الدكتور شوقي علام مفتى الجمهورية عالم مستنير فقيه متواضع تواضع العلماء، يتخذ الوسطية منهجاً يسير عليه لتوافقه مع روح ومبادئ الإسلام، كما يوجه العلماء فى دار الإفتاء بأن تكون الوسطية خيارهم الأول.
المفتي أكد في حواره مع «الوفد» أن تزايد العمليات الإرهابية فى الآونة الأخيرة يستهدف تعطيل البناء، متهما أيادي خارجية لا تريد لمصر وشعبها خيراً، مشيراً إلي أن ضبط الخطاب الديني يتطلب مراجعة أمينة، وتجديداً مهماً وضرورياً لكي يكون رادعاً للعنف والإرهاب، موضحاً أن الانتماء للتنظيمات والجماعات المسلحة التي تسعى لتخريب البلاد حرام شرعاً، مؤكداً أن دار الإفتاء تقوم بجهود حثيثة في الداخل والخارج لمواجهة وتفنيد مزاعم الإرهابيين، وتصحيح تعاليم الدين الإسلامي التي تم تشويهها.. لافتاً إلى أن دار الإفتاء المصرية تتبع منهج الأزهر الوسطي، وتستقبل يومياً ما يزيد علي 1500 فتوى في مختلف المجالات من الداخل والخارج، وهو ما يؤكد تزايد ثقة الناس في الدار والأزهر الشريف.
كيف تري فضيلتكم استمرار مسلسل القتل وسفك الدماء تحت اسم الجهاد والخلافة الإسلامية المزعومة من جانب تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية؟
- ما نشهده اليوم من قتل وسفك للدماء وترويع للآمنين، يعد إساءة عظيمة وتشويهاً كبيراً للإسلام والمسلمين، وأيضاً لتاريخ المسلمين وتراثهم القديم، وهو استخدام لتعاليم الدين الإسلامى بغرض تحقيق مكاسب ضيقة وجذب البسطاء ممن ينطلى عليهم استخدام الشعارات الدينية، الذى يؤدى بدوره إلى انتشار العنف والصراعات الدينية فى مناطق العالم المختلفة تحت دعاوى الحروب الدينية فـ «داعش» وغيرها من التنظيمات الإرهابية، ارتكبوا كل ألوان الفساد، هتكوا الأعراض، وقتلوا الأنفس، وانتهوا إلى تكفير الأمة، فهم بُغاةٌ بشأن ادعائهم الخلافة الإسلامية فتحقق فيهم الحرابة والبَغى، فأفعال هؤلاء ليست أفعال أهل الإسلام ويجب أن نتوحد فى التصدى لهم فكرياً وأمنياً.
الخطاب الإسلامي متهم بأنه يغذي العنف والتطرف.. ويميل إلى الغلو والتشدد ويعلِّم الكراهية وعدم قبول الآخر؟.. ما مواصفات الخطاب الديني الذي يلائم العصر.. وما نصيحة فضيلتكم للعلماء والوعاظ؟
- لابد أن يتصف الخطاب الديني المأمول بمجموعة من الخصائص التي تناسب العصر يكون قوامه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويتصف بالوسطية والاعتدال، ويكون خطاباً عالمياً يخاطب الجميع ولا يقتصر علي المسلمين، ويدعو إلي التفاؤل والعمل ونبذ الكسل والإحباط وغيرها من الصفات التي تقرب الناس إلي الدين ولا تكون سبباً لنفورهم من الدين، وضبط الخطاب الديني يتطلب مراجعة أمينة له وتجديداً مهماً وضرورياً لكي يكون دافعاً للعمل والمشاركة ومحفزاً علي الدعم والتعاون والتدافع في الأرض لإعمارها وعمارتها، فلابد أن يحارب الخطاب الديني الأفكار المتطرفة والهدامة التي تسعي لنشر الخراب والفتن عبر اجتزاء النصوص الدينية وتأويلها بغير حقها.. ويجب علي المتصدرين للخطاب الديني أن ينتبهوا لمثل تلك الأفكار والمحاذير وأن يتصدوا لها بوعي وعلم وبصيرة عبر نشر فكر إسلامي وسطي يعبر عن صحيح الدين وسماحته وإيجابيته في الحياة الدنيا.
