وقال: حسن).
كما قال صلى الله عليه وسلم: "ولا تحقرن شيئاً من المعروف ، وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك إن ذلك من المعروف"... (رواه أبو داود ، وصححه الألباني).
وإذا ما أتيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وجدته مستبشراً بشوشاً حتى مع الجفاة الشداد.
فذاك رجل أعرابي يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيجذبه بردائه جذبة شديدة تؤثر في عاتقه، ثم يقول له في غلظة: يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك، وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقابل هذه الغلظة والجفاء ببشاشة ورحابة صدر ثم يأمر له بعطاء.
إن هذه البشاشة التي يلقى بها المسلم إخوانه تزرع له في قلوبهم وداً ومحبة، تجعلهم راغبين في لقائه والأنس به.
ولقد صدق والله القائل:
أزور خليلي ما بدا لي هشُّه وقابلني منه البشاشة والبشرُ
فإن لم يكن هشٌ ، وبشٌ ، تركته ولو كان في اللقيا الولاية والبشرُ
وحق الذي ينتاب داري زائراً طعام وبر وقد تقدمه بشرُ
إننا - بلا شك - لا نستطيع أن نسع الناس بأموالنا، لكننا أيضا نستطيع أن نأسرهم ببسط الوجه والبشاشة وحسن الخلق.
وتزداد الحاجة إلى البشاشة وطلاقة والوجه إذا كان للناس حاجة وطلبوا قضاءها، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوانى عن خدمة المسلمين وقضاء حوائجهم ببشاشة وسعة صدر، وإنه لأحق الناس بقول الشاعر:
تعود بسط الكف حتى لو أنه ثناها لقبض لم تطعه أنامله
تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله
هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله
ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها .. فليتق الله سائله .
فكن أخي بشوشاً هيناً لينا طلق الوجه ولا تكن عابساً
لاقِ بالبشر من لقيت من النا س وعاشر بأحسن الإنصاف
لا تخالف وإن أتـوا بمحالٍ تستفد ودهم بترك الخلاف