كانت الفكرة فكرته، فقد أصرَّ فريد ابن التاسعة
على أن يشتريَ له أبوه قفصًا ذهبيًا وفيه طائرا كَنارى ،
انّه يحبّ الكناري بلونه الأصفر المائل إلى الحُمرة
وصوته العذب الرخيم ، فقد شاهده عند صديقه منير .
كان ذلك منذ سنة ، ولكن فريدًا تغيّر في هذه الأيام كثيرًا ،
فقد علّمته معلمة الصّفّ والتي يحبّها كثيرًا ،
علّمته أنّ الطيور والعصافير
خُلقت لتعيش حُرّة تنعم بالفضاء والحريّة والربيع
الذي ملأ الأرجاء ، لا أن تُحبس في أقفاص.
لقد فكّر فريد وفكّر ...كيف يمكن
أن يحرّر هذين الطائرين الجميلين
من الأسر ، صحيح أن والده دفع ثمنهما
مبلغًا من المال ،ولكنّ الحريّة أغلى ثمنًا
احتار فريد هل يخبر امّه أم أباه بالأمر ،
أم يتصرّف بنفسه ، وحكّ رأسه وضحك...
وفي اليوم التالي عندما جاءت الأم لتطعم الكناريين ،
تعجّبت حين لم ترَ الا كناريًا واحدًا.
أين الثّاني تساءلت ،وتساءل الأب ،
وتساءل حتّى فريد ، فباب القفص مقفَلٌ
ولا أثر للريش بجانبه.وظلّ اللغز لغزًا ،
رغم أن الوالدين نظرا إلى ولدهما نظرة فيها شيء من الشّكّ .
مرّت الأيام والكناري يعيش الوحدة والحزن ،
فأقترح الأب أن يشتري كناريًا آخر ،
ولكنّ فريد حاول ان يمنع هذه الخطوة ،
فاتفق الجميع على التأجيل اخذ فريد في عصر احد أيام
الربيع المتأخرة القفص الذهبيّ والكناري في داخله،
أخذه إلى الحديقة وعلّقه بغصن شجرة التوت ،
وما هي إلا لحظات حتى هبط الكناري الثاني على القفص ،
وأخذ يزقزق ويشارك شريكه الغناء.
نادى فريد والديه ، ونظر إليهما طويلا ،
وكأنه يرجوهما شيئًا .ولم يخب ظنّه ورجاه ،
فها هو الأب يقوم إلى باب القفص الذهبيّ فيفتحه ،
لينطلق الكناري الأسير إلى الخارج مسرعًا ومزقزقًا
وكأنه يقول :
شكرًا ... شكرًا .وطار الكناريان بعيدًا،
وطار معهما فريد إلى غرفته ليعود حاملاً
من حصّالته مبلغاً من المال ، وعرضه على أبيه
لقاء حريّة العصفورين ، ومعتذرا
بأنه هو هو الذي حرّر الكناري الأول ،
في خطوة لتحرير الثاني .ضحك الوالدان كثيرًا،
ورفضا قبول المبلغ ، بل مدحاه على أخلاقه ومبادئه.
ظلّ القفص الذهبيّ مُعلَّقًا بشجرة التوت ،
مفتوح الباب ، عامرًا بالطعام ،
يبيت فيه الكناريان ليلا،
ليطيرا صباحًا على أجنحة الحُريّة ،
ليس قبل أن يُغرّدا أغنية الصّباح الجميلة
على نافذة غرفة فريد.