ما المقصود بتجديد الخطاب الديني من وجهة نظر فضيلتكم وما منهج الدار في التجديد؟
- تجديد الخطاب الدينى يعنى أن نأخذ من المصادر الأصيلة للتشريع الإسلامى ما يوافق كل عصر باختلاف جهاته الأربع «الزمان والمكان والأشخاص والأحوال»، بما يحقق مصلحة الإنسان فى زمانه، وفى إطار من منظومة القيم والأخلاق التى دعا إليها ورسخها الإسلام، ومن عظمة الإسلام أنه يحمل بين طياته المنهج والأدوات التى تجعله صالحاً لكل زمان ومكان، لأنه جاء شاملاً لثوابت لا تتغير ومساحة الثوابت تعتبر صغيرة إذا ما قورنت بالمتغيرات والظنيات التى تخضع لنظر العلماء المجتهدين، فيجتهدون فى أحكامها مع مراعاة مقتضيات الواقع المعيش ومتغيراته التى تجعل نظر العالم المعاصر قد يختلف عن نظر من سبقوه، وبما يحقق مصلحة الإنسان فى الدنيا والآخرة.
وما أهم القضايا التي يجب الالتفات إليها لتجديد الخطاب الديني؟
- يجب تحديد القضايا التى استند إليها الفكر المتشدد فى تصدير الوجه الدموى المفترى على الإسلام والمسلمين فى الداخل والخارج، مثل قضية الجهاد بمفهومه الصحيح كما يجب التأكيد على قضية المرجعية، وأنها لابد أن تكون لأهل الاختصاص، كل فى علمه وفنه، تحقيقاً لقول الله تعالى: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»، وألا يغيب عن ساحتنا عند تجديد الخطاب الدينى أهمية نشر ثقافة التعايش مع الآخر، فى المجال التعليمى والدعوى والإفتائى، من خلال القواسم المشتركة الكثيرة التى تجمع بين أبناء الدولة الواحدة بما يشكل نسيجاً مجتمعياً وبناء حضارياً جاءت الأديان كلها بالدعوة إليه والحث عليه.
سبق أن ذكرت فضيلتكم ضرورة تفعيل دور العقل في الخطاب الديني.. لماذا؟
- غياب الإقناع العقلي عن الخطاب الديني يقلل من دوره الدعوي ومن قيمته، وبالتالي لابد من تفعيل دور العقل حتى يتسنى لنا أن نحارب الأفكار المتطرفة فتجديد الخطاب الديني أصبح ضرورة ملحة، ولكن يجب أن يتم ذلك دون المساس بالثوابت الدينية، وأن يكون عبر تجديد الطرق والأساليب الأدوات التي تُعرض بها الأحكام الشرعية والمفاهيم والتعاليم الإسلامية، وإزالة اللبس عن بعض الأمور التي قد تُلتبس على الناس.
ما واجب العلماء تجاه التراث الإسلامي وما به من أشياء دخيلة وغريبة؟
- علينا أن ننظر إلى التراث الإسلامى غير الكتاب والسنة باعتباره عملاً تراكمياً محترماً ولكنه ليس مقدساً، بمعنى أننا نستفيد من مناهج السلف الصالح فيه، لأنها مبنية على اللغة والعقل وقواعد تفسير النصوص، ولكن فى نفس الوقت لا نلتزم بمسائلهم التى ارتبطت بسياق واقعهم وقتها، مع تنقية هذا التراث العظيم من كل شىء دخيل وغريب عنه، دون انتقاص لهذا المجهود الكبير وغير المسبوق.
وما قولك في استقطاب الجماعات الإرهابية للشباب لتنفيذ مخططاتهم؟
- هؤلاء يدلسون المصطلحات ويلبسونها على الأمة لاستقطاب الشباب الذين لا يفهمون أحكام الإسلام لتنفيذ مخططاتهم، بدعوى الجهاد فى سبيل الله، أو نصرة الدين، أو إقامة الخلافة، ومن بين هذا الخلط فى المصطلحات ذلك الخلط ما بين الانتحار والموت فى سبيل الله وتسويقهما على أنهما مترادفان لمعنى واحد، وشتان ما بين الأمرين، لأن الأول باع نفسه للشيطان ولم يفقه أحكام الإسلام التى حرَّمت قتل النفس إلا بالحق، وآخر قاتل فى سبيل الله فيُقْتل دفاعًا عن دينه ووطنه وعرضه ضد الأعداء، وهنا تأتى أهمية الخطاب الدينى الواعى الرشيد، فالخطاب الدينى مسئول أن يقطع الطريق على أصحاب هذا الفكر المنحرف، فيبين أن المنتحر فى النار، وهو من أكبر الكبائر التى تلى الشرك فالانتماء للتنظيمات والجماعات المسلحة التي تسعى لتخريب البلاد حرام شرعاً، وتشويه لصورة الإسلام في العالم أجمع.
وما نصيحتكم للشباب الذي يفكر في الانضمام للجماعات الإرهابية؟
- أقول للشباب الذين يفكرون في الانضمام للجماعات الإرهابية بأن يسعوا دائمًا لأهل الاختصاص لفهم المعنى الحقيقي للإسلام وتعاليمه وألا يقعوا في براثن الأفكار المتطرفة البعيدة عن الفهم الصحيح للإسلام.. ونؤكد للشباب، أن الإسلام لم يكن يوماً داعياً للتخريب والدمار، بل جاء لعمارة الأرض وخدمة الإنسانية، ومن أجل تحقيق السلام العالمي ونشر الرحمة في العالمين.
كيف تري ادعاءات تنظيم «داعش» الإرهابي بأنهم يقتدون ببعض الصحابة في حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حياً.. وبم تصف هذه الجريمة؟
- «داعش» وغيرها من التنظيمات المتطرفة ضلوا فى استنباط الأدلة الشرعية، وانجرفوا فى فهمهم للآيات والأحاديث، فهم يلوون عنق النصوص كى يبرروا مواقفهم وأفعالهم الدموية المتطرفة، ولا يتورعون عن التجرؤ على دماء الخلق، واستصدار فتاوى شاذة مُنكرة لمصلحة منهجهم التكفيرى، الذى يعيثون به فى الأرض فساداً.. وما ترتكبه داعش من إرهاب وقتل وتخريب يصب فى مصلحة أعداء الإسلام، واستندوا فى جريمتهم البشعة إلى تفسيرات خاطئة لنصوص أو أقوال ليبرروا فجاجة فعلهم، وزعمهم بأن الصحابى الجليل أبوبكر الصديق قد أحرق «الفجاءة السلمى» حياً غير صحيح وساقط باطل لا سند له، وما حدث للطيار الأردني معاذ الكساسبة على يد تنظيم «داعش» جريمة بشعة وعمل وحشي يخالف الفطرة الإنسانية السلمية، ويخالف تعاليم الأديان.
وكيف قرأت الجريمة البشعة التي قام بها التنظيم الإرهابي «داعش» في ليبيا وذبحهم 21 من المصريين؟.. وما قول فضيلتكم فيما نسب للرسول أنه بعث بالسيف؟
- هؤلاء مجرمون وهمج تتبرأ من أفعالهم كافة الأديان السماوية وبإقدامهم على هذه الفعلة النكراء قد استحقوا لعنة الله وغضبه عليهم ومصيرهم جهنم وساءت مصيراً، فالشرع الشريف أكد على حرمة الدماء، ورهب ترهيباً شديداً من إراقتها، بل جعل الله سبحانه وتعالى قتل النفس سواء أكانت مسلمة أم غير مسلمة بغير حق قتلاً للناس جميعاً، والنبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله توعد أمثال هؤلاء الإرهابيين الذين يقتلون الأبرياء فقال: «من قتل معاهداً لم ير رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين يوماً».
من وجهة نظر فضيلتكم ما الذي يجب علينا فعله لمواجهة فوضى الفتاوى التي تحدث بلبلة في المجتمع؟
- ما نراه اليوم من فوضى الفتاوى على الفضائيات ووسائل الاتصال الحديثة والإنترنت يمثل فوضى في الخطاب الديني، الذي بدوره أحدث حالة من البلبلة والتخبط عند الناس، على الرغم من أن من أحدثوا هذه الفوضى ولا يعبرون إلا عن أنفسهم، لكن هذه الحالة من الفوضى والاختلاف ما بين تشدد قاتل أو تسيب مقيت قد سببت حالة الاضطراب والفوضى في الخطاب الديني، والقضاء علي هذه الظاهرة من خلال لجوء المواطنين إلى المتخصصين والعلماء عند الحصول على الفتاوى، وإلى المؤسسات الدينية المخول لها ذلك، والإعراض عن تلك الفتاوى التي تبث في الفضائيات والإنترنت.
وكيف تري الفتاوي التي تحرض علي قتل قوات الأمن من رجال الجيش والشرطة؟
- نحذر من اتباع تلك الدعوات الغادرة التي تحض علي قتل الأبرياء والاعتداء علي رجال الجيش والشرطة لأن النبي صلي الله عليه وسلم حذرنا أشد التحذير من التحريض علي القتل، وتلك فتاوي منكرة ولا يجب أن تصدر عن من يطلقون علي أنفسهم علماء دين لأن من يعتدي علي النفس البشرية أياً كانت فجزاؤه جزاء المفسد في الأرض والشرع الشريف أكد علي حرمة الدماء، ورهب ترهيباً شديداً من إراقتها.
والخلافات والانقسامات بين أبناء الوطن.. متي تنتهي؟
- تزعجني هذه الخلافات التي لا يستفيد منها سوى الذين يتربصون بهذا الوطن ولا يريدون له خيراً ولا تقدماً ولا استقراراً، هذه الانقسامات تفوت الفرصة على أبناء مصر الجادين الذين يريدون أن يبنوا مصر وأن يعبروا بها إلى مستقبل أفضل، لأنه هناك من لا يحب لمصر أن تصل إلى الأمن ولا إلى الاستقرار ولا يحب لها أن تعود إلى سابق عهدها وريادتها، لذا أرى أن هذه الفرقة والتشرذم لا يخدم إلا أعداء الوطن ويفوت على أبنائه البناء والتنمية.
ما قولكم في حملات التشويه التي يتعرض لها الإسلام في الغرب؟
- الإسلام يتعرض لحملات تشويه واسعة ومنظمة، ولم تقف على فئة بعينها فقد تمثلت في المواطن العادي إلى أن وصلت إلى رجال الدين هناك، وتنوعت هذه الحملات ما بين حرق للمصاحف ورسوم مسئية واضطهاد للأقليات المسلمة هناك، وتطاول على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الإسلام الذي يصفونه بأنه دين عنف وتطرف ولم ينتشر إلا بحد السيف، ووجود بعض الأقلام الغربية التي تجيد تشويه الإسلام والافتراء عليه ووصفه بما ليس فيه لا تكل عن الإساءة، وقد طالبنا في السابق بتصحيح مناهج التعليم في الدول الغربية التي تعرض صورًا مشوهة تسيء إلى الإسلام والمسلمين في عقائدهم ووجودهم وكذلك تغيير القوانين سيئة السمعة، من أجل بناء عالم من التعايش السلمي، لأن الإسلام يدعو دائماً إلى تعاون الحضارات وتكاتفها لتحقيق الخير لكل البشرية، ويرفض فكرة صراعها والأقاويل التي تدعي تصادمها.
وما دور دار الإفتاء لتصحيح صورة الإسلام هناك؟
- بدأنا في تبني استراتيجية لإزالة هذه الصورة المشوهة عن الإسلام والمسلمين، بإطلاق العديد من الحملات لتصحيح صورة الإسلام وتوضيح المفاهيم الإسلامية، ونشر الفكر الوسطى وأوفدنا مجموعة من علماء الدار إلى هذه البلدان لمخاطبة الغرب وفق عقليته واللغة التي يفهمها بغية توصيل الصورة صحيحة دون تشويه، حيث أنشأت الدار قسماً للفتوى باللغات المختلفة، وتم توقيع بروتوكول تعاون مع وزارة الخارجية لنشرها فى سفارات مصر بالخارج، وخصوصاً باللغات الحية واللغات الأفريقية لوجود فكر متشدد فى تلك البلدان، كما انتهينا من إعداد موسوعة إسلامية باللغة الإنجليزية تضم ما يزيد على الألف فتوى وسؤال فى 5 مجلدات توزع على الجاليات المسلمة فى أوروبا وأمريكا وأستراليا وغرب أفريقيا وشرق آسيا، وتمثل دليلاً إرشادياً للمسلم المعاصر فى جميع مناحى الحياة المختلفة، وتسعى لتصحيح المفاهيم ومحاربة الفكر المتطرف.
كانت لفضيلتكم من جولة خارجية مؤخرا لتصحيح صورة الإسلام في الغرب.. ما المشكلات التي لاحظتم أن المسلمين في الغرب يعانون منها؟.. وما نصيحتكم لهم؟
- هناك مشكلات عديدة، من أهمها عدم اندماجهم في المجتمع وكذا هجوم المناهج التعليمية على الإسلام والمسلمين بصور مشوهة محرفة في التاريخ الإسلامي وعن القرآن الكريم وعن شخصية النبي صلى الله عليه وسلم والشريعة الإسلامية، وهناك قوانين صدرت تحاصر المسلمين وتضعف من شأنهم وتجعلهم أكثر انعزالاً، كذلك توجد مساحة ضخمة في وسائل الإعلام الغربية تهاجم الإسلام والمسلمين وتسخر منهم، وتصف «الإرهاب» بأنه إسلامي، فهناك الخوف من الإسلام أو ما يعرف بمصطلح «إسلاموفوبيا» وينبغي علينا اقامة بروتوكولاً يتضمن دعوة المسلم الغربي للاندماج في مجتمعه وكيفية وصورة هذا الاندماج، أي أن يندمج في المجتمع من دون ترك هويته، على أن يكون في هذا البروتوكول نوع من أنواع المرجعية للأزهر الشريف، سواء للحكومات الغربية أو المسلمين الذين يعيشون في الغرب، وأن تعتمد تلك الحكومات هذه المرجعية، فالأزهر له العمق التاريخي والقبول العام فهو لديه منهج يسير عليه وطالبنا المسلمين هناك أن يقوموا بجهودهم للتعديل في مناهج التعليم، ويوفروا مساحة في الإعلام الغربي كي يستطيعوا من خلالها الدفاع عن هويتنا.
وكيف نحسن العلاقات بين العالمين الغربي والإسلامي؟
- من خلال تغيير الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين، بحيث نؤكد على أن غالبية المسلمين في العالم والبالغ عددهم مليار ونصف المليار يحبون السلام ويرفضون العنف ويرحبون بالحوار بين الحضارات، هذا التحسن في العلاقات من شأنه أن يبعث برسالتين، إحداهما تطمينية بأن المسلمين يلتزمون الوسطية والحوار ويرفضون أي شكل من أشكال التشدد، والأخرى تحذيرية إلى كافة المنتديات الغربية من خطورة الاعتماد على تفسيرات مشوهة ومحرَّفة لا أصل لها في الدين الإسلامي، في تأكيد على أن الدين الإسلامي هو دين التسامح والوسطية والاعتدال، ولا بد من نشر صحيح الدين وفلسفته، وحقيقته السمحة الوسطية التي تسعى نحو التعايش السلمي وبناء الحضارة الإنسانية.
هل من الممكن القول أن دار الإفتاء تقوم بدورها المنوط به داخلياً وخارجياً؟
- دار الإفتاء المصرية منذ إنشائها عام 1895 وهي تؤدي رسالتها وفق منهج علمي رصين لنصوص الدين والفهم الواقعي للحياة وأنها قدمت أعمالاً جليلة وإسهامات عظيمة من أجل رفعة الأمة ونهضتها؛ حيث صدر عن دار الإفتاء في عامي 2025 و2023 فقط ما يقرب من 900 ألف فتوى، ما بين المكتوبة والشفهية أو الهاتفية أو التي ترد إلى موقع الدار عن طريق الإنترنت، علاوة على أنها نبذل جهوداً دءوبة نحو الوصل بين الإسلام والعالم المعاصر، فنحن نصدر آلاف الفتاوى يومياً في مختلف فروع الفقه؛ ومنها قضايا حياتية مهمة بشأن حق المرأة في الكرامة، والتعليم، والعمل، وتولي المناصب السياسية، وإدانة العنف في معاملتها، وأكدنا القيم المشتركة بين الأديان، وأهمية المضي قدمًا في تعزيز المبادئ والقيم المشتركة، واحترام وقبول الآخر، وشددت الدار على أهمية أن يكون العلماء المسلمون المؤهلون هم من لهم حق التحدث باسم الإسلام، وحذرنا من مغبة أن تقوم بعض وسائل الإعلام الغربية بإفساح المجال لبعض المتطرفين - الذين لا يمثلون إلا أنفسهم - باعتبارهم يريدون أن يكونوا تياراً سائداً، كما أشارنا إلى أهمية تجديد التراث الفقهي بالضوابط المرعية، وضرورة الأخذ في عين الاعتبار السياقات التاريخية المختلفة.
كيف تواجه دار الإفتاء المصرية خطر فتاوى التكفير والتحريض والفوضى؟
- هذه نقطة مهمة وعليه سيكون الهم الأكبر عندي في المرحلة المقبلة وهو القيام بوظيفة الدار من بيان للأحكام الشرعية بطريقة منضبطة تحد من الفتاوى التي تحدث بلبلة في المجتمع وتقضي على ما يسمى بفوضى الفتاوى، وسيكون هذا الأمر من خلال طريقتين: الأولى وهي الإسهام الفاعل في بث مزيد من الوعي العام لدى جماهير الأمة بهذه القضية، والعمل على إرساء ما أسماه بعض علمائنا بـ»ثقافة الاستفتاء»؛ لأن هذا بمثابة التحصين من الوقوع في هذا الإشكال، والطريقة الثانية تتمثل في العمل الدءوب على تصحيح المفاهيم الفاسدة التي تخلفها تلك الفتاوى الشاذة والغريبة على مجتمعاتنا وعلى روح الإسلام الوسطي الذي اتخذه الأزهر منهاجاً له، فالمؤسسة الأزهرية هي عنوان للوسطية الإسلامية التي تسع الجميع وتحتوي الجميع،
الوطن والأمة تعيش مرحلة حرجة مليئة بالأزمات فما هو المخرج من وجهة نظرك؟
- المخرج بكل بساطة يكمن في أمرين الأول العودة إلى الفكر، فلابد في حالة أزمة الأمة الحالية أن تعود إلى التفكر، فيحدث الاجتهاد في الجانب الشرعي، والتطور في الجانب العلمي، ودخول عصر التكنولوجيا إنشاءً وليس استيراداً، والتركيز على الأدوات التي تساهم في بناء الإنسان وفي التنمية البشرية فكل هذه الأشياء هي وليدة الفكر ونحن نحتاج إلى التدرب على الفكر لأنه من الأسس من يحل كل المشكلات، وثانيًا التربية وهي أمر مهم للغاية التي تتكون من التعليم والقيم والتدريب، في حالة ما فعلنا هذين الأمرين نستطيع تجاوز أي أزمة بإذن الله تعالى.
البعض يفتعل الأزمات والاضطرابات هذه الأيام ما رأي فضيلتكم في ذلك؟.. وكيف نتغلب على هذا الأمر؟
- في هذه المرحلة بالذات يتعرض الوطن لاختبار صعب على المستوى السياسي والاقتصادي، من قبل أياد لا تريد لمصر وشعبها الخير والرقي والتقدم، لكن الإرادة الجمعية للشعب المصري مصممة على تخطي هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الوطن، واستكمال خارطة الطريق، لذا أطالب الشعب كله بأن يتكاتف من أجل الوقوف أمام هذا الخطر وتخطي المرحلة الحالية بالعمل الجاد على كل المستويات وإغلاق كل أبواب الفتنة والمشاركة البناءة وعدم السماح لأي شخص بتزوير إرادتهم، أو بث روح الفتنة بين صفوفهم، وكل هذا سيتم في أقرب وقت إن شاء الله تعالى.
شهدت المرحلة السابقة أحداث قتل من قبل الإرهابيين ما تعليق فضيلتكم على هذه الأحداث الدموية؟
- ما تقوم به هذه الجماعات الإرهابية مرفوض تماماً، الرأي فيه أنه يحرم كل عمل أو تصرف يؤدي إلى إراقة الدماء أو إثارة الفتنة، فهذه الأحداث حرام حرمة شرعية وقانونية وعرفية، ونحن في أمس الأوقات لحفظ حرمات الناس والوطن، خاصة في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها مصر، وعلى كل إنسان أن يعلم عظم الدماء وحرمتها، التي هي أشد عند الله من حرمة بيته الحرام، وعلينا كأفراد ومجتمعات الوقوف بحزم وحسم أمام هذه الممارسات الغاشمة ومواجهتها بكل قوة.
< انتشرت في الآونة الأخيرة موجة من والفتاوى الشاذة والآراء الصادمة التي تطعن في ثوابت الدين والصحابة.. من وجهة نظر فضيلتكم ما سبب ذلك وهل تم رصدها من قبل الإفتاء؟
- هبت الدار من واقع صميم عملها للرد على كل تلك الشبهات والافتراءات، وكان هذا النشاط واضحاً بشكل ملحوظ نتيجة الزخم الكبير حول هذه القضايا ونتيجة لانتشار الآراء المتشددة من قبل البعض، فالدار من خلال مرصد الفتاوى التكفيرية والشاذة تحصل على الكثير من هذه الفتاوى والآراء نتيجة الرصد اليومي وعلى مدار الساعة من قبل الباحثين والمتخصصين في هذا المرصد، ومن ثم تقوم بالرد والتفاعل مع الأحداث ونشرها في الإعلام لإعطاء الصورة الصحيحة، ومنع حدوث البلبة والوقيعة بين الناس في ظل ما تشهده البلاد من ظروف في وقتنا الحالي، وهذا العمل سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل إن شاء الله هو نابع من صميم عمل دار الإفتاء المصرية ودورها في نشر الوعي الديني الوسطي بين المسلمين. فمهمة الدار الأساسية هي بيان الحكم الشرعي للمسلمين في كل ما يشغلهم في أمور دنياهم ودينهم.
مع تعدد القضايا العصرية في المجتمع ما الضوابط التي يراعيها أهل الاختصاص في الفتوي؟
- على من يقوم بالإفتاء عند الاختيار الفقهى فى الفتوى أن يراعى حال السائل وييسر عليه بما لا يخالف مقصود الشرع، وأن يفرق كذلك بين المسائل المتعلقة بالفرد والأخرى المتعلقة بالمجتمع، إذ قد تختلف الإجابة عن السؤال الواحد من هذه الحيثية، وهو فقه يساعد على إيجاد حلول للمشكلات التى تواجه المجتمعات والدول، وبما لا يخرج عن منظومة القيم الإسلامية، ومنها أيضاً فقه الأولويات الذى يعد من أهم واجبات هذا العصر.
الفتاوي الموجودة في كتب التراث هل تتم مراجعتها وتنقيحها في دار الإفتاء؟
- الفتاوي تتغير بتغير الجهات الأربع «الزمان والمكان والأحوال والأشخاص»، فهناك ضوابط للفتوي لابد أن تراعي، فالتغير في الفتوي يتعلق بالأحكام المبنية علي الأعراف والعادات والأحكام الاجتهادية والتي استنبطت بدليل القياس أو المصالح المرسلة أو الاستحسان أو غيرها من الأدلة الفرعية. فالتغير له شروط وقواعد وليس مجرد استجابة أو إذعان لضغط الواقع حيث إنها عملية تهدف إلي إبقاء الأمور تحت حكم الشريعة وإن تغيرت صورها الظاهرة، وهي ليست خروجاً علي الشريعة واستحداثاً لأحكام جديدة، فالتغير في الفتوي هو تغير خاص من حيث الزمان والمكان والأشخاص والأحوال.
مرصد التكفير التابع للدار كيف يعمل وما خطتكم لتصحيح المفاهيم المغلوطة عند كثير من الشباب خاصة في مناطق الأطراف الحدودية في الدولة؟
- المرصد هو أداة رصدية وبحثية لخدمة المؤسسة الدينية باعتبارها المرجعية الإسلامية الأولى في مجال الفتوى، وهدفه التصدي لظاهرة فتاوى التكفير والآراء المتشددة في مختلف وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وتقديم معالجات فكرية ودينية لتلك الظاهرة وآثارها، ومحاولة الوقوف على الأنماط التكفيرية والمتشددة في المجتمع لتكون محل مزيد من البحث والدراسة لتقديم تصور لعلاج الظاهرة والمرتبطين بها، ومنها أيضاً تحسين صورة الإسلام وتنقيح الخطاب الديني من ظواهر التشدد التي طرأت عليه بفعل أيديولوجيات وافدة أو مجتزئة التي تدعو إلى العنف والتطرف، وهناك محاولات من الدار بالتنسيق مع الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف عن طريق علمائهم لنشر المفاهيم الصحيحة في ربوع الوطن، والقضاء على ظاهرة التشدد والتطرف وتجفيف منابعها.
في تقديرك لماذا ازدادت وتيرة الفتاوى الشاذة في مصر والعالم العربي رغم وجود مؤسسات دعوية وشرعية كثيرة الآن؟.. ولماذا ظهرت هذه الفتاوى في هذا الوقت بالتحديد؟
- هذا أمر طبيعي نظراً للأحداث التي يمر بها العالم العربي بوجه عام وتمر مصر به بوجه خاص، وهذا يرجع أيضاً إلى وجود جماعات متطرفة تتبنى فكراً شاذاً يساهم في الإساءة للدين وللأوطان، ونحن نحاول التصدي لمثل هذه الأفكار وهذه الفوضى في الفتاوى، وهذه المهمة ستكون الهم الأكبر عندنا في المرحلة المقبلة وهو القيام بوظيفة الدار من بيان للأحكام الشرعية بطريقة منضبطة تحد من الفتاوى التي تحدث بلبلة في المجتمع، وسيكون هذا الأمر من خلال طريقتين: الأولى وهي الإسهام الفاعل في بث مزيد من الوعي العام لدى جماهير الأمة بهذه القضية، والعمل على إرساء ما أسماه بعض علمائنا بـ «ثقافة الاستفتاء»، لأن هذا بمثابة التحصين من الوقوع في هذا الإشكال، والطريقة الثانية تتمثل في العمل الدءوب على تصحيح المفاهيم الفاسدة التي تخلفها تلك الفتاوى الشاذة والغريبة على مجتمعاتنا وعلى روح الإسلام الوسطي الذي اتخذه الأزهر منهاجاً له، فالمؤسسة الأزهرية هي عنوان للوسطية الإسلامية التي تسع الجميع وتحتوي الجميع، وستظل بفضل الله عز وجل مرتكزًا لكل دعوات الخير، وقيادة لا أقول روحية فقط، وإنما قيادة فكرية قادرة على ضبْط إيقاع المجتمع إذا ظهر فيه النشاز في أي صورة من صوره.
هل رأي مفتي الجمهورية في قضايا الإعدام ملزم للمحكمة.. وما قول فضيلتكم فيمن يعلق علي أحكام القضاء؟
- رأى المفتى بشأن أحكام الإعدام استشاري فى كل الأحوال وفق قانون الإجراءات الجنائية، وللقاضى أن يأخذ رأى المفتى أو يتركه جانبا ويقضى بما يراه محققاً للعدالة، فالمفتى ينظر فى الأوراق المعروضة عليه من الناحية الشرعية لا من الناحية القانونية أو السياسية، والرأى يصدر بناء على ما هو موجود فى أوراق القضية بصرف النظر تماما عن الأسماء الموجودة بها نحن نحترم القانون والقضاء المصرى واستقلاليته، وندعو الله تعالي للقضاة بالثبات علي الحق ونرجو أن يسود فيه العدل، فلا يكون المجتمع متيناً، إلا إذا قام علي قضاء محترم يحترمه الجميع والحمد لله القضاء المصري بخير ويجب علينا أن نتجنب ثقافة الفوضي والهدم. ونعمل علي إشاعة ثقافة البناء والتفكر والتدبر والاهتداء والاقتداء بالرسول صلي الله عليه وسلم.
السيرة الذاتية للدكتور شوقي علام
تم انتخابه في فبراير 2025 بمنصب مفتي الديار المصرية خلال اجتماع هيئة كبار علماء الأزهر برئاسة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، ويعد أول مفتى منتخب بعد تعديلات قانون الأزهر.
شارك فى عدة مؤتمرات دولية فى فقه المعاملات والنكاح.
ولد عام 1961، وحصل على ليسانس شريعة بكلية الشريعة والقانون بطنطا بتقدير جيد جداً عام 1984 وتدرج في الوظائف العلمية إلى أن حصل على الماجستير عام 90 وحصل علي الدكتوراه عام 1996 في كلية الشريعة والقانون بالقاهرة جامعة الأزهر.
اعير إلى معهد العلوم الشرعية بسلطنة عمان فى الفترة من 2007 إلى 2025 وتولى رئاسة قسم الفقه في يناير 2025 بطنطا وله 13 بحثاً متخصصاً منها «دور الدولة في الزكاة» و«أحكام خيار المجلس» و«حبس المدين» و«الولاية في عقد النكاح» و«الطلاق السنى والبدعي حقيقة وحكماً» و«التفريق القضائي بين الزوجين للعلل والعيوب» و«تحديد الجنس وتغييره بين الحظر والمشروعية» و«الحقوق السياسية للمرأة المسلمة».
كما قدم للمكتبة الاسلامية 21 كتاباً منها «مبادئ علم الميراث» وحصل على دورات فى الكمبيوتر من سلطنة عمان بتقدير امتياز.
الوفد